You are currently viewing الاعتصام للامة امر من الله

الاعتصام للامة امر من الله

بقلم د ياسرجعفر
امر الله سبحانه وتعالى الامة بالاعتصام بحبل الله في قوله تعالي :(*وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا*)
ثم أمرهم تعالى بما يعينهم على التقوى وهو الاجتماع والاعتصام بدين الله، وكون دعوى المؤمنين واحدة مؤتلفين غير مختلفين، فإن في اجتماع المسلمين على دينهم، وائتلاف قلوبهم يصلح دينهم وتصلح دنياهم وبالاجتماع يتمكنون من كل أمر من الأمور، ويحصل لهم من المصالح التي تتوقف على الائتلاف ما لا يمكن عدها، من التعاون على البر والتقوى، كما أن بالافتراق والتعادي يختل نظامهم وتنقطع روابطهم ويصير كل واحد يعمل ويسعى في شهوة نفسه، فينبغي علي الامة الاسلامية والعربية ان تعتصم بكتاب الله لتصبح اقوي الامم، وٱن الاوان بالاعتصام والاتحاد في ظروف قاسيه تجمعت اعداء الاسلام لتنهش في لحوم المسلمين وتطمع في مقدراتهم الاقتصادية واستحوزت علي خيرات المسلمين في كل مكان واصبحت الشعوب تعاني من الفقر والجوع ، ولذلك امر الله عباده المؤمنيين في هذه الايه الكريمه بالاعتصام بحبله المتين وهو التمسك بكتابه العزيز ونهام عن التفريق في الاعمال الشرعية الظاهرة والاعتقادات الصحيحة الباطنه تفرقا لاتحمد له عاقبة ولا تكون له ثمرة صالحه ، كما نعيش هذه الايام من مهانه واستخاف وازلال وكل هذا بسبب عدم تمسكنا بحبل الله القوي المتين ، وقد ارشدهم الي مايكفل لهم السعادة وينالون به اعلي مراتب العز والشرف والسياده وهي اقامة الدين الذي شرعه لعباده وارتضاه علي لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وامرهم بالاعتصام به والأخذ بما دل عليه من امر ونهي وقبول ذالك بالرضي والتسليم ، فبذلك يكونون معتصمين بحبل الله ٱخذين باقوي الأسباب التي تقربهم الي ربهم ويكونون يد واحده وقوة يخشاها اعداء الإسلام والتمسك بكتاب الله وتطبيق الشريعة الاسلامية وتنقيذ اوامر الله تصبح الامة قويه يخشاها اعدائهم ويعملون لها الف حساب ، وكل ذالك من اجل إقامه الدين واجتماع كلمة أهل الايمان بالله الواردين الي بيته من مشارق الأرض ومغاربها وفي ذالك عز لسلطانهم وعظمة لشأنهم فيخشاهم المعاند لهم والمخالف لدينهم الذي هو أقوي منهم عدة واكثر عددا ، وتكون كلمتهم فوق كل كلمة وشأنهم اعلي من كل شأن لانهم نصروا الله واعزوا دينه فنصرهم تحقيقا لوعده الصادق بقوله ( إن تنصروا الله ينصركم ) لأن اجتماع القلوب علي طاعه الله يثمر العز الدائم والسعادة الأبدية فلا بد أن يكون الاجتماع مرضيا لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، جاريا علي الاصول الاسلامية والقواعد المعتبره، لان كل اتفاق يخالف شرع الله لاينال به العز والفلاح لان منهي عنه ، وما نهي الشارع عنه لاخير فيه وقد قضت سنة الله أن المسلمين لايتم لهم امر يريدونه ولا تستقيم لهم حال يقصدونها إلا بامتثال اوامر الله والعمل بشريعة نبيهم،وهذا المعني عام شامل للفرد والجماعه فمن استهان بشرع الله خذله الله أينما توجه وفي اي مكان وجد، وإن المتأمل لعبرة في ماضي الاسلام وماكان عليه المسلمون من العز وقهر الاعداء لما كانوا معتصمين بكتاب الله مجتمعين علي طاعة الله يحذرون كل الحذر من تفريق الكلمة وشق العصا ، وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يغضب عندما يسمع قولا يؤول إلي التفريق بين المؤمنين كل ماجاء في الحديث: ان أنصاريا ومهاجريأ تشاجرا فقال الانصاري ياللآنصاري وقال المهاجري ياللمهاجرين ، ففي الحديث:(* كسَع رجُلٌ مِن المُهاجِرينَ رجُلًا مِن الأنصارِ فقال الأنصاريُّ : يا لَلأنصارِ وقال المُهاجريُّ : يا لَلْمُهاجِرينَ قال : فسمِع النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذلك فقال : (*ما بالُ دَعْوى الجاهليَّةِ ) ؟ فقالوا : يا رسولَ اللهِ رجُلٌ مِن المُهاجِرينَ كسَع رجُلًا مِن الأنصارِ فقال : ( دَعُوها فإنَّها مُنتنةٌ ) فقال عبدُ اللهِ بنُ أُبَيٍّ ابنُ سَلولٍ : قد فعَلوها لئِنْ رجَعْنا إلى المدينةِ لَيُخرِجَنَّ الأعَزُّ منها الأذَلَّ فقال عُمَرُ : دَعْني يا رسولَ اللهِ أضرِبْ عُنُقَ هذا المُنافِقِ فقال : ( دَعْه لا يتحدَّثُ النَّاسُ أنَّ مُحمَّدًا يقتُلُ أصحابَه*)صحيح ابن حبان،
وفي روايه:
(*غَزَوْنَا مع النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقدْ ثَابَ معهُ نَاسٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ حتَّى كَثُرُوا، وكانَ مِنَ المُهَاجِرِينَ رَجُلٌ لَعَّابٌ، فَكَسَعَ أنْصَارِيًّا، فَغَضِبَ الأنْصَارِيُّ غَضَبًا شَدِيدًا حتَّى تَدَاعَوْا، وقالَ الأنْصَارِيُّ: يا لَلْأَنْصَارِ، وقالَ المُهَاجِرِيُّ: يا لَلْمُهَاجِرِينَ، فَخَرَجَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: ما بَالُ دَعْوَى أهْلِ الجَاهِلِيَّةِ؟! ثُمَّ قالَ: ما شَأْنُهُمْ؟ فَأُخْبِرَ بكَسْعَةِ المُهَاجِرِيِّ الأنْصَارِيَّ، قالَ: فَقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: دَعُوهَا؛ فإنَّهَا خَبِيثَةٌ. وقالَ عبدُ اللَّهِ بنُ أُبَيٍّ ابنُ سَلُولَ: أقَدْ تَدَاعَوْا عَلَيْنَا؟ لَئِنْ رَجَعْنَا إلى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأعَزُّ منها الأذَلَّ، فَقالَ عُمَرُ: ألَا نَقْتُلُ يا رَسولَ اللَّهِ هذا الخَبِيثَ؟ لِعَبْدِ اللَّهِ، فَقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أنَّه كانَ يَقْتُلُ أصْحَابَهُ*) صحيح البخاري
جاءَ الإسْلامُ ليَقْضيَ على كلِّ سُنَنِ الجاهِليَّةِ، وكلِّ دَعْوى باطِلةٍ لها، ومِن هذه الدَّعاوى العَصبيَّةُ القَبَليَّةُ، وإنَّما جعَلَ الوَلاءَ للمُسلِمينَ جَميعًا عرَبًا كانوا أو عجَمًا، وجعَلَ البَراءَ مِنَ المُشرِكينَ جَميعًا عرَبًا كانوا أو عجَمًا
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ جابِرُ بنُ عبدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنهما بواقِعةٍ ظهَرَتْ فيها دَعْوى الجاهِليَّةِ والتَّعصُّبِ القَبَليِّ، فيَرْوي أنَّهم خَرَجوا في غَزْوةٍ معَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قيلَ: غَزْوةُ المُرَيْسيعِ «بَني المُصطَلِقِ» سَنةَ ستٍّ منَ الهِجرةِ، وقدْ خَرَج المُنافِقونَ مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في هذه الغَزْوةِ؛ لأنَّ السَّفرَ كان قَريبًا، فطَمِعوا في الغَنيمةِ.
وقدِ اجْتمَعَ ناسٌ مِن المُهاجِرينَ حتَّى كَثُروا، وكان مِن المُهاجِرينَ رَجلٌ «لَعَّابٌ»، أي: يَلعَبُ بالحِرابِ، وقيلَ: مزَّاحٌ، واسمُه جَهْجاهُ بنُ قَيسٍ الغِفاريُّ، وكان أَجيرَ عُمرَ بنِ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه، فكسَعَ أنْصاريًّا، أي: ضرَبَ دُبُرَه بيَدِه، أو رِجلِه، فغضِبَ الأنْصاريُّ -وهو سِنانُ بنُ وَبَرةَ- غَضَبًا شَديدًا، حتَّى تَداعَوْا، أي: اسْتَغاثوا، كلُّ واحدٍ منهما يُنادي على جَماعَتِه وقَبيلتِه الَّتي يَنتسِبُ لها، وقال الأنْصاريُّ: يَا لَلأنْصارِ، وقال المُهاجِريُّ: يَا لَلمُهاجِرينَ، فخرَجَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقال: « *ما بالُ دَعْوى أهلِ الجاهِليَّةِ؟!*» أي: ما حالُ دَعْوى الجاهِليَّةِ حضَرَت بيْنكم مِن التَّناصُرِ والتَّداعي بالآباءِ؟! وكانتِ الجاهِليَّةُ تَنْتَمي في الاسْتِغاثةِ إلى الآباءِ، فتَقولُ: يا آلَ فُلانٍ، وذلك مِن العَصبيَّةِ والجاهِليَّةِ مدَّةَ ما قبْلَ الإسْلامِ، والغرَضُ مِن استِفْهامِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إنْكارُ ذلك عليهم، وتَوْجيهٌ لهم بأنْ يَتَداعَوْا بالإسْلامِ الَّذي يُؤلِّفُ بيْنهم، ويَلتَزِموا بشَرائعِه، وإنَّما يَنبَغي أنْ تكونَ الاسْتِغاثةُ بالإسْلامِ وحُكمِه، ثُمَّ سَأَل النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن سَببِ شِجارِهم، فأُخبِرَ بكَسْعةِ المُهاجِريِّ للأنْصاريِّ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «دَعُوها»، الإشارةُ إلى تلك الطَّريقةِ في الاحْتِكامِ والاستِنْصارِ دونَ مَعرِفةِ الحقِّ مِنَ الباطِلِ؛ « *فإنَّها خَبيثةٌ*»، والمُرادُ: اتْرُكوا دَعْوى الجاهِليَّةِ؛ لأنَّها مُنتِنةٌ قَبيحةٌ مُنكَرةٌ كَريهةٌ مؤْذيةٌ؛ لإثارَتِها الغَضبَ على غيرِ الحقِّ، والتَّقاتُلَ على الباطِلِ عَصبيَّةً، ولأنَّها تَدْعو إلى الاقْتِتالِ بيْن المُسلِمينَ وأبْناءِ الدِّينِ الواحِدِ، وقد قال اللهُ تعالَى: { *إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ*} [الحجرات: 10].
وفي هذه الواقِعةِ لمَّا وصَل إلى مَسامِعِ عبدِ اللهِ بنِ أُبَيٍّ ابنِ سَلولَ أحَدِ قادةِ ورُؤساءِ الخَزرَجِ، ولمَّا عُرِضَ عليه الإسْلامُ أسلَمَ في الظَّاهرِ، ولكنَّه كان رَأسَ المُنافِقينَ بالمَدينةِ، ويُبطِنُ العَداوةَ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ والمُسلِمينَ؛ فقال: « *أقدْ تَداعَوْا علينا؟*» أيِ: استَدْعى بعضُهم بعضًا ليَتقَوَّوْا علينا، فهو يَستَنكِرُ استِغاثةَ المُهاجِرينَ ببَعضِهم على الأنْصارِ رَغبةً منه في بثِّ الشِّقاقِ بينَ المُهاجِرينَ والأنْصارِ، ثمَّ قال ذلك المُنافِقُ: لئنْ رَجَعْنا إلى المَدينةِ ليُخرِجَنَّ الأعَزُّ -يَقصِدُ نفْسَه- الأذَلَّ -يقصِدُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ومَن معه-، فقال عُمَرُ رَضيَ اللهُ عنه: ألَا نَقتُلُ يا رَسولَ اللهِ هذا الخَبيثَ؟ يَقصِدُ ابنَ سَلولَ؛ لمَقولتِه تلك، فرفَض النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَتلَ ابنِ سَلولَ؛ حتَّى لا يَتحدَّثَ مَن لا يَعرِفُ ابنَ سَلولَ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَقتُلُ المُسلِمينَ، فيُحجِمُ النَّاسُ عنِ الدُّخولِ في الإسْلامِ بسَببِ ذلك، وهذه سِياسةٌ عَظيمةٌ، وحَزمٌ وافرٌ؛ لأنَّ النَّاسَ يرَوْنَ الظَّاهِرَ، والظَّاهِرُ أنَّ عبدَ اللهِ بنَ أُبَيٍّ كان منَ المُسلِمينَ، ومِن أصْحابِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفي الحَديثِ: مُراعاةُ النَّظرِ للعامَّةِ على النَّظرِ للخاصَّةِ، والتَّحْذيرُ مِن كلِّ عَملٍ فيه تَنْفيرُ النَّاسِ عنِ الدُّخولِ في الإسْلامِ.
وفيه: التَّحْذيرُ مِن سُوءِ عاقِبةِ التَّداعي بأُمورِ الجاهِليَّةِ
فهذا كان هدي النبي وهذه سيرته وحرصه علي اتفاق أمة وجمع كلمتهم حتي قال:( *أنَّ شِرارَ عبادِ اللهِ المشَّاؤون بالنميمةِ، المفَرِّقون بين الأحِبَّةِ*) كما أخرجه أحمدُ.

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إن الله يرضى لكم ثلاثاً، ويكره لكم ثلاثاً، فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا. ويكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال”.

فعليكم بالتمسك بالدين والتناصح بذلك.

أما من خرج عن الإسلام فلا اجتماع معه، ولا ولاء له، ولا طاعة له، ولا محبة له، بل يجب البعد عنه والعداء له كما قال إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام: (*وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيّاً*) [مريم:48]
وقد ذكّرهم النبي صلى الله عليه وسلم بهذه النعمة يوم قسم غنائم حنين فقال لهم: ” *ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي؟ وكنتم متفرقين فألفكم الله بي؟ وعالة فأغناكم الله بي؟ فكلما قال شيئاً قالوا: الله ورسوله أَمَنُّ*”. ويعنون المنَّة لله ولرسوله علينا.

لقد أكرمنا ربنا عز وجل بهذا الدين، وشرَّفنا به من بين العالمين، فلقد علمنا الله به من الجهالة، وهدانا به من الضلالة، وكثَّرنا به بعد القلة، وأعزَّنا به بعد الذِّلَّة، بعد أن لم يكن العرب قبل الإسلام يعرفون للتوحيد دليلًا، ولا للوحدة سبيلًا، فجمع الإسلام على التوحيد شملهم، ووحَّد على الحق رايتهم؛ قال تعالى: ﴿ *كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ* ﴾ [آل عمران: 110]
إن الحفاظ على وحدة المسلمين فرض شرعي، وواجب حَتْمِيٌّ، لا يجوز التفريط فيه بحال من الأحوال؛ إذ الاجتماع على الحق وسيلة لقوة الأمة وتماسكها، وأداة لحفظ كيانها ودفع شر أعدائها، وهو استجابة لأمر الله عز وجل بالاعتصام بدينه، والنهي عن التفرق فيه

ومما يجب علينا: الحفاظ على شوكة الأمة ومقومات الشعب الواحد بإيثار المحبة والرحمة، والطاعة والنصرة بين الحاكم والمحكومين، على أساس من طاعة الله تبارك وتعالى، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقيام الراعي بحقوق الرَّعِيَّة والسهر عليها، وقيام الرعية بالسمع والطاعة لوليِّ أمرها، والالتفاف حوله، والنصح له والذَّبُّ عنه، وعدم منازعته أمره، ولا الخروج عليه بقول أو فعل؛ فلقد جاء الأمر صريحًا في كتاب الله تعالى بطاعة أولي الأمر بعد أن أمَرَ بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال سبحانه وتعالى: ﴿ *يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا* ﴾ [النساء: 59]

ومن أقوى الروابط وأوثق العُرى: الشعور بالأُخُوَّة الإسلامية ومراعاة حقوقها، وترسيخ معانيها في القلوب والعقول، وممارستها واقعًا بين أفراد الشعب المسلم.

وقد أكد ربنا عز وجل هذه الأُخُوَّة في غير ما آية في كتابه العزيز، وأثنى على أهلها؛ فقال سبحانه: ﴿ *وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ* ﴾ [التوبة: 71]
فالمسلمون كالجسد الواحد إذا اشتكى بعضه اشتكى كله؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((*مَثَلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم مَثَلُ الجسد إذا اشتكى منه عضوٌ، تداعى له سائر الجسد بالسَّهَرِ والحُمَّى*))؛ [رواه البخاري ومسلم].

ولا يخفى ما للإصلاح بين المسلمين من أثَرٍ عظيم في إزالة الشحناء والعداوات، وتطهير المجتمع من أوضار الشقاق والنزاعات، وإقامة مجتمع سليم معافًى من العلل الباطنية؛ قال الله تعالى: ﴿ *وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا* ﴾ [الحجرات: 9].

اترك تعليقاً