You are currently viewing العلاقات الأسرية في عصر الإنترنت

العلاقات الأسرية في عصر الإنترنت

مقدمة: بدأ تأثير أجهزة التكنولوجيا على الأسر في بلاد الغرب، ومنها في الولايات المتحدة بعد مرور أكثر من عشر سنوات من استخدام الأجهزة المرتبطة بالإنترنت، وبعد ظهور جيل الإنترنت المتأثر بهذه الأجهزة، أجرينا دراسات؛ مثل: “ دراسة جيل الإنترنت، صفاته، أخلاقياته، دراسة مكتبية”، و”دراسة صعوبة السيطرة على سلوكيات الأبناء في عصر انتشار أجهزة التكنولوجيا”، و”التكنولوجيا وضعف العلاقات الاجتماعية في الأسرة.. أسباب.. حلول”، وغيرها، وأشارت هذه الدراسات إلى أن جيل الأطفال والمراهقين والشباب الذي ولد أو عاش صغارًا في عصر الإنترنت هو جيل يوجد في كل مكان في بلاد الشرق والغرب، وإذا أردت المزيد من صفات هذا الجيل اطلع على دراستنا: “جيل الإنترنت، صفاته.. أخلاقياته”، وبالتالي تعكس هذه المقالة الحالية المعاناة التي يعاني منها الوالدان في أية أسرة من التأثير السلبي لأجهزة التكنولوجيا على أطفالهم، خاصة ضعف العلاقة بين أفرادها وهشاشتها. كنا ندعو كثيرًا بدراسة خصائص نمو الأطفال (لا سيما طلبة المدارس)؛ حيث إنهم يتأثرون بالظروف الخارجية أكثر من الظروف بداخل الأسرة، ومن هذه الخصائص الميل إلى الاستقلالية مع بداية مرحلة المراهقة، وتأثرهم بالأجهزة المحمولة يجعلهم بعيدين عن أسرهم مع أنهم في المنزل، ونحاول أن نستعرض بعض النظريات الاجتماعية التي ظهرت في عصر الإنترنت بشأن العلاقات الأسرية وتأثرها بالأجهزة المحمولة. تكشف لنا هذه المقالة تعامل الآباء وهم من عاصر فترة من عمره عصر الإنترنت مع أطفالهم، وقد يكون أكثر الآباء يعانون أيضًا بالتأثيرات السلبية التي أفرزها عصر الإنترنت على الناس، والدراسات التي اطلعنا عليها بهذا الشأن تشير إلى طبيعة العلاقات بين جيل الآباء وجيل الأطفال (جيل الإنترنت)، وقد يلجأ بعض الآباء إلى مراقبة أنشطة أطفالهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، لعدم القدرة على مراقبتهم مباشرة وجهًا لوجه؛ مما يعني تدهور العلاقة بينهم وبين أطفالهم، وهذا يذكرني بأحد تعليقاتي وأنا أصف مواقع التواصل الاجتماعي بالشيطان الذي يفرق بين الناس عامة وبين الأقرباء (أفراد الأسرة) خاصة. الدراسات التي اطلعنا عليها: دراسة (2012، Sarah Huisman، وآخرون)، طلبت من أربع عائلات إجراء مقابلات والاحتفاظ بسجل لتوثيق استخدام التكنولوجيا في المنزل، تشير النتائج إلى أن العائلات في صراع حول التكنولوجيا المناسبة لاستخدامها ومقدار الوقت الذي يقضيه الفرد في استخدامها في المنزل. استخدمت جميع العائلات مجموعة متنوعة من الأجهزة الإلكترونية لأسباب مختلفة، وناقشت القواعد الموضوعة للاستخدام في المنزل، وتتعارض العائلات أيضًا حول الدور الذي تلعبه التكنولوجيا في حياتهم، وما إذا كان الوصول الفوري إلى المعلومات يستحق الإلهاء المحتمل، أخيرًا ناقشت العائلات أيضًا استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وتأثيرها على أطفالهم، على الرغم من أن هذه الدراسة محدودة في عدد المشاركين، إلا أن النتائج تشير إلى أن العائلات لا تزال في صراع حول استخدام التكنولوجيا في المنزل. دراسة (2013، Jim Taylor) تشير إلى وجود فجوة رقمية بين الآباء وأطفالهم وأسباب هذه الفجوة التي تجعل الآباء في تخوف، مع الانخراط بأنشطة أطفالهم إلى جانب أن عصر الإنترنت زاد من فجوة تباعد بين الجيلين، مع زيادة رغبة الأطفال استقلالهم عن آبائهم، مع أن بعض الآباء يتخذ من أطفاله أصدقاء له عبر بعض المواقع الاجتماعية، كذلك هذه الفجوة تظهر واضحة بين الجيلين في أن الآباء لا يمثلون قدوة في السلوك الجيد لأطفالهم عبر الإنترنت. دراسة (Billiterri, 2008) إن استخدام الشبكات الاجتماعية أكثر لدى المراهقين والأطفال في المدارس المتوسطة أو الثانوية، يواجه الآباء صعوبة لتحديد متى يسمح لأطفالهم بالوصول، ومتى يقيدون الوصول إلى الكمبيوتر، كذلك يقلق الآباء أن التنمر عبر الإنترنت مصدر قلق لهم. يمكن القيام بذلك من خلال كل من الهواتف المحمولة والشبكات الاجتماعية، بما في ذلك المطاردة والمضايقات التي يمكن أن تصبح خطرة كما رأينا في العديد من حالات انتحار المراهقين في السنوات الأخيرة. دراسة (2015، Brandon T. McDaniel)، تشير إلى وصف استخدام الأفراد في الأسرة على أنه “حضور غائب”، أو فعل التواجد الجسدي، مع وجود فكر الفرد في مكان آخر بناءً على الاتصال أو النظر إلى المحتوى من الهواتف المحمولة، وما يؤدي إلى معاناة الفرد (الطرف الآخر) من أزمات نفسية؛ كالاكتئاب والتوتر والعزلة إلى جانب اعتراف الوالدين إلى انشغالهما بالأجهزة، يجعل الطفل لا يحصل على رسائل إيجابية من الوالدين، ولا يكونان قدوة له في استخدام الأجهزة بشكل سليم. دراسة كل من (2018، Radesky & McDanie)، تبحث هذه الدراسة فيما إذا كان استخدام الوالدين للتكنولوجيا الإشكالية مرتبطًا بالمقاطعات القائمة على التكنولوجيا في تفاعلات الوالدين مع الطفل التي يطلق عليها “التكنوفيرنس”، وما إذا كان التكنووفر مرتبطًا بمشاكل سلوك الطفل، أظهرت تقارير الآباء من 170 عائلة أمريكية (الطفل ماجي = 3.04 سنة)، ونمذجة الترابط بين الممثل والشريك أن استخدام التكنولوجيا الرقمية الإشكالية للأم والأب قد توقع قدرًا أكبر من التكنولوجيا في التفاعلات بين الأم والطفل والأب والطفل بعد ذلك، تنبأت تقنية الأمهات بتقارير كل من الأمهات والآباء عن سلوكيات الطفل الخارجية والاستيعابية، تشير النتائج إلى أن الانقطاعات التكنولوجية مرتبطة بسلوكيات الأطفال المشكلة. دراسة (2014، Chris وآخرين)، نقدم ثلاث صور مصغرة لدراسات الحالة مستمدة من دراسة جارية للمنزل الأسترالي المعاصر كعقدة في شبكات اتصال محلية وإقليمية وعالمية كثيفة، باستخدام دراسات الحالة وترسم بعض الإستراتيجيات التي يتبعها الآباء والأطفال أثناء استخدام أجهزتهم الخاصة بهم، وتؤكد الدراسة أهمية التفاوض للعلاقة بينهم. دراسة (2017، Clark) تناولت نظرية الوساطة الأبوية التي تؤكد كيفية استخدام الآباء للتواصل بين الأشخاص للتخفيف من الآثار السلبية التي يعتقدون أن وسائل الاتصال أثرت على علاقاتهم بأطفالهم، وناقشت الدراسة نظرية التطور الاجتماعي التي وضعها (L. Vygotsky’s (1978)) كوسيلة إعادة التفكير في دور مراكز رعاية الأطفال في التفاعلات بين الآباء والأطفال التي توفرها وسائل الإعلام الجديدة، ودور إستراتيجية التعلم التشاركي التي تتضمن تفاعل الآباء والأطفال من خلال الوسائط الرقمية. دراسة “بوشليبي، 2006” تشير إلى أطروحتين مختلفتين، الأطروحة الأولى ترى في هذه المواقع فرصة للبشرية لتبادل الاتصال والمعرفة، والقضاء على عوائق الزمان والمكان، فتزيد في تقارب الناس، وترفع من درجة تفاعلهم، وتنشئ علاقات اجتماعية جديدة، كما أنها تختزل قدرًا هائلًا من الإجراءات في التعاملات والمبادلات التجارية والاقتصادية، فيما تنظر الأطروحة الثانية لهذه الشبكات نظرة كارثية إذ ترى أنها تشكل مصدر الخطر الحقيقي على العلاقات الاجتماعية، وتؤدي إلى ميلاد مجتمع يحمل عوامل القطيعة مع التقاليد الثقافية، كما تؤدي إلى العزلة وتفكك نسيج الحياة الاجتماعية، ويرى هؤلاء أن وسائل التواصل الاجتماعي قد اقتحمت الحياة العائلية بحيث قللت من فرص التفاعل والتواصل داخل الأسرة. دراسة (لعياضي، 2020) تسعى الدراسة إلى المساهمة في النقاش العلمي الذي طُرح منذ أزيد من عقدين من الزمن، والذي يتمحور حول السؤال الآتي: هل يمكن دراسة مواقع الشبكات الاجتماعية بالاستعانة بالنظريات التي درست وسائل الإعلام التقليدية؟ وقد اختارت لهذا الغرض نظرية “الاستخدامات والإشباعات”، وحاولت أن تفهم الدوافع التي تحثُّ المستخدمين على استخدام الشبكات الاجتماعية المختلفة، والإشباعات المحققة من هذا الاستخدام. دراسة (الشهري، حنان، 1433هـ) هدفت هذه الدراسة إلى التعرف على الأسباب التي تدفع إلى الاشتراك في موقعي الفيسبوك وتويتر، والتعرف على طبيعة العلاقات الاجتماعية عبر هذه المواقع، والكشف عن الآثار الإيجابية والسلبية الناتجة عن استخدام تلك المواقع. دراسة (العنزي، سلمى سعدي، 2017) سعت الدراسة إلى التعرف على النظريات المفسرة لأثر مواقع التواصل الاجتماعي على العلاقات الاجتماعية في الأسر السعودية، وتناولت الدراسة نظرية الاتصال، ومكوناته، وعوامله المؤثرة عليه، وتكنيكاته، كما تطرقت إلى الحديث عن مواقع التواصل الاجتماعي عن طريق مفهومه، وأنواعه والتي تمثلت في الفيس بوك والتويتر. دراسة (إدريس، ميادة بنت محمود، 2015)، هدفت الدراسة إلى الكشف عن أنماط علاقة الوالدين بالأبناء ومدى تأثيرها في المراهق، وأثر بعض الأنماط الديمقراطية (كالحرية، والحوار، والنقاش)، والتسلطية (كالحرمان، والنبذ، والاحتقار، والعقاب البدني) في شخصية المراهق، وقدرته على التكيف مع المجتمع، ومن أجل تحقيق هذا الهدف اعتمدت الباحثة على عدة نظريات اجتماعية، من أهمها النظرية التفاعلية الرمزية ونظرية الدور. دراسة (ذياب، سليمة، 2020)، تهدف الدراسة بدراسة انعكاسات شبكات التواصل الاجتماعي على العلاقات الاجتماعية الأسرية، كونها ظاهرة اجتماعية جديدة غزت جل الأسر فقد تكون معول هدم أو أداة بناء، فقد تمحورت هذه الورقة البحثية حول سؤال أساسي هو: إلى أي مدى ينعكس استخدام شبكات التواصل الاجتماعي على تحديد طبيعة العلاقات داخل النسق الأسري؟ وقد استعملت الدراسة المنهج الوصفي، واستمارة الاستبيان، أسفرت النتائج العملية لهذه الدراسة إلى أن هناك انعكاس لاستعمالات المفرطة لشبكة التواصل الاجتماعي على واجبات الفرد داخل النسق الأسري، وتنعكس الاستعمالات المفرطة لشبكة التواصل الاجتماعي على لغة التفاعل داخل النسق الأسري، وأنها تؤدي لعزلة الأزواج عن بعضهم بعض رغم تواجدهم الشكلي في بيت واحد؛ مما قد يؤدي بهم للانخراط في عالم افتراضي يسبب لهم اضطرابات نفسية، وربما الدخول في علاقات غير شرعية.
النظريات الاجتماعية في عصر الإنترنت: إن نظريات علم الاجتماع الكلاسيكية وآراء رواد علم الاجتماع، لم تعد ملائمة أو يمكن الاعتماد عليها في تحليل وتفسير قضايا التفاعلات الحضارية المعاصرة؛ لأنها لم تقدم معالجات فكرية ملائمة لهذه القضايا، بسب سرعة تتطور الواقع الاجتماعي، وانتقاله من حالة القومية إلى العالمية والكونية، وعدم وجود محاولات علمية جادة وبصورة مباشرة لمعالجة هذه القضايا نظريًّا من قبل منظِّري علم الاجتماع، عكس العلوم السياسية والدينية… إلخالتي بها وفرة في الدراسات والأبحاث والمعالجات العلمية لقضايا التفاعلات الحضارية. (2020،Mohamed Bayoumy) لم يبلور الباحثون الاجتماعيون نظرية خاصة بالتواصـل عـبر الإنترنت، فالغالبيـة العظمـى مـن المحـاولات الـتي تمـت بهـذا الشـأن كانـت قـد عالجـت التـأثيرات ضـمن الفهـم الـذي قدمتـه نظريـات وسـائل الاتصـال الجمـاهيري لهـذه المسـألة، فقـد تعاملـت هـذه المحـاولات مـع الإنترنت باعتبـاره وسـيلة الاتصـال الجمـاهيري ينطبـق عليهـا مـا ينطبـق علـى وسـائل الاتصـال الجمـاهيري الأخـرى، فهناك النظرية التفاعلية الرمزية، ونظرية انتشار المستحدثات، ومدخل الاسـتخدامات والإشـباعات، وتشير النظريـة التفاعليـة الرمزيـة بـأن الحيـاة الاجتماعيـة ومـا يكتنفهـا مـن عمليـات وظـواهر وحـوادث، مـا هي إلا شبكة معقـدة مـن نسـيج التفـاعلات والعلاقـات بـين الأفـراد والجماعـات الـتي يتكـون منهـا المجتمع، فالحياة الاجتماعية يمكن فهمُها واستيعاب مظاهرها الحقيقية عن طريق النظر إلى التفاعلات التي تقـع بـين الأفراد، وأن لهذه التفاعلات دوافعها الموضوعية والذاتية وآثارها على الأفراد والجماعـات، والنظريـة التفاعليـة الرمزية، يُمكن أن تفهم نموذج الإنسان عبر الدور الذي يحتله والسلوك الذي يقوم به نحو الفـرد الآخـر الـذي كـوَّن علاقـة معـه خـلال مـدة زمنيـة محـددة (الشهري، 1433هـ).

اترك تعليقاً