عندما هاجر عبد الكريم العريبي من الجزائر إلى كيبيك في أواخر تسعينيات القرن الفائت، حلم بارتداء معطف الطبيب الأبيض ومزاولة الطب في هذه المقاطعة الكندية، كما يفيد ريبورتاج لراديو كندا.
واعتقد العريبي للحظة أنّ حلمه سيتحقق عندما تلقى، عام 2009، رسالة من نقابة الأطباء في كيبيك (CMQ) تعترف بمعادلة شهادته كدكتور في الطب وتُبلغه نجاحه في امتحانات المجلس الطبي الكندي.
من حيث المبدأ، كان لا يزال يتعين عليه العثور على مكان إقامة في إحدى كليات الطب الأربع في كيبيك.
وكان العريبي يرغب بأن يصبح طبيباً متخصصاً بعد ذلك بعامين.
بعد تجربة أولى غير مثمرة مع كليات الطب، تم اختيار الغريبي عام 2011 من قبل مركز تقييم الخريجين الدوليين في مجال الصحة (CEDIS) لتدريب مدته أربعة أشهر.
ويهدف المركز المذكور المموّل من حكومة كيبيك إلى مساعدة الخريجين الدوليين الذين يفشلون في الحصول على إقامة طبية على الرغم من حصولهم على معادلة لشهادتهم.
وعلى الرغم من متابعته التدريب، فشل العريبي مرة ثانية في الحصول على إقامة طبية.
’’تشعر بالفراغ وأنك لستَ جيداً وأنه غير مرغوب فيك‘‘، يقول العريبي متأسفاً.
قام عبد الكريم العريبي بعد هذه التجربة المرة بإعادة بناء حياته وهو يعمل حالياً مدرّساً في إحدى ضواحي مونتريال.
وحسب البيانات الأخيرة الصادرة عن مركز تقييم الخريجين الدوليين في مجال الصحة، يتم اختيار 60% من المرشحين ليتابعوا تدريباً، ويحصل ثمانية من كل عشرة متدربين على إقامة طبية. ويُعدّ هذا تحسناً مقارنة بالوضع قبل عشر سنوات.
وفي السنوات الخمس الماضية حصل معظم الخريجين الدوليين على معادلتهم من نقابة الأطباء في كيبيك. ومنحت النقابة سنوياً ما معدله 67 تصريحاً لممارسة منتظمة لخريجي طب دوليين.
و335 من الخريجين الـ885 الذين حصلوا على معادلتهم في السنوات الخمس الماضية حصلوا على تصريح لممارسة منتظمة لمهنة الطب، أي بنسبة نحو 38%.
ويتم منح تصاريح أُخرى، على سبيل المثال، بموجب ترتيب اعتراف متبادل مع فرنسا.
وتحدّث مُعدّا الريبورتاج، دافيد جنتيلي ودانيال بوالي، إلى عدة أشخاص حاصلين على شهادات طب من الخارج ويرغبون بمزاولة المهنة في كيبيك، لكنّ هؤلاء فضلوا عدم الكشف عن هوياتهم.
وقال بعضهم إنّ أماكن إقامة طبية تظل شاغرة في كيبيك منذ عدة سنوات. وهذا ما لاحظه موقع راديو كندا الإخباري في الربيع الفائت.
ويُقلق هذا الوضع لجنة حقوق الإنسان وحقوق الشباب (CDPDJ) في كيبيك، وهي منظمة مستقلة غير ربحية، التي أجرت تحقيقاً عام 2010 حول الأطباء المتدربين في الخارج.
’’في عام 2010 ، عند صدور التحقيق، كانت تقريباً ثلاثة أرباع الوظائف الشاغرة في كندا متواجدة في كيبيك. وفي عام 2022، في عملية الاختيار الأخيرة لمناصب الإقامة الطبية، كان في كيبيك 76 منصباً شاغراً من أصل 115 منصباً في كندا، وبشكل خاص في طبّ الأسرة‘‘، يشير الباحث في اللجنة، دانيال دوشارم.
بالطبع ، من الصعب تفسير أنه بعد 12 عاماً لا تزال هناك وظائف شاغرة وأنّه يُفضَّل عدم تقديم هذه الوظائف لخريجي الطب الدوليين. هذا شيء يصعب فهمه.
ويعتقد دوشارم أنه لا يزال هناك ’’شكل من أشكال المقاومة من قبل كليات الطب‘‘.
وهو يذكّر بأنّ اللجنة أوصت كليات الطب عام 2013 بأن ’’تضمن مكاناً للمرشحين الذين ينهون بنجاح التدريب من أجل إنهاء التمييز ضد الأطباء المؤهَّلين في الخارج‘‘.
من جانبها، تؤكد كليات الطب الكيبيكية أنها ’’تتعاون بنشاط‘‘ مع الحكومة الكيبيكية والخدمة الرسمية لوزارة الصحة والخدمات الاجتماعية لتوظيف المتخصصين في الخدمات الصحية والاجتماعية الذين حصلوا على درجة علمية من خارج كندا، المعروفة بـ(Recrutement Santé Québec)، ومع لجنة حقوق الإنسان وحقوق الشباب في كيبيك ومنظمات أُخرى ’’كي تحسّن باستمرار طرقها في مراعاة الواقع الخاص للطلاب وللمقيمين الحاصلين على شهادات دولية في الطب من أجل رفع فرصهم في النجاح إلى الحد الأقصى‘‘.
والمتحدث باسم مؤتمر عمداء كليات الطب في كيبيك، الدكتور ديفيد إيدلمان، كتب أنّ أصحاب الطلبات ’’يجب أن يكون لديهم سجل أكاديمي ممتاز وأن يُظهروا، في مقابلة، أنهم سيكونون قادرين على الاندماج في البيئة التعليمية في أميركا الشمالية‘‘.
ويتم استبعاد الأطباء المؤهَّلين في الخارج إذا لم يزاولوا المهنة لأكثر من أربع سنوات.
وتقول كليات الطب الكيبيكية إنها على مدى السنوات الـ20 الماضية قبلت في برامجها للإقامة الطبية أكثر من 1000 طبيب حصلوا على شهاداتهم الطبية خارج كندا والولايات المتحدة.
من جهتها، تقول نقابة الأطباء في كيبيك إنها منفتحة على فكرة إتاحة المجال لعدد أكبر من الأطباء المتخرجين في الخارج بمزاولة المهنة في المقاطعة.
’’أنا موافق على أن ننظر في الأمر مجدداً مع وزارة الصحة لنرى كيف يمكننا مراجعة طرقنا في العمل من أجل قبول المزيد من المرشحين الأجانب، ليس لديّ أيّ اعتراض على ذلك‘‘، يقول رئيس النقابة، الدكتور موريل غودرو.
(نقلاً عن موقع راديو كندا، ترجمة وإعداد فادي الهاروني)