You are currently viewing طوفان الأقصى.. وفكرة «من يموت ومن يحيا»؟

طوفان الأقصى.. وفكرة «من يموت ومن يحيا»؟

كتب د.هشام الحمامي

يتفق الجميع باستثناء محدود، على أن “المقاومة الإسلامية” في غزة قامت بمعركة “طوفان الأقصى”، لا تريد شيئا من الدنيا، ولا تهدف إلى شيء في الدنيا، ولا تعنيها الدنيا ولا كل الدنيا إلا بالقدر الذي تقدره حالتها هذه، في ساعتهم هذه، في الدنيا..
والأهم من كل أهم أن هذا الجانب تحديدا سيكون أحد أهم الجوانب في تلك “المعركة الفاصلة”.. باعتبار أن أحد الطرفين يعشق الحياة ويود لو يعمر ألف سنة، والطرف الآخر يعيش “الحياة والموت” معا، في مزيج فريد.
وهو المزيج الذي يحيا به الإنسان المسلم وجوده الحق “المادي والروحي” والذي يؤكده لنفسه وللحياة في صلاته بماء الوضوء للصلاة (المادي) وبالتكبيرة الأولى في الصلاة (الروحي).. كما قال لنا الغائب موتا، والحاضر روحا وقبسا وفهما وحقيقة في هذه الأيام بالذات أوسع حضور: علي عزت بيجوفيتش رحمه الله (ت: 2003م).
* * *
سيذكرنا دائما بالصراع العميق بين الشرق والغرب، والذي سيدور على “عقل وروح وحياة” الإنسان، ذاك الصراع الوجودي العابر للزمان والتاريخ، الصراع الذي يتعلق بفكرة “الخير والشر” في أعمق أعماقه.. الصراع الذي وُجد في كامل التاريخ الإنساني، وسيدوم إلى آخر الزمان
لماذا في هذه الأيام بالذات؟
لأنه سيذكرنا دائما بالصراع العميق بين الشرق والغرب، والذي سيدور على “عقل وروح وحياة” الإنسان، ذاك الصراع الوجودي العابر للزمان والتاريخ، الصراع الذي يتعلق بفكرة “الخير والشر” في أعمق أعماقه.. الصراع الذي وُجد في كامل التاريخ الإنساني، وسيدوم إلى آخر الزمان، وسيكون للتاريخ الحق في القول الفصل، من يمثل الخير ومن يمثل الشر..؟
لكننا نعلم جميعا بدرجة أو بأخرى، أن الغرب حين تحرر من السيطرة الرهيبة للكنيسة والبابا، وبدأ لحظة الوعي الأول بنفسه، وغرق في مستنقعات “التمرد” على معنى وجوده ومعنى موته، قرر أن يخطف الإنسان من “روحه”.. وذهب في ذلك إلى أبعد حد.. كما حكى لنا الأديب الفرنسي البير كامي (1960م) في كتابه المعروف “المتمرد”..
ومما زاد وأفاض في تفسيره وتفصيله وتأصيله لنا، د. عبد الوهاب المسيري، في كل ما كتبه رحمه الله عن “الإنسان”.. وإنقاذ الإنسان، وخلاص الإنسان.. وما ذهب به أخيرا إلى إسلام الإنسان..
* * *
الحاصل أن الغرب حين سار في هذا المسار العبثي، اصطدم في طريقه بالشرق المسلم، الذي كان قد ذاق وفهم “الحقيقة” من زمن بعيد، بل وعاشها وعاشت فيه، ومات بها وعليها، بكل نور وسلام ويقين وفرح.. رغم كل الانكسارات والغيابات التي كانت ولا زالت، إلا أن “الحقيقة” هنا لم تنطفئ شعلتها أبدا، ظلت ولا زالت، ولن يغيب أبدا عنها قائم لله بحجة، فيها ولها.
ومن يومها وإلى ما لا يعلم وقته وزمنه إلا الله.. كان وسيكون صراع الشرق والغرب، والذي تمثله الآن معركة “طوفان الأقصى” في كل تفاصيلها، الظاهر منها والخفي، والذي هو أكثر كثيرا مما يظهر ويُعرف ويُعلن ويُقال.
وشاءت إرادة الله أن تكون تلك المعركة مليئة في كل دقائقها بما “يمحو” كل ما كان قبلها، والأعظم لم يأت بعد.
وواضح تماما من اسمها الذي عرفت به (طوفان الأقصى) أنها بالفعل تمثل الساعة التي عرفها البشر من قبل، في (طوفان نوح) عليه السلام.. في جزء وافٍ منها يشير إلى طبيعتها وامتدادها، جزء أوفى يشير إلى روحها وانطلاقها (الأقصى) ليمنحها أسمى وأكمل تعبيراتها.
* * *
ومراجعة سريعة وقصيرة لكل ما كان بين سيدنا نوح وقومه من مواقف وأحوال وتحديدا من بداية السخرية من المؤمنين، وهم يصنعون السفينة، وانتهاء بلحظة استواء السفينة على جبل الجودي.. مرورا بكل المحطات التي صاحبت هذه المواقف وهذه الأحوال، والتي تتشابه بدرجة مدهشة مع كل الأطراف المتصلة بأجواء “طوفان الأقصى”..
سيكون للعالم تاريخ جديد، يُعرف بما قبل طوفان الأقصى وما بعد طوفان الأقصى.. وكانت أمريكا “كاهن المعبد الغربي” على كل الحق، حين قالت على لسان رئيسها أننا نعيش “لحظة فارقة في التاريخ”
وليس أدل على ذلك مثلا، من تلك “السخرية” التي انهالت من “الصهاينة العرب” تجاه ما قام به المقاومون يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر، والذي تصوروه مستحيلا، ومفصولا عن الواقع المجرد. لكن صاحب السفينة ومن معه كانوا على “اليقين” بأن ما يفعلونه يتصل بالواقع في صميمه، وفى توقيته المناسب تماما، الذي يتكون في الغيب، والذي سرعان ما سيصبح حاضرا مشهودا، حين يأتي “الطوفان” ليتم التأريخ للبشرية بعدها، بما قبل “الطوفان” وما بعد “الطوفان”.
* * *
وسيكون للعالم تاريخ جديد، يُعرف بما قبل طوفان الأقصى وما بعد طوفان الأقصى.. وكانت أمريكا “كاهن المعبد الغربي” على كل الحق، حين قالت على لسان رئيسها أننا نعيش “لحظة فارقة في التاريخ”، وهو قول يغني عن أي قول.
* * *
لكن ما معنى “الذهن الصافي”؟ الذي دخلت به “حماس” الحرب، كما قال نائب رئيس الأركان الأسبق “يائير جولان” في حوار نشرته له جريدة “معاريف” يوم 15 كانون الأول/ ديسمبر: لقد دخلت حماس هذا الصراع بذهن صاف.. نعم “ذهن صاف”..!!
“طوفان الأقصى” الحدث الأخطر لنا وللغرب.. لماذا وكيف؟
تمثل عملية “طوفان الأقصى” الحدث الأخطر عالميا للحضارة الغربية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وليست مفاجأة أن نعلم أن “إسرائيل” تمثل في هذا الحدث “ورقة عادية” ضمن مجموعة “أوراق هامة” تصنع ملف هذا الموضوع وهو: الموقف الصارم من ثبات خريطة سايكس بيكو (1916م) غربيا، والالتزام الصارم به عربيا..
لم يأت بعد قرار شرق أوسط بحدود مختلفة عما هو الآن، وهو يوم قريب إن شاء الله، وليست مسألة كيف؛ بقدر ما هي مسألة متى.. إن يكن من أمر، ولأن ذلك كذلك، فقد كان موقف أمريكا (سيدة الحضارة الغربية) بالفعل أكثر المواقف إدراكا لحقيقة “طوفان الأقصى”، وعليه كان قرار إرسال حاملات الطائرات وتشغيل جسر جوى يومي، بكل ما يخطر وما لا يخطر على البال من أدوات القوة، لاستعادة سريعة لوضع ما قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر.. وهو ما يجري العمل عليه وعلى احتواء نتائجه حتى اليوم..
* * *
كان موقف أمريكا (سيدة الحضارة الغربية) بالفعل أكثر المواقف إدراكا لحقيقة “طوفان الأقصى”، وعليه كان قرار إرسال حاملات الطائرات وتشغيل جسر جوى يومي، بكل ما يخطر وما لا يخطر على البال من أدوات القوة، لاستعادة سريعة لوضع ما قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر.. وهو ما يجري العمل عليه وعلى احتواء نتائجه حتى اليوم
ستكون الصورة التي يقدمها المشهد الحالي قابلة لكل التخريجات والتفسيرات من أدناها إلى أقصاها، لكن “الحقيقة” التي يعلمها أصحاب الحقيقة لم يتفوه بها أحد، وهذا ليس فقط من ضرورات الواقع وفهمه، ولكنه وهو الأهم من “ضرورات الساعة” التي يمر زمنها على تاريخ هذا الواقع، بل وتاريخ العالم كله، كما قال مستشار الأمن القومي الأمريكي جاك سوليفان: “ما فعلته حماس نقطة انعطاف عالمية”.
وهنا سنتوقف قليلا، لنتأمل في موقف طرف من أهم الأطراف (الصين أو روسيا)! إنه يعلم كل شيء، واختار موقفه بناء على علمه ومعلوماته.
* * *
لكن علينا أولا الآن أن نعي بأن أمريكا لم تتفاعل مع 11 أيلول/ سبتمبر مثلما تفاعلت مع 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وهذه حقيقة سيسهل على أي باحث أن يعمل عليها ويصل إليها، أمريكا تلقفت 11 أيلول/ سبتمبر وانطلقت فورا لتنفيذ كل “أوراق السيناريو”، ودعنا الآن من حساباتها حول ذلك كسبا وخسارة..
فقد كانت على دراية تامة بالموضوع بأكمله، لقد كانت متغلغلة فيه، كانت بداخله وفي أعماقه، وجبال تورا بورا في أفغانستان لم تكن بعيدة أبدا في أي وقت عن معامل التركيبات والإضافات والتجريبيات والاستنتاجات والنتاجات، كل الزمامات كانت في كل الوقت في أياديها..
وعلينا أن ننتبه قليلا إلى أن مستويات العلم بهذه الأشياء الهامة داخل “الدولة العميقة” في أمريكا، هي فقط مستويات عليا، بل وينبغي على المستويات الأدنى في “دوائر القرار” أن تعلم فقط ما يُعلن عنه ويقال، حتى تستطيع العمل على أساسه، وتبريره للرأي العام في دوائر السياسة والدنيا والناس والإعلام.
ولا ننسى أننا في عالم “الدولة الإعلامية العالمية الواحدة”، بتعبير العالم الكندي الشهير مارشال ماكلوهان (ت: 1980م)، صاحب نظرية: كل حقبة زمنية كبرى في التاريخ تستمد شخصيتها المميزة من الوسيلة الإعلامية المتاحة، وقدرتها على استغلالها.. وهو ما أتقنته واحترفته واحتكرته أمريكا طويلا من القرن الماضي.
* * *
7 تشرين الأول/ أكتوبر بالنسبة لصناع لقرار الأمريكي المغلق في الدوائر العليا، شأن آخر بالكلية، وهم يعلمون ذلك جيدا ولا يعلنونه، و”حماس” تعلم أنها تعلم، وهي أيضا لا تُعلن، وسيظل “العنوان” كما هو الآن، حتى تتخمر الخمائر كلها.
العنوان الحقيقي هو “كسر الطوق الحديدي” المفروض على الشرق العربي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. لكن وقت الإعلان الكاشف لم يحن بعد، فأحد أهم أطراف الموضوع، “الشعوب العربية”، لا زال نائما، لم يستيقظ بعد.. إنه يتحلحل، إنه يتململ، لكنه لا زال راقدا..
الأهم هنا، هو ذاك “السر الكامن” الذي لم يترك الأحداث، من صبيحة يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر لحظة واحدة، وواضح بالطبع مما يحدث ويجرى كل يوم الآن أمام أعيننا أننا أمام حدث خارق للعادة، وأن هناك من يعلم عن الله ومن الله ما لا يعلمه أحد..
العنوان الحقيقي هو “كسر الطوق الحديدي” المفروض على الشرق العربي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. لكن وقت الإعلان الكاشف لم يحن بعد، فأحد أهم أطراف الموضوع، “الشعوب العربية”، لا زال نائما، لم يستيقظ بعد.. إنه يتحلحل، إنه يتململ، لكنه لا زال راقدا.. الأهم هنا، هو ذاك “السر الكامن” الذي لم يترك الأحداث، من صبيحة يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر لحظة واحدة، وواضح بالطبع مما يحدث ويجرى كل يوم الآن أمام أعيننا أننا أمام حدث خارق للعادة
وكما قال الأستاذ الكبير فهمي هويدي تعليقا على ذلك، أن “طوفان الأقصى سعى بشرى، وتوفيق إلهي”، سنعلم دائما أن التوفيق الإلهي يرتبط ارتباطا وثيقا بفكرة وسلوك من أعمق أفكار وسلوك الطريق، في التسليم لله الذي بيده الخلق والأمر، وهو “التوكل” على من بيده الخلق والأمر.
* * *
“ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون”.. هذه الآية الكريمة من سورة النمل، منتشرة على مواقع التواصل في لقاء لـيحيى السنوار.. فلما تنتشر هكذا؟ وما هي سر هذه الآية معه؟.. لا يعلم أحد إلا الله..

لكن د. إبراهيم حمدونة، المناضل الفلسطيني المحترم والمدير بهيئة شئون الأسرى والمحررين وصاحب كتاب “الجوانب الإبداعية للأسرى الفلسطينيين، يقول لنا: “.. كنت دائم الاحتكاك بالقيادي السنوار في تلك الظروف الصعبة (يقصد السجن).. فوجدته يؤمن بالواجب والتسلح بالإرادة على الإمكان، وكان شعاره دوما آية قرآنية، لطالما رددها، وحفظتها من على لسانه (ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون)”..

هكذا كشف لنا زميل الزنزانة خيطا من نسيج السر، لقد حفظها الرجل من كثرة تكرار السنوار لها..!!

ويضيف: “السنوار يؤمن بحتمية الصراع واقعيا وتاريخيا ودينيا حتى النهاية، ويتمتع بعلاقات قوية مع القوى الوطنية والإسلامية في داخل السجون، ولم نشهد عليه أي تشنجات أو توترات عصبية وحزبية مع الآخرين.. كما أنه قارئ وكاتب ممتاز.. ويمتلك أفقا وتنبؤا سياسيا واسعا، ولا يختزل القضية الفلسطينية بالجانب الوطني، بل يؤمن بالعمق العربي والإسلامي في قضية التحرير والصراع مع إسرائيل، وسيدفع الحركة لتعزيز تحالفات قديمة، وفتح علاقات جديدة على أساس الإسلام وفلسطين..”..

* * *

ولأن “طوفان الأقصى” الحدث الأخطر لنا أيضا، فسنعلم أن يحيى السنوار في كل ما يحدث ويجري الآن على كوكب الأرض ليس شخصا، إنه حالة كاملة مكتملة، وليس أدل من الاكتمال الذي نراه في كل خطوة تخطوها هذه الحالة.. بكل ما فيها من عظمة وألم، وحلاوة ومرار.

اترك تعليقاً