رشيد الخيون
قصد بساسة الشّيعة مَن تحزب باسم الطّائفة، أبناء الإسلام السّياسيّ، وهؤلاء قاعدتهم شيّعيَّة، تيمناً بـ«الإخوان المسلمين» قاعدتهم سُنيّة، فالمنهل واحد «الحاكميَّة»، وإن اختلفت التسمية، لا يعترفون بالأوطان، مَن تفرع إلى «قواعد» و«دواعش»، ومَن نَمى إلى عصائب وكتائب. قطعاً لا نقصد صاحب العِمامة السَّوداء رئيس الوزراء محمَّد الصَّدر (1882- 1956)، عضو مجلس الأعيان، من افتتاحه (1925) حتَّى وفاته، وصار رئيساً له، كان رجلُ حلِّ الأزمات لا خلقها، بنوازع حزبيَّة صبيانيَّة. قال رئيس الوزراء توفيق السُّويديّ (ت: 1968): «الصَّدر مِن العناصر الرَّزينة المعتدلة في التَّفكير والعمل، وقد قام في مختلف أدواره السّياسيَّة بما يؤكد هذه الصِّفات الممتازة فيه، فعرف بكونه رجلاً عطوفاً يحب الخير ويعمله، ويسعى إلى التّفاهم، حتى من العناصر المفرطة التّفكير السّياسيّ والاجتماعيّ…» (بصري، أعلام السّياسة).
لا نقصد جعفر أبوالتّمن (ت: 1945)، شريك مولود مخلص (ت: 1951) في الحزب الوطني، في زمن لم يعرف أبوالتمن مخلص بالنّاصبيّ، ولا وجيه تكريت أشار إليه بالرَّافضي، كان حزبهما عراقياً وكفى. لا نقصد ابن الكاظميَّة وزير المال عبد الكريم الأُزري (1908- 2010)، كانت وزارته تشغله عن منافع طائفية، لا مثلما يحدث اليوم، فهو يعلم أنَّ أي إنجاز للعراق إنجازٌ لطائفته، استفادوا مثل غيرهم مِن مُجز وزارته، قانون تقاعد المستخدمين، فأغناهم عن إنشاء معاهد لتغييب العقل. لا نقصد الوزير عبد الغني الدَّلي (1913-2010) ابن سوق الشّيوخ، ما كان يبرمجه في الرّي والزراعة، الآتي بالنَّفع على العراق، من أعلاه إلى أدناه، وطائفته أول المستفيدين، بلا عنوان يتحول إلى غليان في الصّدور، حدثني عن آخر أمانيه فتح مكتبة بمدينته، لا مجالس اجتاحتها المنابر المدمرة لشباب الطّائفة. لا نقصد وزير الدَّاخلية ورئيس الوزراء صالح جبر (ت: 1957)، ولا ابن الكاظمية رئيس الوزراء ووزير الخارجية فاضل الجماليّ (ت: 1997)، ولا سعد صالح (ت: 1949) ابن النّجف، وزير الدَّاخلية الذي ارتبط به قانون الحريات (1946).
لا نقصد آل مرجان، وآل الحبوبيّ، وغيرهم، كان الجميع شركاء في مجلس إعمار العراق (1951) لا خرابه. مَن ذكرنا، ولم نذكر، كانوا سياسيين شيعة، ذابوا في العِراق لا عنوان آخر، لهم أخطاؤهم، لكنَّ الأخطاء التي تُتدارك، لا كوارث اليوم، فقد سمعنا عن درجات الخطأ: ما يمكن تفاديه وما يستحيل، بالتشبيه: خطأ القائل: واحد زائد واحد يساوي أربعة، ليس كخطأ القائل يساوي تفاحة، فالأخير لا صلة له بالمعادلة مِن الأساس، والمثال مِن الواضحات. يتجه ساسة الشّيعة اليوم بالشّيعة إلى ما يتعاكس ومصالحهم في وطنهم، جعلتموهم يهرعون وراء بيرق تحطيم الدَّولة، فكلّ ميليشيا تهتف هتاف ولاتها مِن خارج الحدود، فلا أمر للدولة بحرب وسلم.
خطورة ما تقودون إليه الشّيعة إلى الضَّياع، وراء بيارق غاية أصحابها تحطيم الدّولة، حتَّى صارت «الطّقوس» المشوهة أعظم الأماني، وتقديمها بمشاهد لا يرتضيها العدو لعدوه، يكون ذلك عندما يتحول البرلمان إلى ساحة «ردح» بـ «منصورة يا شيعة حيدر»، عند التصويت على مناسبة تُشتت لا تجمع، وهذا ما احتج ضده شيعة، معممون وأفنديّة، مِن غير الأحزاب، لدرء فتنة لا تبقي ولا تذر.
على مَن انتصرتم، أعلى أبناء وطنكم؟! فهل عبّدتم الطّرقات بانتصاركم، ورفعتم مستوى التّعليم، وحسنتم الطِبابة؟ هل حُصرتم السّلاح العابث بيد الدّولة، هل دخل الفاسدون إلى أقفاص الاتهام، وأعيدت المليارات؟! عَبَّر محمَّد صالح بحر العلوم (ت: 1992) عن الحال (1934)، «أنا لا أُريد لأمتي حريَّةً/ في ما تُدين به وهي رعناءُ» (الخاقاني، شعراء الغري). أقول: رفقاً بوطن وقد سمنت النُّحور مِن خيره، وها أنتم تسحقونه سحقاً، والقول لصاحبه، رفعه قتلى ساحات «تشرين» (2019) بشعارهم وندائهم الهادِر: «نريد وطناً»: «وبأنْ يروحَ وراءَ ظهريَ موطنٌ/ أسمنتُ نحراً عندهَ وترائبا».