إنه سيناريو مألوف للأسف لمئات الآلاف من الكنديين اللبنانيين عشية كل إجازة لهم في بلاد الأرز. وقد طلبت أوتاوا مرة أخرى من مواطنيها هذا الأسبوع تجنب السفر إلى لبنان. ومع ذلك، فإن التخلي عن جزء من حياتك ليس قرارا يمكن الاستخفاف به لغالبية عظمى من أهل الأرز.
يعلم اللبناني المقيم في مدينة مونتريال شي فوز بتحذيرات الحكومة الكندية المتكررة ولكن على الرغم من ذلك، قرر أن يستقل الطائرة نحو بلده الأم.
’’إنه أمر مخيف بعض الشيء أن أستقل الطائرة هذا المساء، لكنني مجبر قليلاً على ركوبها، لأن عائلتي موجودة هناك وعليهم العودة معي إلى كندا‘‘، أوضح في مقابلة هاتفية مع هيئة الإذاعة الكندية من مطار إسطنبول في تركيا أمس الخميس قبل إقلاع طائرته إلى بيروت.
الرحلة مرهقة بعض الشيء. لا نعرف ماذا نتوقع. إنه أمر محفوف بالمخاطر بشكل خاص في المطار، عند المرور عبر العاصمة بيروت. ولكن بعد ذلك، نحن نعيش في منطقة في شمال لبنان وهي منطقة آمنة.
يأمل المتحدث في أن يعود إلى مونتريال قبل نهاية شهر آب /أغسطس. حيث يجب عليه هو وزوجته العودة إلى العمل. ويجب على أطفالهم العودة إلى المدرسة.
يقول: ’’نأمل أن تتحسن الأمور بحلول ذلك الوقت‘‘.
يذكر أن غارة إسرائيلية على مشارف بيروت أدت مطلع الأسبوع إلى مقتل مسؤول عسكري كبير في حزب الله، فؤاد شكر، بالإضافة إلى خمسة مدنيين.
وحمّلت إسرائيل القائد شكر مسؤولية مقتل 12 شابا يوم السبت في هجوم صاروخي على مجدل شمس في هضبة الجولان.
’’إذا كنت في كندا وتخطط لزيارة لبنان، فلا تفعل ذلك. إذا كنت في لبنان، عد إلى وطنك‘‘، كتبت وزيرة الخارجية الكندية ميلاني جولي في رسالة نشرتها أول أمس الأربعاء على موقع التواصل الاجتماعي X.
رسالة وزيرة الخارجية واضحة جدا، ولكن مع ذلك فإن الوضع على الأرض يبدو أكثر تعقيدا بكثير.
تقول لميا شارلبوا، مستشارة العلاقات العامة ورئيسة مجموعة على فيسبوك تضم 13 ألف لبناني في مونتريال، ’’حاليا، لدي أصدقاء هناك، ذهبوا لرؤية عائلاتهم‘‘.
إنهم يشعرون بالتوتر الشديد لأنه يتعين عليهم ترك آبائهم وأمهاتهم المسنين تحت القنابل المحتملة وركوب أول طائرة إلى كندا.
تشير شارلبوا إلى أن المغتربين اللبنانيين في كندا غالباً ما يجدون أنفسهم عالقين بين آباءهم المتقدمين في السن في بلدهم الأصلي وأولادهم الذين يزاولون مقاعد الدراسة في بلدهم الجديد.
تتابع المتحدثة ’’ننتمي إلى بلدين، وهناك الأم بالتبني والأم البيولوجية. علينا أن نزور أمنا البيولوجية من وقت لآخر لأسباب وجيهة للغاية: الارتباط العائلي، الاطمئنان على صحة قريب تعرض لأزمة صحية […] هذه قرارات صعبة جداً على اللبنانيين. يجب ألا يسود الاعتقاد بأننا نمضي إلى سياحة ممتعة وسهلة‘‘، على حد تعبيرها.
يبلغ عدد أبناء الجالية اللبنانية في كندا ما بين 200 ألف و400 ألف شخص، بحسب الحكومة الكندية.
في السفارة الكندية في بيروت، هناك 21.945 كنديا مسجلين حاليا، حسبما أشارت وزارة الشؤون العالمية الكندية في رسالة بالبريد الإلكتروني أرسلت إلى هيئة الإذاعة الكندية يوم أمس الخميس، موضحة أن هذا الرقم يشمل فقط أولئك الذين اختاروا تسجيل أسمائهم.
’’هناك كنديون مستقرون في لبنان ولا تسمح لهم الأزمة الاقتصادية التي يشهدها لبنان بشراء تذكرة الطائرة للعودة إلى كندا‘‘، كما يوضح روجيه كرم، الذي يعيش في كندا، لكن شقيقه وشقيقته لا يزالان على الأراضي اللبنانية.
الجدير ذكره أن السلطات الكندية بدأت بإطلاق تحذيراتها بتجنب السفر إلى لبنان منذ شهر تشرين الأول /أكتوبر الماضي، عندما كانت لا تزال شركات الملاحة الجوية متاحة. أضف إلى ذلك التحذيرات المتعددة التي صدرت خلال العقود الماضية بسبب عدم الاستقرار في هذا البلد.
ويرى روجيه كرم أن الكنديين المقيمين في لبنان لا يستطيعون مغادرة البلاد في كل مرة يصار فيها إلى توجيه مثل هذه التحذيرات.
هؤلاء بنوا حياتهم من جديد في لبنان وليس لهم مقر أو عمل في كندا…قرار مغادرة البلد الأم من جديد صعب للغاية، عليهم أن يتخذوا القرار بترك حياتهم ومغادرة منزلهم وعملهم، تبعا لتحذيرات أوتاوا.
تشاطر لميا شارلبوا جورج كرم رأيه. وتشير إلى أن لبنان ضحية العواصف التي تهّب من حوله، إقليمية ودولية. ’’لبنان برميل بارود جاهز للاشتعال، كل شيء وارد حصوله وفي أي لحظة، وهو سيناريو نعيشه منذ 40 و50 عاما‘‘.
في رسالة عبر البريد الإلكتروني مرسلة إلى هيئة الإذاعة الكندية، كتبت وزارة الشؤون العالمية في الحكومة الفدرالية ’’إن أوتاوا لا تقدم حاليًا المساعدة في المغادرة أو الإجلاء للكنديين في لبنان ولا يوجد ضمان على الإطلاق بأن الحكومة الكندية ستقوم بإجلاء الكنديين في حالة الأزمات. لا ينبغي للكنديين الاعتماد على أوتاوا في المغادرة أو الإجلاء‘‘.
هذا النقص في الضمانات لا يطمئن لميا شارلبوا. ’’نحن لا نطلب من كندا أن تعيدنا، ومصرون على بذل قصارى جهدنا للخروج بمفردنا، ولكن إذا كنا عالقين تحت القصف، فحينها يجب إنقاذنا‘‘، تقول شارلبوا.
لا تزال المتحدثة متأثرة بأحداث تموز /يوليو 2006، وهو العام الذي اضطرت فيه كندا إلى تنفيذ عملية إجلاء مفاجئة وفوضوية لنحو 15 ألف شخص في لبنان بعد القصف الإسرائيلي المكثف. تقول شارلبوا: ’’كنت هناك وكان الأمر كارثيا‘‘.
ويعتبر لويس دو لوريميه، الذي كان سفير كندا في لبنان في ذلك الوقت، أنه على عكس الوضع في عام 2006، لدى الحكومة الفيدرالية الآن الوقت للتخطيط للإجراءات المحتملة.
’’على عكس الفرنسيين أو الأمريكيين، ليس لدينا وسيلة مباشرة للإجلاء في البحر الأبيض المتوسط. باستثناء أنه كان لدى أوتاوا الوقت الكافي منذ بدء حرب غزة للتحضير لعملية الإجلاء هذه‘‘، كما يقول السفير الكندي السابق.
لدينا أيضا القوات المسلحة الكندية التي تقوم بعمل رائع. لدينا الوقت لإرسال طواقم الموظفين في الهجرة والبعثات الدبلوماسية وكذلك البعثات الطبية.
(المصدر: هيئة الإذاعة الكندية، سي بي سي، إعداد وترجمة كوليت ضرغام)