الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أنّ لا اله الاالله وحدة لاشريك له ، وأشهد أنّ محمد رسول الله. لقد أشارت الآيات القرآنية إلى تسخير الموجودات للإنسان ، ويتضح ذلك بالتأمل في هذه الآيات التالية: قال تعالى فى سورة الجاثية : 13( وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) فوفر الله فيها الماء والغذاء والأنعام ، كما هيأ الله فيها كل الظروف التي تضمن استمرار الحياة في الأرض فجعلها سبحانه ، جبالاً وهضاباً وودياناً ، وجعل فيها بحاراً وأنهاراً ، ولقد كانت الأرض في بداية خلقها مضطربة مثل السفينة في عرض البحر فثبتها سبحانه وتعالى بالجبال الثقيلة فاستقرت ، كما ورد في الآيات والأحاديث الشريفة ، وقد اكتشف العلماء أن كل قارة في الكرة الأرضية بها سلسلة من الجبال تحفظ توازن الأرض ، وأن جذور الجبال منغرسة تحت الأرض بشكل نسبي وتختلف هذه النسبة حسب اختلاف ارتفاع الجبل فوق سطح الأرض ، ولولا ذلك لاضطربت القشرة الأرضية وماتت بمن فوقها ، والجبال جعلها الله منابع أصلية للأنهار، ومنها ينحت الإنسان ما يسكن فيه ، ويتخذها حصوناً وقلاعاً للتحرز من الأعداء. وفيها الظل الذي سخره الله ليستظل له الإنسان من شدة الحر والبرد ، ولقد ثبت لدى العلماء: أن اختلاف ألوان الجبال يرجع إلى اختلاف العناصر التي تكونها من صخور ومعادن. قال تعالى: {وَهُوَ الّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مّتَرَاكِباً وَمِنَ النّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنّاتٍ مّنْ أَعْنَابٍ وَالزّيْتُونَ وَالرّمّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوَاْ إِلِىَ ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنّ فِي ذَلِكُمْ لاَيَاتٍ لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}الأنعام:99. والماء عنصر مهم لا تستغني عنه الكائنات الحية ، يستفيد منها الإنسان في الشرب والطهارة والطبخ والصناعة وغيرها.. ومنه تنبت الأشجار، وتزهو الثمار وتنمو ، وعليه الاعتماد في كل شيء. قال سبحانه: {وَفِي الأرْضِ قِطَعٌ مّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنّاتٌ مّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىَ بِمَآءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضّلُ بَعْضَهَا عَلَىَ بَعْضٍ فِي الاُكُلِ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}( الرعد:4) . كما توصل العلماء إلى أن للماء أهمية في عملية التمثيل الضوئي للنبات . أن الإنسان يحرث الأرض ، ويضع البزور ويسقيها بالماء العذب ، إلا أن إنبات النبات واستمرار حياته هو بإرادة الله وحده. قال تعالى: {الّذِي جَعَلَ لَكُم مّنَ الشّجَرِ الأخْضَرِ نَاراً فَإِذَآ أَنتُم مّنْه تُوقِدُونَ} يس80. ومن النباتات: البترول ومشتقاته لأنه مواد متحولة من نبات مطمور.. إن هذا الاختلاف الباهر بين أنواع النبات يدل على عظمة الخالق سبحانه. كما سخر الله سبحانه وتعالى الأنعام وما لها من فوائد عديدة للإنسان فله من جلودها بيوتاً ومن أصوافها لباساً ، ويتغذى بأكل لحمها ، وشرب لبنها ، ويستخدمها في الركوب وحمل الأثقال ويتخذها في الزينة ، وقد أشار الحق سبحانه إلى فوائد الأنعام بقوله (وَالأنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ، وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ ، وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىَ بَلَدٍ لّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاّ بِشِقّ الأنفُسِ إِنّ رَبّكُمْ لَرَؤُوفٌ رّحِيمٌ ، وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}النحل 5- 8 .حول تسخير الله تعالى النحل للإنسان يقول سبحانه:( وَأَوْحَىَ رَبّكَ إِلَىَ النّحْلِ أَنِ اتّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشّجَرِ وَمِمّا يَعْرِشُونَ ، ثُمّ كُلِي مِن كُلّ الثّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَآءٌ لِلنّاسِ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَةً لّقَوْمٍ يَتَفَكّرُونَ) النحل:68-69 وأهم ما ينتجه النحل: العسل الذي فيه شفاء للناس لكثير من الأمراض وقد أكد العلم الحديث: أن العسل دواء يستخدم في علاج كثير من الأمراض. ومما سخر الله للإنسان البحار والأنهار ليستفيد منها طعاماً وحلية ووسيلة التنقل قال تعالى عن البحر:{وَهُوَ الّذِي سَخّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ) (النحل:14) وقوله تعالى عن الأنهار: {وَأَلْقَىَ فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لّعَلّكُمْ تَهْتَدُونَ}النحل:15 ، وهذا ما يفيده الربط بين نعمة وجود الجبال وبين تفجير الأنهار، وتعد الأنهار شريان حياة الأقاليم والأقطار، تخترقها فتجري فيها الحياة ، فتخرج من جوفها الأسماك والأعشاب والخيرات ، ويستفيد منها الإنسان والحيوان. وغالبية المياه العذبة فوق سطح الأرض هي مياه الأنهار والجداول ، ويستفيد الإنسان من الأنهار: الزرع والسقي وقد كشف العلم الحديث: عن الحواجز بين البحار والأنهار من جهة وبين البحار بعضها البعض من جهة أخرى والتي تعمل على احتفاظ كل من البحرين بخصائصه حتى بعد حصول ظاهرة المد البحري. أن الله خلق الإنسان في أطوار متعددة ومتدرجة ، فمن طور النطفة إلى العلقة إلى المضغة إلى العظام ، ثم اللحم ثم النشأة الأخرى، ومما زود الله به الإنسان الحواس الخمس التي يعرف ويميز بها الأشياء ويهتدي إلى الخير والشر، وقد منح الله الإنسان مجموعة من الحواس ومن أهمها: السمع والبصر اللذان ورد ذكرهما في القرآن الكريم. إن في مظاهر هذا التسخير العديدة أكبر شاهد على وحدانية الخالق جل وعلا وأنه أحق بالعبادة وحده ، كما وأنه هو الخالق وحده. اللهم إجعلنا من أهل الجنة ومن أهل طاعتك ومحبتك ورضوانك ، وأدْخلنا الفردْوس الأعْلى بغير حساب ولا سابقة عذاب ، وَإِنَّكَ رَبٌّ غَفُورٌ كَرِيمٌ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعْفُ عَنَّا ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ عَمَلَنَا كُلَّهُ خَالِصَاً لِوَجْهِكَ الكَرِيمِ ، وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيِنِ ، وَالحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِيِنَ.اللهم آمين – وإلى اللقاء.
إعداد أم تامر المصرى