الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أنّ لا اله الاالله وحدة لاشريك له ، وأشهد أنّ محمد رسول الله. الحمد فى اللغة معناه الثناء الكامل ، وهى بذلك تعنى نسبة جميع صفات الكمال لله وحده ، ولا يحد وصفه بحميد الصفات حدود ، وكل صفات الكمال لديه لا تشوبها شائبة ، فأنت تمدح المخلوق لصفة فيه لكنه لا يبلغ فيها الذروة ، فصفة حميدة لديه لكنها محدودة ، والله سبحانه وتعالى يجمع كل صفات الكمال ، وأما المخلوق فنصفه ببعض الصفات الحميدة وليست كلها ، فهناك طلاقة فى كمال الصفات كمًّا وكيفًا ؛ فالمولى عز وجل تجمع ذاته كل صفات الكمال وبشكل مطلق. وإذا ضربنا مثلًا بصفة الكرم ، نرى أنه سبحانه يحب أن يسأله العبد ، بل أن يُلِح في مسألته ، بل بغضب إن لم يسأل قال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:60]. قوله سبحانه وتعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ}؛ فمن حديث أبي هريرة قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: «قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2]، قال الله تعالى: حمدني عبدي» صحيح مسلم. وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله (ص) «إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها أوشرب الشربة فيحمده عليها» صحيح مسلم . وقد حمد الله نفسه في آيات كثيرة وأمرنا بحمده سبحانه وتعالى ، وأهل الجنة الذين هم “وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ” سورة يونس 10، “الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا” سورة الأعراف 43 ، “الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ” سورة فاطر 34 ، حمد الله عبادة عظيمة ، حمد الله يعني رضا العبد عن أفعال ربه ، حمد الله يعبر عن تسليم العبد لقضاء ربه. الحمد في أي شيء ورد من الأذكار الشرعية لتعجب أشد العجب من عظم هذه الكلمة عند رب العالمين ، فعند القيام من النوم: (الحمد لله الذي رد علي روحي)، وإذا رأى مبتلى: (الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به ، يسر بها) ، وعند الركوع يقول الإمام: (سمع الله لمن حمده ، فيقول الناس: اللهم ربنا ولك الحمد)، وإذا عطس الإنسان ماذا يقول؟ الحمد لله ، والسبب أن العطاس من الله والتثاؤب من الشيطان ، فإذا عطس حمد الله سبحانه وتعالى، وكان النبي صلى الله عليه وسلم ما لا يحصى إذا تكلم وإذا خطب يقول الصحابة: حمد الله وأثنى عليه ، وبعد الصلوات ثلاثاً وثلاثين تحميدة يقولها العبد، (وكان عليه الصلاة والسلام إذا أتاه الأمر يسره قال: (الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات) وإذا أتاه الأمر يكرهه قال: (الحمد لله على كل حال) رواه ابن ماجه ، فهو دائماً يحمد ، وكان إذا استجد ثوباً يلبسه يقول: الحمد لله ، أول كلمة (الحمد لله أنت كسوتنيه أسألك من خيره وخير ما صنع له وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له). الحمد على كل حال ، حتى على المكروهات ، هذه صفة المؤمنين التي لا تكون للذين يبغضون القضاء ويعترضون عليه ؛ ولذلك الله سبحانه وتعالى يكافئ الراضي بقضائه الحامد له على قضائه وقدره مكافأة عظيمة . وروى ابن ماجه عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله (ص): «ما أنعم الله على عبد نعمة فقال الحمد لله إلا كان الذي أعطاه أفضل مما أخذ» عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله (ص): “ هذه الكلمة (الحمدالله) أفضل من الدنيا كلها، لأن الدنيا فانية والكلمة باقية ، هي من الباقيات الصالحات” قال الله تعالى: {وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلًا} [الكهف من الآية:46]”. عن مسلم عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله (ص):«الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن -أو تملأ- ما بين السماء والأرض» صحيح مسلم. الله تعالى قد حدد لنا صيغة الحمد لما يوجد بين الناس من اختلاف في قدرات عن التعبير عن الشكر، و البشرعمومًا عاجزون عن شكر الله كما ينبغى له إذ أن العقل عاجز عن إحصاء وإدراك نعمه لذا قال صلى الله عليه وسلم: «لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك»، في جزء من حديث روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (صحيح مسلم). ولعظم فضل الحمد عند الله جعله مستحبًا عند الدعاء فيستهل به الأدعية بل تستهل به الأمور كلها بعد البسملة. وهو أعمق من الشكر، فأنت تشكر على النعمة وتشكرعلى ما يعقبها من سراء ، فى حين أن الحمد يكون فى السراء والضراء ، أى أن الحمد يكون كذلك عن النعم المستترة التى لم يكشف لك عنها، وهذا هو اليقين بحكمة الله فكل ما يقدره الله للإنسان خير حتى وإن كرهه ذلك ، وبهذا فالحمد يرد الأمر لله الذى لا يريد للمخلوق إلا الخير.كذلك أنت تحمد الذات الإلهية أما المخلوق فتشكره لأن من قدم لك معروف تشكره ولكن لا يجوز أن تحمده كما تحمد الله المنزه ومن فوائد الحمد الله أنه يضمن عدم زوال النعمة و{رَبِّ الْعَالَمِينَ}: الرب هو الخالق الراعى القيم الذي يحيط عباده بالحفظ والرعاية والحماية وجلب الرزق.{الْعَالَمِينَ}: أى العوالم كلها ؛ عالم الإنس ، عالم الجن ، عالم الطيور، عالم النبات وغيرها. العوالم الأخرى دون الجن والإنس تضيق ذرعاً بتقصير بني آدم في حمده وشكر نعمته قال تعالى: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}الإسراء من الآية:44. فالحمد لله أولاً وآخراً ، والحمد لله ظاهراً وباطناً ، والحمد لله عدد كل شيء، والحمد لله ملء كل شيء، والحمد لله عدد ما في السموات وما في الأرض، والحمد لله على كل حال ، ما أصابنا من نعمة فالحمد لله ، وما أصابنا من نقمة وبلية وعذاب فالحمد لله ، الحمد لله على ما أصاب إخواننا المسلمين في أنحاء العالم ، الحمد لله على كل مصيبة وقعت بنا ونحتسب أجرها عند الله ، ولا نقول إلا ما يرضي الرب الحمد لله على كل حال اللهم أحسن خاتمتنا وأعناعلى طاعتك ، اللَّهُمَّ هب لنا منك عملا صالحاً يُقربنا إليك ، فنسأل الله عز وجل بأن يتقبلنا جميعا في فسيح جناته ، اللهم ارزقنا قلوباً خاشعة وأعيناً دامعة وألسنتاً ذاكرة ، وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيِنِ ، وَالحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِيِنَ . اللهم آمين – وإلى اللقاء
بقلم
أم تامر المصري