موسم شيطنة الصين

((اطلبوا العلم ولو بالصين فإن طلب العلم فريضة على كل مسلم))..
الكثير يعلم أن هذا حديث منسوب للرسول ((صلى الله عليه وسلم))، إلا أنه ضعيف وبالرغم من ذلك استمر استعماله للحث على طلب العلم لصحة معناه وقوة دلالته، كما دل مسمى الصين على أقصى بعد.
((قَالَ أَبُو حَامِد الإسفراييني لَو سَافر رجل إِلَى الصين حَتَّى يحصل تَفْسِير ابْن جرير لم يكن كثيرا)).
كانت الصين في الأدبيات العربية تدل على البعد والعجائب والغرائب والإتقان قال ابن فضل الله العمري ((ت 749هجري)) في كتاب ((مسالك الأبصار في ممالك الأمصار))، ((قال الشريف حسن السمرقندي: وبلاد الصين كلها عمارة متصلة من بلد إلى بلد ومن قرية إلى قرية، ومعاملتهم بورق التوت، ومنها كبار ومنها صغار، فمنها ما يقوم في المعاملة مقام الدرهم الواحد، ومنها ما يقوم مقام درهمين، ومنها ما يقوم مقام خمسة دراهم وأكثر إلى ثلاثين وأربعين وخمسين ومئة، وهو يؤخذ من لحاء شجر التوت اللين، ويختم باسم القان، وتجري به المعاملات، (فإذا عتق) ، واضمحل، حمل إلى الخزانة، وأعطى عوضه مع غرم قليل.
قال لي الشريف السمرقندي: ومن عجائب ما رأيت في مملكة هذا القان الكبير، أنه رجل كافر، وفي رعاياه من المسلمين أمم كثيرة، وهم عنده مكرمون محترمون، ومتى قتل أحد من الكفار مسلما، قتل الكافر القاتل، هو وأهل بيته، وتنهب أموالهم، وإن قتل مسلم كافرا، لا يقتل وإنما يطلب بالدية، ودية الكافر عندهم حمار، لا يطلب غير ذلك.
وسألته عن أهل الصين، وما يحكى عنهم من رزانة العقل، وإتقان الأعمال، فقال: هم أكثر مما يقال، وكنا جماعة بحضرة سيدنا وشيخنا مزيد الدهر وارث العلم والحكمة شمس الدين أبي الثناء محمود الأصفهاني فقال الشريف السمرقندي: أنا أحكي لكم ما جرى لي: كنت أشكو ضرسا في فمي، فرآني بعض من كنت اختلطت به في بلاد الصين، وأنا أتألم لشدة الضربان، فسألني عما بي، فشكوت إليه وجع ضرس، فاستدعى شخصا حطابا قصير القامة، فقال له: أبصر حال هذا المسكين، فنظر في فمي وبقى يقلب أضراسي بيده هنيهة، ثم أخرج ضرس الواحد ونصف الآخر، ولم أشعر لهما بألم، ثم أخرج من خريطة له، كانت معه أضراسا كانت كوامل وأنصافا وأثلاثا وأرباعا معدة عنده لوضعها في مواضع ما يقلع، ثم لم يزل يقيس مواضع ما قلع لي حتى وضع موضعها من تلك الأضراس، ثم ذر عليها ذرورا، ودهنها بدهن، التأمت به لوقتها، وأمرني أن لا أشرب عليها الماء يومي كله، ففعلت كأني ما قلعت شيئا، وأراني أضراسه، فوجدناها كأحسن ما يكون فلا أن المستجدين ظاهر عليها أنه ليسوا من نوع البقية والضرس المشعوب، يظهر أن نصف الشعب من غير النصف الأول)).
نحن عرفنا الصين مبكرا وفي الدولة العباسية استوردنا الورق الصيني والأواني الصينية التي أصبح مسماها مرادفا للجمال والجودة حتى ألف ابن طولون الصالحي (ت: 953 هجرية) رسالة اسمها ((أصحن الصين، في فضل التين)) فأبرز ما تمثل في العلاقات العربية الصينية هي التبادل التجاري.
نعود لموسم شيطنة الصين دأبت الولايات المتحدة الأمريكية على شيطنة كل من ليس في فلكها منذ أن كانت ذات جيش له عقيدة عسكرية إلى أن فقدت هذه العقيدة واستبدلتها بوسائل الضغط المتمثلة في المؤامرات والإعلام والاقتصاد وخير مثال عندي هو استعمال الدراما وكانت هذه الأسلحة هي التي مازالت تستعمل ضد المخالف لسياستها حتى ولو كان من حلفائها بل هي قد تطعن حلفائها من الخلف.
في هذه الأيام تضع أمريكا الصين فعليا في أعلا قائمة الأعداء ويكفي أن نتأمل ما تنتجه شركات إنتاج الدراما الأمريكية أو دول الناتو لنعلم مدى استشعار أمريكا للخطر الوجودي، فالدول العظمى لا تستمر عظيمة حتى النهاية وإنما تصاب بحالة من الوهن ونوبات من التخبط السياسي والاجتماعي كما هو حادث في أمريكا هذه الأيام.

ناصر الحزيمي

اترك تعليقاً