ينس ستولتنبرغ الأمين العام لحلف الناتو مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في مؤتمر ميونخ للأمن (رويترز)
تنطلق إستراتيجيات الأمن القومي للولايات المتحدة الأميركية -الدولة القطب الوحيدة التي تتزعم العالم منذ ما بعد انهيار وتفكك الاتحاد السوفياتي- من أنها تعيش في حالة حرب مستمرة، تجعلها تواجه مجموعة متنوعة من التحديات الأمنية، لتقوم بمسؤولياتها المزعومة ببناء عالم أفضل وأكثر أمانا واستقرارا، يقوم على الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان والمشاريع الحرة. ومع ذلك فهي تدرك أنها لا تستطيع القيام بذلك وحدها، وأنها بحاجة إلى تعاون الحلفاء والشركاء والأصدقاء، وفق التقسيم الذي يتردد دوما على ألسنة مسؤولي الإدارات الأميركية المتعاقبة، وخاصة في زمن الحرب، فمن هؤلاء الحلفاء والشركاء والأصدقاء الذين يشكلون خارطة التحالفات والشراكات القادمة؟
أكثر من 80 دولة جاهزة حاليا لمساندة الولايات المتحدة في مواجهتها مع روسيا والصين، وبدء الحصار لإضعاف جبهتهما، وقطع الطريق عليهما منعا من إقامة أي تحالفات في المقابل، إلا مع إيران وكوريا الشمالية.
أولا: الحلفاء
تنقسم الدول الحليفة للولايات المتحدة إلى قسمين، هما:
- دول حلف الناتو
في أبريل/نيسان 1949، وقّعت الولايات المتحدة وكندا مع 10 دول أوروبية على معاهدة “شمال الأطلسي”، والمعروفة بدول “حلف الناتو” (NATO)، التي لم تلبث أن توسعت لتضم المزيد من الدول الأوروبية، حيث أصبح عددها حتى الآن 30 دولة، تعمل على تطبيق بنود المعاهدة وتحقيق أهدافها، وخاصة البند الخامس الذي يقضي بمشاركة جميع الأعضاء في الدفاع عن أي دولة عضو تتعرض لعدوان خارجي، وهذه الدول هي الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وبلجيكا والدانمارك ولوكسمبورغ وآيسلندا والبرتغال والنرويج وهولندا وألمانيا وإسبانيا وتركيا واليونان والتشيك وهنغاريا وبولندا وبلغاريا وسلوفينيا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا ورومانيا وسلوفاكيا وألبانيا وكرواتيا والجبل الأسود ومقدونيا. والحلف مفتوح لانضمام بقية الدول الأوروبية التي ترغب في ذلك.
- “حلفاء الولايات المتحدة الرئيسيين من خارج الناتو” (MNNA)
وهي الدول الرئيسية الحليفة للولايات المتحدة من خارج الناتو، وتقوم حكومة الولايات المتحدة بتصنيفها كحليف رئيسي، لما لديها من علاقات إستراتيجية قوية مع القوات الأميركية. ولا تستلزم حالة الحليف الرئيسي من خارج الناتو الضمانات الدفاعية والأمنية المتبادلة نفسها الممنوحة لأعضاء الناتو. ومع ذلك، فإن تصنيف الدولة كحليف رئيسي يمثل تأكيدا على أهمية هذه الدولة بالنسبة للولايات المتحدة. وقد ميّز هذا القانون هذه الدول الحليفة، إلى فئتين وفق مستوى أهميتها الإستراتيجية.
وحتى الآن تم تصنيف 18 دولة تحت النوع من الحلفاء، بعد تجميد عضوية أفغانستان، وهي أستراليا وإسرائيل واليابان والفلبين والأرجنتين والبرازيل وكولومبيا وكوريا الجنوبية ونيوزيلندا وتايلند وباكستان ومصر والأردن والبحرين والمغرب والكويت وقطر وتونس، إضافة إلى تايوان ولكن بدون إعلان رسمي.
وتعتبر الدول المصنفة كحليف إستراتيجي من خارج الناتو مؤهلة للحصول على الامتيازات التالية:
- الحصول على قروض لأغراض البحث أو التطوير أو الاختبار أو التقويم المشترك.
- تخزين الولايات المتحدة احتياطي معدات الحرب المملوكة لها، على أراضي الدولة الحليفة.
- إبرام اتفاقيات مع الولايات المتحدة لتوفير التعاونية للتدريب.
- الحصول على المواد الدفاعية الزائدة ذات الأولوية.
- شراء قذائف اليورانيوم المستنفد المضادة للدروع. والدخول في مذكرات لغرض إجراء البحوث التعاونية ومشاريع التطوير المتعلقة بالمعدات والذخائر الدفاعية.
- السماح لشركات الدول بتقديم عطاءات على عقود صيانة أو إصلاح أو إصلاح معدات وزارة الدفاع الأميركية خارج الولايات المتحدة.
- السماح باستخدام التمويل الأميركي لشراء واستئجار معدات دفاعية معينة.
- الحصول على قروض لشراء المعدات والمواد اللازمة لمشاريع البحث والتطوير.
بعد نجاح تجربتها في تشكيل التحالف الدولي للحرب على “الإرهاب” أواخر 2001، بمشاركة أكثر من 170 دولة، تعتقد الولايات المتحدة أنها بحاجة إلى مؤسسة دفاعية متغيرة تكون في وضعية النزاع الممتد والتحول المستمر، وإلى إستراتيجية قادرة على التكيف مع ذلك، وقادرة على خلق الفرص واغتنامها ومواجهة التحديات من خلال الدفاع النشط المتعدد الطبقات.
ثانيا: الشركاء
الشراكة مستوى أقل من التحالف، وتسمى أحيانا شراكة إستراتيجية، وتقوم بين الدول في صورة ثنائية أو بين الدول وكيانات إقليمية، لتعزيز العلاقة بينها في المجالات ذات المصالح المشتركة.
وتنقسم الدول الشريكة للولايات المتحدة إلى قسمين أيضا، هما:
- شركاء الناتو
وهي الدول التي ليست عضوا في الناتو، ولكن يربطها به اتفاقيات ثنائية، للتعاون في الجوانب التي تحقق الأهداف المشتركة، ضمن ما يعرف بـ”مجلس الشراكة الأوروبية الأطلسية” (EAPC)؛ وهو منتدى متعدد الأطراف تم إنشاؤه لتحسين العلاقات بين الناتو والدول غير الأعضاء في أوروبا وآسيا الوسطى، تأسس عام 1997، خلفا لـ”مجلس تعاون شمال الأطلسي” (NACC)، الذي تأسس عام 1991 في أعقاب انتهاء الحرب الباردة، للتعاون مع الدول الأوروبية والآسيوية المستقلة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.
ويضم مجلس الشراكة الأوروبية الأطلسية 50 دولة، هي الدول الـ30 الأعضاء في الناتو، و20 دولة من خارج الناتو هي أرمينيا والنمسا وفنلندا وأيرلندا ومالطا ومولدوفا وصربيا والسويد وسويسرا وأوكرانيا والبوسنة والهرسك وروسيا وبيلاروسيا وجورجيا وأذربيجان وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان. ثم توسع المجلس ليضم دولا أخرى من مختلف أنحاء العالم، وهي إسرائيل ومصر والأردن وموريتانيا والمغرب وتونس والبحرين والكويت وقطر والإمارات والعراق واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا وكولومبيا ومنغوليا ونيوزيلندا وباكستان وأفغانستان، وقد تم تجميد عضوية كل من روسيا وبيلاروسيا على خلفية الهجوم الروسي على أوكرانيا، وكذلك عضوية أفغانستان بعد انسحاب الولايات المتحدة منها وتسليمها لطالبان.
ويهدف المجلس إلى الحوار والتشاور حول القضايا السياسية والأمنية بين الدول الحليفة والدول الشريكة. ويوفر الإطار السياسي العام لتعاون الناتو مع الدول الشريكة، للتباحث في العديد من المجالات، مثل إدارة الأزمات وعمليات دعم السلام، والقضايا الإقليمية، والحد من التسلح والقضايا المتعلقة بانتشار أسلحة الدمار الشامل، والإرهاب الدولي، وقضايا الدفاع، وأمن الحدود، والتعاون في التسلح، والأمان النووي، والتنسيق المدني-العسكري لإدارة الحركة الجوية، والتعاون العلمي.
- شركاء الولايات المتحدة
بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، حققت الولايات المتحدة خلال حربها على ما يسمى “الإرهاب” مستوى غير مسبوق من التعاون الدولي، شاركت فيه أكثر من 170 دولة في أنشطة متنوعة. وتعتقد الولايات المتحدة أن هذه التجربة أكدت لها مدى الحاجة إلى مؤسسة دفاعية متغيرة تكون في وضعية النزاع الممتد والتحول المستمر، وهذا يتطلب إستراتيجية قادرة على التكيف مع هذه التحولات، وقادرة على خلق الفرص واغتنامها ومواجهة التحديات من خلال الدفاع النشط والمتعدد الطبقات. ومن هنا تسعى الولايات المتحدة إلى عدم الوقوف عند حدود التحالفات والشراكات الحالية، والعمل على توسيع دائرة شراكاتها مع جميع دول العالم، وخاصة تعزيز تعاونها مع الشركاء الذين يمثلون نقاط جغرافية إستراتيجية في طرق الإمداد وإدارة عمليات المواجهة، مثل:
- شراكتها مع “منظمة دول جنوب شرق آسيا” (ASEAN) التي تضم تايلند والفلبين وماليزيا وإندونيسيا وسنغافورة. وقد أكدت الولايات المتحدة لهذه الدول في اجتماعها معها في أبريل/نيسان الماضي، استمرارها بدعم جهود المنظمة ودولها في تعزيز السلام والأمن والاستقرار في المنطقة.
- شراكتها مع الدول المتنازعة مع الصين في بحر جنوب الصين: بروناي وفيتنام وتايوان وماليزيا والفلبين.
- شراكة المحيط الهادي، مع دول مثل بنغلاديش وإندونيسيا وتونغا.
- وأخيرا وليس آخرا، شراكة الأمن والتعاون في الشرق الأوسط بين الولايات المتحدة وكل من دول مجلس التعاون الخليجي ومعها مصر والعراق والأردن.
- تحالفات وشراكات أخرى
تضم التحالفات والشراكات التي استعرضناها فيما سبق أكثر من 80 دولة، تعتبر جاهزة للمساهمة المباشرة في بدء الحصار على روسيا والصين، ومع ذلك لا تقتصر تحالفات وشراكات الولايات المتحدة على هذه الدول، ولا على الجوانب السياسية والعسكرية فحسب، وإنما تتجاوز ذلك إلى معظم دول العالم، وفي المجالات الاقتصادية والتجارية والزراعية والاجتماعية والحقوقية والأمنية والمعلوماتية والعلمية والتنموية. وهناك تحالفات وشراكات ثنائية قوية مع دول محورية، وإن لم يتم تأطيرها في تحالفات رسمية كالسعودية والهند وجنوب أفريقيا.
أما أصدقاء الولايات المتحدة، فهم مجموعة كبيرة من الدول النامية التي تتلقى مساعدات تنموية متنوعة من الولايات المتحدة، ضمن اتفاقيات ثنائية محدودة، كبقية الدول العربية والدول الأفريقية، والتي تسير تلقائيا في قافلة الدول المؤيدة للولايات المتحدة، على نحو ما حدث في التحالف الدولي للحرب على “الإرهاب”.
إن الولايات المتحدة تحاول -قبل أن تبدأ في المواجهة- أن تقطع الطريق على روسيا والصين لتمنعهما من إقامة أي تحالفات في المواجهة، وإن حدث وتمكنتا من ذلك، تكون تحالفات هشة غير قادرة على الصمود. وهذا سيزيد من صعوبة موقف روسيا والصين اللتين لن تجدا في صفهما سوى إيران وكوريا الشمالية، وربما بعض دول أميركا اللاتينية الهامشية.
(يتبع). “قواعد النظام الدولي الأميركي”.