عيّنت أمس الثلاثاء ’’هيئة تحرير الشام‘‘ محمد البشير رئيساً للحكومة الانتقالية بعد إطاحتها الأحد الماضي بنظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد.
وسيتولّى البشير مهامه إلى غاية الفاتح من آذار/مارس المقبل، كما أكّده في تصريح له بثّه التلفزيون السوري.
ونشأ مهندس الالكترونيات هذا الذي يبلغ من العمر 41 عاماً في جبل الزاوية. وشغل منذ بداية العام منصب رئيس ’’حكومة الإنقاذ السورية‘‘، وهي الحكومة التي أعلنتها ’’هيئة تحرير الشام‘‘ الإسلاموية في 2017 في إدلب حيث وُلد.
وفور سقوط نظام الأسد خرج السوريون داخل البلاد وخارجها للتعبير عن فرحتهم بنهاية نظام عائلة الأسد التي حكمت خلال أكثر من 50 عاماً.
وتمكّنت هيئة تحرير الشام خلال عشرة أيام من إسقاط نظام بشار الأسد بعد هجوم مفاجئ وسريع بدأته في شمال غرب البلاد.
وفي حوار مع راديو كندا الدولي أكّد عماد الظواهرة، رئيس منظمة ’’مسار من أجل الديموقراطية والحداثة‘‘، وهي منظمة مجتمع مدني كندية مستقلة أنّه لم يتفاجأ بسرعة سقوط نظام الأسد لاّنه ’’كان يأخذ شرعيته من التوازنات العالمية وليس من الداخل منذ أيام والده [حافظ الأسد].‘‘
وهذا شأن الأنظمة التي نشأت بعد الانقلابات العسكرية، وفقاً له، كما هو الحال في سوريا حيث قام حافظ الأسد بانقلاب في تشرين الثاني/نوفمبر 1970.
ويقول السيد الظواهرة إنّ نهاية نظام الأسد تأكّدت على هامش منتدى الدوحة في نسخته 22 الذي نُظّمت في 7 و8 كانون الأول/ديسمبر الجاري في العاصمة القطرية حيث تمّ عقد اجتماعات استثنائية لضامني مسار أستانا (إيران، تركيا وروسيا) بالإضافة إلى بعض الدول العربية (قطر، المملكة العربية السعودية، الأردن، مصر والعراق).
وللإشارة فإنّ مسار أستانة هو مبادرة انطلقت في كانون الثاني/يناير 2017 في العاصمة الكازاخستانية بهدف تحقيق هدنة بين أطراف النزاع في سوريا وإطلاق مسار سياسي وفق قرارات الأمم المتحدة خاصة قرار مجلس الأمن رقم 2254 الصادر في 18 ديسمبر/كانون الأول 2015.
تأكّد النظام [السوري] في مؤتمر الدوحة أنّه سيسقط وأنّ صلاحيته قد انتهت.
وأوضح هذا الأخير أنّ دولا مثل روسيا والإمارات العربية المتحدة وإيران كانت تدفع إلى قبول قرار مجلس الأمن رقم 2254 الذي يؤطّر وضع حلّ سياسي للأزمة السورية.
وكانت هذه الدول تهدف إلى كسب بعض الوقت إلى غاية مجيء الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. ’’لكنّ بعد ورود إشارات من واشنطن أنّ الأمريكيين لن يعطون وقتاً إضافيا للنظام السوري، عقد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ندوة صحفية قال فيها إنّ روسيا دخلت سوريا في 2015 لإنقاذ الدولة السورية وليس النظام.‘‘
وحسب مصادر السيد الظواهرة، ’’استقلّ بعدها بشار الأسد الطائرة باتجاه روسيا دون أن يخبر حتى ضباط الجيش. فكانت النهاية سريعة.‘‘
تفاؤل
وعن تفاؤل السوريين وعدم تخوفهم من تنظيم ’’هيئة تحرير الشام‘‘ رغم طابعه الإسلاموي، يقول عماد الظواهرة إنّ ’’الناس كانوا مستعدين لقبول أي بديل يخلّصهم من النظام. نظام ليس هناك أكثر منه شراسة وإجراماً في العالم‘‘.
ويعزو ’’شراسة النظام السوري‘‘ إلى خوفه من الشعب. ’’وهذه ميزة الأقليات التي تعاني خطرا وجودياً.‘‘ ويتكوّن نظام الأسد من الأقلية العلوية التي تمثّل 10% من الشعب السوري، وفقاً له.
’’نظام الأسد استخدم فقراء العلويين الذين ماتوا من أجله. إذا تزور بعض القرى تجد أنّ ثلاثة أرباع شبابها مات في خدمته. كان يقول لهم إذا حكمكم السنيون سيذبحونكم‘‘، كما أكّد عماد الظواهرة الذي ينتمي إلى الطائفة المسيحية.
وأوضح هذا الأخير أنّ مسيحيي سوريا وإن كانوا أقلية عددية لا يعتبرون أنفسهم أقلية. ’’مسيحيو سوريا يعتبرون أنفسهم أهل البلد. ولا يوجد في سوريا تنظيم مسيحي [سياسي] واحد. فهم ليسوا طائفيين. معظمهم علمانيون وقوميون عرب وبعثيون وشيوعيون وقوميون سوريون. رغم أنّ النظام كان يسوّق أنّ المسيحيين يحتمون به.‘‘
وكان النظام يخيف المسيحيين والأقليات الأخرى أنّ السنيين الذين يشكّلون 75% من سكان سوريا إذا وصلوا إلى الحكم ’’سينتقمون منهم ‘‘.
وهذا ما وقع فيه بعض المسيحيين بشكل فردي ولكنّ ليس كطائفة، كما أكّد السيد الظواهرة في حديثه مع راديو كندا الدولي.
لِسوريا تاريخ ديمقراطي عريق. والمسيحيون لعبوا دوراً كبيرا لاستقلال البلاد من فرنسا التي كانت تدّعي أنها جاءت لحمايتهم.
وأعطى مثالا على ذلك كيف أنّ الزعيم الوطني السوري فارس الخوري (1877-1962) المسيحي الذي شغل من بين مناصب أخرى منصب رءئيس الوزراء و كان أيضاً وزيرا للأوقاف.
وذكر خطابه من على منبر الجامع الأموي في دمشق حيث قال : “إذا كانت فرنسا تدعي أنها احتلت سورية لحمايتنا نحن المسيحيين من المسلمين، فأنا كمسيحي من هذا المنبر أشهد أن لا إله إلا الله.‘‘
فما كان ردّ الفعل من أحد المشايخ إلا نزع عمامته ووضعها على رأس فارس الخوري الذي حمله المصلون على أكتافهم.
ضمان حقوق الجميع
وفي مقابلة مع صحيفة كورييري ديلا سيرا الإيطالية اليومية، أكد اليوم الأربعاء محمد البشير رئيس الحكومة الانتقالية أن تحالف المتمردين سيضمن حقوق جميع الطوائف.
وتشعر الدول الغربية بالقلق بشأن الطريقة التي ستتعامل بها السلطة الجديدة، التي تهيمن عليها الجماعة الإسلامية السنية المتشدّدة هيئة تحرير الشام، الفرع السوري السابق لتنظيم القاعدة، مع الأقليات العديدة في سوريا.
لأننا مسلمون على وجه التحديد، سنضمن حقوق الجميع (…) وجميع الأديان في سوريا.
وتدّعي هيئة تحرير الشام أنها اابتعدت عن الفكر الجهادي، لكنها لا تزال مصنفة على أنها إرهابية من قبل العديد من الدول الغربية، بما في ذلك كندا والولايات المتحدة.
وبالنسبة لرئيس منظمة مسار من أجل الديمقراطية والحداثة فإنّ الائتلاف الذي أسقط النظام السابق يسير على خطى تجعله مقبولاً أمام المجتمع الدولي ’’من حيث الصورة والأفعال والخطاب الوطني والمنفتح، لكنّه لم يوضح برنامجه بعد.‘‘
كما دعا السيد البشير السوريين المنفيين إلى العودة إلى ديارهم من أجل ’’إعادة بناء‘‘ البلاد ذات الأغلبية العربية السنية، حيث تعيش العديد من الطوائف العرقية والدينية معاً.
وفرّ نحو ستة ملايين سوري، أي ربع السكان، من البلاد منذ عام 2011، عندما أدى قمع الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية إلى اندلاع حرب مدمرة.
(مع معلومات من وكالة فرانس برس ووكالة رويترز وموقع الجزيرة)