RT
الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي (صورة أرشيفية)
في غضون أسبوع من الآن، يبدو أن الوضع الإنساني في أوكرانيا سيصبح القضية الأولى في وسائل الإعلام العالمية.
فقد أدت سلسلة من الضربات الصاروخية الروسية على محطات المحولات الفرعية في أوكرانيا إلى دفع نظام الطاقة في البلاد إلى حافة الانهيار. وبعد يومين من الموجة الأخيرة من الضربات في 23 نوفمبر الجاري، قالت أوكرانيا إن هناك نقصا في الكهرباء بنسبة 23%، ويوم أمس ارتفع هذا النقص إلى 27%، واليوم وصل إلى 30%.
ويؤدي تراكم الأضرار وظهور البرودة إلى زيادة الجهد وفشل المزيد والمزيد من المحولات وحتى إلى خروج محطات الكهرباء من الخدمة. ويحمل انقطاع التيار الكهربائي طبيعة الطوارئ، فيما تتعهد السلطات بإضاءة سكان العاصمة مرتين في اليوم لمدة ساعتين، إلا أنها لا تفي بالوعد. بمعنى أن الديناميكيات سلبية، ونظام الطاقة في أوكرانيا ينهار حتى بدون ضربات إضافية.
لكن تلك الضربات ستتبعها ضربات إضافية. على الأرجح ستكون موجة ضربات واحدة، أو حتى موجتان كافيتان لإحداث انهيار كامل في قطاع الطاقة الأوكراني.
وقد تم بالفعل إيقاف أكبر مصانع الفلزات في أوكرانيا بمدينة كريفوي روغ، وأعتقد أن بقية الصناعة في أوكرانيا قد توقفت هي الأخرى أو قريبة من ذلك. وسيتوقف الاقتصاد الأوكراني عن الوجود في الأسابيع المقبلة.
كذلك تتحول السكك الحديدية من القاطرات الكهربائية إلى قاطرات الديزل، التي بقيت في أوكرانيا منذ عهد الاتحاد السوفيتي، وهي غير كافية، إضافة إلى أنها متهالكة ولا توجد لها قطع غيار. بدون كهرباء، لن يعمل نظام التحكم في حركة السكك الحديدية أيضا.
خطوط السكك الحديدية في أوكرانيا تعاني من صعوبة بالغة بالفعل، وسرعان ما ستفقد القيادة الأوكرانية القدرة على نقل القوات بسرعة من قطاع على الجبهة إلى آخر، وستقل القدرة على نقل كمية كافية من الذخيرة من أوروبا.
أعتقد أن القيادة الروسية تنوي تدمير قدرة أوكرانيا على تنظيم المقاومة على الجبهة والإبقاء على الجيش في حالة استعداد للقتال، حيث يجب أن يقنع هذا أوكرانيا بالاستسلام. ومع ذلك، فإن لذلك ثمن بالنسبة لسكان أوكرانيا.
وبدءا من يوم غد ولمدة أسبوعين على الأقل، وفقا لتوقعات الطقس، ستكون درجة الحرارة في النصف الشمالي من أوكرانيا دون الصفر المئوي. وفي ظل ظروف الشلل التي يعاني منها قطاع الطاقة في البلاد، سيحرم جزء كبير، إن لم يكن في معظم المدن، من إمدادات المياه، والأهم من ذلك التدفئة. وبعد بضعة أيام من درجات الحرارة دون الصفر، ستتجمد أنابيب المياه وتنفجر إذا لم يتم تصريف المياه منها مسبقا. أظن أن الحال سيكون هكذا في كثير من الحالات، وسيصبح جزء كبير من المساكن غير صالح للسكن لبضعة أشهر على أقل تقدير، حتى لو عاد نظام الطاقة فجأة.
يعني ذلك أنه في غضون أسبوع أو اثنين، سيكون عدة ملايين من سكان المناطق الحضرية في أوكرانيا في الشوارع في فصل الشتاء في درجات حرارة أقل من الصفر، وستبدأ كارثة إنسانية.
في ظل هذه الظروف، يلزم الإخلاء الفوري للسكان، ويفضل أن يكون ذلك إلى أوروبا، التي شاركت في تنظيم انقلاب أوكرانيا عام 2014، والتي شاركت في تأسيس النظام النازي وإمداده بالأسلحة، ما شجع كييف على شن الحرب ضد دونباس. وتتحمل أوروبا إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية وزر هذا الوضع في أوكرانيا، وملزمة بقبول الأوكرانيين الذين أصبحوا لاجئين بسبب توسع “الناتو” نحو الشرق.
ومع ذلك، رفض زيلينسكي إخلاء السكان. وقد تم الاتفاق على هذا القرار بلا شك على الأقل مع واشنطن وبرلين، أو تم اتخاذه تحت ضغطهما.
في المدن الأوكرانية، تم نصب الخيام هنا وهناك، فيما يسمى بـ “نقاط الصمود”، والتي يفترض أن يكون من الممكن الاحتماء بها للتدفئة. لا يعمل بعض منها، ومن الواضح أن هناك عددا قليلا جدا منها لمنع وقوع كارثة إنسانية.
لكن أسوأ ما في الأمر هو أن زيلينسكي يبدو وكأنه يريد عن قصد وبسخرية تنظيم كارثة إنسانية في أوكرانيا. وأحد الأهداف الرئيسية للغرب هو خلق انقسام ما بين الشعبين الشقيقين الروسي والأوكراني، وكلما أريق المزيد من الدماء، وكلما مات المزيد من الأوكرانيين، كان ذلك أفضل على المدى الطويل لواشنطن وعملائها.
لطالما حاول زيلينسكي جر “الناتو” إلى مواجهة عسكرية مباشرة مع روسيا. إلا أنه لم يأت بالنتيجة المرجوة من اختلاق مشهد “بوتشا”، ثم بالقصف المدفعي لمحطة زابوروجيه للطاقة النووية، وبالهجوم الصاروخي على بولندا وإلقاء اللوم على روسيا في ذلك.
الآن يسعى المهرج الدموي إلى إنتاج فيلم جديد يموت فيه مئات الآلاف، وربما ملايين الأوكرانيين من أجل تحقيق التأثير المطلوب على الرأي العام العالمي، وإجبار الغرب أخيرا على الانضمام للحرب.
وحول نوايا زيلينسكي يتحدث مستشار مكتبه ميخائيل بودولياك بصراحة، وأنقل هنا اقتباسا حرفيا: “أين يمكننا أن نخلي مليون
بطبيعة الحال، وفي غضون أسبوع، ستمتلئ وسائل الإعلام الغربية وغيرها من وسائل الإعلام ذات التوجه الغربي في البلدان الأخرى بمقاطع فيديو لأطفال أوكرانيين يتجمدون أو يموتون بسبب البرد.
فنظام زيلينسكي يحتاج إلى تأثير جماهيري عام، يحتاج إلى “تضحية باسم الاستقلال”، والتي يجب أن تصبح “رمزا لنضال أوكرانيا ضد روسيا”. هناك حاجة لمئات الآلاف من الأوكرانيين، متجمدين حتى الموت، على الهواء مباشرة أمام كاميرات القنوات التلفزيونية الغربية.
وزيلينسكي، الممثل المحترف، سيحظى حينها بحفاوة بالغة من الجماهير الغربية لدوره كـ “بطل الصمود غير القابل للتدمير”، وبعد انهيار أوكرانيا، سيعيش بقية حياته في فيلته الفاخرة في إيطاليا، ربما حتى في منصب “رئيس في المنفى”.
ألا تستحق نهاية مؤثرة كهذه التضحية بعدة ملايين من أرواح الأوكرانيين؟
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف
رابط قناة “تليغرام” الخاصة بالكاتب
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب