نحن و«ترامب» بين الثابت والمتغير

كتب أحمد أبو شادي

لم يحظَ قدوم رئيس أمريكى قبل دونالد ترامب بكم وتنوع التكهنات عن سياساته والتوجس من نواياه داخليًا وخارجيًا.
ذلك التوجس ينطبق علينا فى مصر وعلى أشقائنا العرب، خاصة إخواننا الفلسطينيين الصامدين فى غزة والضفة الغربية والقدس، وفى سوريا ولبنان واليمن وعموم منطقة الشرق الأوسط.
مبعث التوجس متعدد وملموس، أوله تصريحاته الملتهبة، واختياراته لمساعديه فى إدارة البلاد، واستيلاؤه على مقاليد الحكم قبل توليه رسميًا سواء فى استقباله لعشرات الرؤساء الأجانب أو كبار رجال الاعمال والأثرياء الأمريكيين فى ضيعته فى فلوريدا، أو فى الظهور الرسمى معهم والإدلاء بتصريحات وبيانات تتجاهل الرئيس بايدن وحكومته الذين يبدون وكأنهم مختبئون وراء أسوار البيت الأبيض!.
«ترامب» يتصرف كالفيل الهائج بعد نجاحه الساحق فى انتخابات مشتعلة شهدت محاولتين لاغتياله، وتجريح إعلامى لشخصه فاق الوصف، وعلى عكس كل التكهنات حصل على ثلث أصوات أقليات الحزب الديمقراطى التى توعدها بالملاحقة، وحقق فوزًا على منافسته كامالا هاريس فاق فوز جو بايدن عليه عام ٢٠٢٠ بسبعة ملايين صوت.
بل إن «ترامب» يوحى فى عدد من تصريحاته بأن العناية الإلهية معه، ترعاه وتحميه ليكمل مهمته فى استعادة العظمة لأمريكا. مع ذلك يعلم «ترامب» أن دولاب الحكم يحتاج إلى تأييد الكونجرس بمجلسيه، وأن الغالبية التى يتمتع بها الجمهوريون هى ٤ أصوات فى مجلس النواب، وهى الأقل منذ عام ١٩١٧، كما أنها ٣ أصوات فقط لا غير فى مجلس الشيوخ.
وعلى جانب المعارضة يشعر زعماء الحزب الديمقراطى ومنظروه بأنهم خسروا معركة ٢٠٢٤ ولكنهم لم يخسروا الحرب، وأن معركة التجديد النصفى قادمة عام ٢٠٢٦، ويراهنون على فشل «ترامب» فى تحقيق مزايداته الداخلية فى أربع قضايا حيوية هى المهاجرون والاقتصاد والتأمين الصحى وحقوق الإنجاب، وحتمية انقلاب الناخبين عليه لصعوبة التعامل مع هذه القضايا الحساسة التى تمس حياة الناس بشكل مباشر.
يتوعد الديمقراطيون فى الكونجرس باتخاذ مواقف صلبة ضد شطحات «ترامب» وقراراته الملتهبة، والتركيز على السياسات الفعالة والعملية التى تستعيد ثقة الناخبين وتضمن أصواتهم فى انتخابات التجديد ٢٠٢٦، إضافة إلى أن «ترامب» يحكم للفترة الوحيدة المتبقية له لأربع سنوات، وسوف يسعى جاهدًا لترك بصمة إيجابية على حكمه. يختلف الأمر فى قضايا السياسة الخارجية، ومنها قضايانا، حيث يتمتع الرئيس الأمريكى وطاقم مساعديه بحرية أكبر فى رسم واختيار المسار السياسى الذى يروقهم، واتخاذ ما يلزم من الإجراءات والقرارات باستثناء إعلان الحرب الذى يتطلب موافقة الكونجرس. هناك ثلاث قضايا تستحوذ على اهتمام الرئيس الجديد ومساعديه، أولها وقف المجزرة الإسرائيلية فى غزة والإفراج عن الرهائن، وثانيها التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب فى أوكرانيا دون شبهة الاستسلام لمطالب الرئيس الروسى بوتين، وأخيرًا إدارة ملف المنافسة مع الصين بما يحمى التفوق التكنولوجى الأمريكى، إضافة إلى احتواء أنشطة إيران وكوريا الشمالية ومتابعة ما يجرى فى سوريا والسودان وغيرهما من الأزمات.

تبقى مصر فى وضع متميز بالنسبة لـ«ترامب» شخصيًا والإدارة الأمريكية بشكل عام، نظرًا لتاريخها الحضارى العريق وموقعها الفريد، والاستقرار والموضوعية التى تتسم بها مساعيها بين الأطراف.

تتمتع العلاقات الأمريكية- المصرية بالندية والاستقرار منذ عقود، اعتمادًا على المصالح المشتركة والثقة المتبادلة بين مؤسسات الدولتين، والتى يسعى الطرفان لتنميتها والمحافظة عليها، فى إطار التوافق الاستراتيجى المشترك.

اترك تعليقاً