بقلم
مصطفى قنديل
نائب رئيس تحرير جريدة عربية
إن قضية “ حاكمية الشريعة “ قد كثر الحديث حولها وتم الزج بها في مناقشات أبعدتها كثيرا عن مفهومها الأساسي إلا أن هناك مفاهيم أو يمكن أن نقول أنها مقاييس قد حددها الشارع لمصداقية الحكم الإسلامي إذا وجدت كان الحكم إسلاميا وإذا لم توجد لم يكن الحكم إسلامياً. وإذا وجد بعضها وفقد بعضها فإنه يكون إسلامياً بقدر ما وجد وغير إسلامي بقدر ما فقد.
ومن هذه المفاهيم إعمار الأرض وبسط مناخ الحرية في كل مكان وإقامة العدل وإرساء مبدأ الشورى والديموقراطية.
ولقد تعرض لهذه القضايا وتحدث عنها المفكر الإسلامي الأستاذ أنور الجندي في كتابه القيم “ الضربات التي وجهت للانقضاض على الأمة الإسلامية “ ويعد هذا الكتاب أخر ماكتبه الجندي حيث يحلل فيه المؤامرات الكبرى على الإسلام منذ فجره.
فقد جاء الإسلام ليكون حدا فاصلا في التاريخ الإنساني بين عصر الأديان وعصر الدين العالمي الخاتم برسالة القرآن وقيادة محمد صلى الله عليه وسلم حاملا رسالة التوحيد الخالص ليخرج البشرية من الظلمات إلى النور.
ويقول الأستاذ أنور الجندي أن أول أعمال الغرب في مواجهة الفتح الإسلامي هو العمل على صده ووقفه وتحطيم خطته التي كانت تتمثل في تحويل البحر الأبيض المتوسط إلى بحيرة إسلامية وكانت هناك جبهتان : الأولى هي بيزنطة ، والثانية : هي الأندلس.
ثم تحدث عن الأحداث الكبرى على مدى قرنين وأكثر من الزمان ( 1070- 1290) فتحدث عن معركة ملاذكرد والحملة الصليبية الأولى ومعركة حطين ومعركة عين جالوت وآخر الحروب الصليبية ودخول قوات المغول إلى بغداد وانتصار جيش مصر على جحافل التتار ثم حملة التتار على حلب في نفس العام والاستيلاء على أنطاكية.
ثم جاء جهاد المماليك في مواجهة خطر الصليبيين والتتار ففي هذه المرحلة العاصفة التي تفجرت فيها المؤامرات على الإسلام كشفت عن عناصر جديدة من المسلمين حملت لواء الدفاع عن الإسلام مثل السلاجقة والأكراد والمماليك ، فمن السلاجقة ظهر ‘عماد الدين زنكي’ و’نور الدين محمود’ وكان دورهما في مواجهة الحروب الصليبية قويا وبارزا ومن الأكراد ظهر ‘صلاح الدين الأيوبي’ الذي استرد بيت المقدس من أيدي الصليبيين ومن المماليك ‘قطز’ و’الظاهر بيبرس’ و’قلاوون’ و’الأشرف بن قلاوون’ وكان دور المماليك قويا وممتدا وحاسما فقد استطاعوا بعزيمة جبارة تصفية نفوذ التتار والصليبيين وتحقيق أكبر نصر في هذا المجال.
يصف كثير من المؤرخين عصر المماليك بأنه عصر الإنقاذ فهم الذين أنقذوا الحضارة الإسلامية من الدمار العام على أيدي المغول والتتار حين حطموا قواتهم في عين جالوت وأنهم أنهوا الحكم الصليبي في بلاد الشام وأحيوا الخلافة الإسلامية وجعلوا مركزها القاهرة.
ثم تحدث المؤلف عن ولادة الدولة العثمانية [ 687 هـ – 1288 م ] والهجرة إلى سواحل المغرب ودخول الأتراك أوروبا.
فلا شك أن الدولة العثمانية في التاريخ الإسلامي دولة مفترى عليها فقد شكلت منذ ظهورها خطرا متزايدا على أوروبا وتصدت للوجود البرتغالي في الخليج وفي المياه الشرقية وساندت مسلمي الأندلس الذين تعرضوا للاضطهاد الأسباني وحررت طرابلس الغرب وتونس والجزائر من الاحتلال وسيطرت بعض الوقت على الملاحة في البحر المتوسط ، كما ساندت ‘مارتن لوثر’ بوصف مذهبه أقرب إلى التوحيد الإسلامي من المذهب الكاثوليكي.
كتاب الأستاذ أنور الجندي كتاب قيم يستحق القراءة والتأمل.