الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا الله الا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمد رسول الله. أن الله تعالى شرع لعباده الأسباب الجالبة للرزق وبيَّنها لهم ، ووعد من تمسك بها وأحسن استخدامها بسعة الرزق ، وتكفَّل لمن أخذ بها بالنجاة مما يحذر، والرزق من حيث لا يحتسب.. ومن بعض هذه الأسباب ، السبب الأول: تقوى الله تعالى- جعل الله تعالى التقوى من الأسباب التي تجلب الرزق وتزيده، فقال:﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق:3،2] ،ولكن ما هي التقوى ..؟ قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: التقوى هي الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والقناعة بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل. … فالتقوى: هي جعل النفس في وقاية ، أي أن يجدك الله في مواضع الطاعة له ويفتقدك في كل مواضع المعصية له. السبب الثاني: الاستغفار والتوبة – ويقول تعالى إخباراً عن نوح عليه السلام أنه قال لقومه: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً ﴾ [نوح:10-12].يكون الاستغفار سبب للمتاع الحسن ، كما في قول الله تعالى: «وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ» [هود:من الآية 3] السبب الثالث: التوكل على الله تعالى- يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ” لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً ، وتروح بطاناً ” [رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني]. يقول ابن رجب رحمه الله: ” هذا الحديث أصل في التوكل ، وأنه من أعظم الأسباب التي يُستجلب بها الرزق.. ” والتوكل على الله تعالى لا يقتضي ترك الأخذ بالأسباب ، فإن الله تعالى أمر بتعاطي الأسباب مع أمره بالتوكل ، فالسعي في الأسباب بالجوارح طاعة له ، والتوكل بالقلب عليه إيمانٌ به. السببُ الرابع: صلة الرحم- عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: { مَنْ سَرَّه أن يبسط له في رزقه ، وأن ينسأ له في أثره؛ فليصل رحمه } [رواه البخاري]. الأرحام هم الأقارب، وهم من بينك وبينهم نسب ، سواء كنت ترثهم أم لا، وسواء كانوا ذا محرم أم لا. وصلتهم تكون بالمال و بزيارتهم والإهداء إليهم ، والسؤال عنهم ، وتفقد أحوالهم. السببُ الخامس: الإنفاق في سبيل الله – من الأسباب التي يُستجلب بها الرزق ومنها قوله تعالى: “قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ “[سبأ:39]، يقول ابن كثير رحمه الله: (أي مهما أنفقتم من شيء فيما أمركم به وأباحه لكم فهو يخلفه عليكم في الدنيا بالبدل ، وفي الآخرة بالجزاء والثواب) ومنها قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ * الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:267، 268]. السبب السادس: المتابعة بين الحج والعمرة – وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله (ص) قال: {تابعوا بين الحج والعمرة ، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد} [رواه النسائي وصححه الألباني]. المتابعة بين الحج والعمرة معناها: اجعلوا أحدهما تابعاً للآخر واقعاً على عقبه ، أي إذا حججتم فاعتمروا، وإذا اعتمرتم فحجوا، فإنهما متابعان.السبب السابع: التفرغ للعبادة – عن أبي هريرة عن النبي (ص) قال: { إن الله تعالى يقول: يا ابن آدم، تفرغ لعبادتي أملاً صدرك غنى ، وأسد فقرك ، وإن لا تفعل ملأت يدك شغلاً، ولم أسد فقرك}[رواه الترمذي]. ففي هذا الحديث وعد الله تعالى مَنْ تفرغ لعبادته بشيئين هما: ملء قلبه بالغنى ، ويديه بالرزق ، وتوعَّد من لم يتفرغ بعقوبتين هما: ملء قلبه فقراً ويديه شغلاً، ومن المعلوم أن من أغنى الله قلبه لا يقرب منه الفقر أبداً، ومن ملأ الرزَّاق يديه رزقاً لا يفلس أبداً. والتفرغ للعبادة ليس معناه ترك الكسب والانقطاع عن طلب الرزق والجلوس في المسجد ليلاً ونهاراً، وإنما المراد أن يكون العبد حاضر القلب والجسد أثناء العبادة ، خاشعاً خاضعاً لله ، مستحضراً عظمة خالقه ومولاه ، مستشعراً أنه يناجي مالك الأرض والسماء.السبب الثامن: شكر الله تعالى – فقد قال تعالى: “وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ “[إبراهيم:7]، فعلَّق سبحانه المزيد بالشكر، والمزيد منه لا نهاية له. وقال عمر بن عبدالعزيز: ( قيَّدوا نعم الله بشكر الله ، فالشكر قيد النعم وسبب المزيد) ، وهناك أسباب أخرى. فإذا أردت السعة في الرزق والرغد في العيش فاترك المعاصي والذنوب ؛ فإنها تمحق البركات وتتلف وتدمر الأرزاق. اللهم ارزقنا وأنت خَيْرُالرَّازِقِينَ وبارك لنا فيما أعطيت ، نستغفرك اللهم من جميع الذنوب والخطايا ونتوب اٍليك.، اللهم أصلح أحوال المسلمين وارزقنا قلوباً خاشعة وأعيناً دامعة وألسنتاً ذاكرة وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيِنِ، وَالحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِيِنَ اللهم آمين – وإلى اللقاء
إعداد أم تامر المصرى