You are currently viewing أين قلبـــك؟

أين قلبـــك؟

 

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا الله الا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمد رسول الله.  أن الله سبحانه وتعالى إنما خلق الخلق لعبادته ومحبته والإخلاص له ، فبذكره تطمئن قلوبهم وتسكن نفوسهم ، وبرؤيته في الآخرة تقـُّرعيونهم ، ويتم نعيمهم ، وإن الله عز وجل لم يخلق خلقه سدى ، ألزمهم فهم ما أرشدهم إليه مجملا ًومفصلا ً، وقسمهم إلى شقى وسعيد ، وجعل لكل واحد من الفريقين منزلاً وأعطاهم موارد العلم والعمل من القلب والسمع والبصر والجوارح نعمة منه وتفضيلاً. قال تعالى في سورة الإسراء آية 36 :” إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً “. فالعين مرآة القلب ، فإذا غض العبد بصره غض القلب شهوته وإرادته ، ولما كان القلب لهذه الأعضاء كالملك المتصرف بين الجنود الذي تصدر كلها عن أمره ويستعملها فيما شاء فكلها تحت تصرفه . قال النبى (ص) 🙁 ألا إن فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهى القلب) رواه البخاري ومسلم. وقد سمي القلب مقلباً ، لسرعة تقلبه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله (ص) قال: (إنما سمي القلب من تقلبه) . ولقد قال الله عز وجل فى سورة الحج آية 54-53 :” ليَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ، وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ” لقد قسم الله عزوجل القلوب فى هذه الآيات إلى ثلاثة قلوب ، قلبين مفتونين ، وقلباً ناجياً ، فالمفتونان : القلب الذي فيه مرض والقلب القاسى ، والناجي هو قلب المؤمن. – القلب الأول هو القلب المريض : القلب الذي فيه حياة وبه علة فله مادتان تمده هذه مرة وهذه مرة ففيه من محبة الله والإيمان به والإخلاص له والتوكل عليه ما يجعله مادة حياته ، وفيه من محبة الشهوات وإيثارها والحرص عليها ، والحسد والكبر وحب العلو والفساد فى الأرض ما هو مادة هلاكه وعطبه. فالعلامات التي تبين مرضه مثل الوقوع في المعاصى بسهولة والإصرار عليها ، وقسوة القلب فلا يتأثر بتلاوة القرآن ولا بحديث ، كذلك عدم إتقان العبادات والتكاسل عن أداء الطاعات.– القلب الثاني هو القلب السليم : الذي سلم من أن يكون لغير الله ، خلصت عبوديته لله إرادةً ومحبة وتوكلا وخشية ، فإن أحب أحب الله ، وأن أعطى أعطى الله ، قلب أبيض قد أشرق نور الإيمان فيه وأزهر فيه مصباحه. هذا القلب السليم نتيجة للمحافظة لأداء فرائض الإسلام وعدم تأخيرها عن أوقاتها ، ومن ثم النوافل التي قمنا بأدائها كما أمر الله ورسوله (ص) تنقى قلوبنا وتوصلنا إلى محبة الله. القلب الثالث هو القلب الميت: الذي لا حياة به فهو لا يعرف ربه ولا يعبده بأمره ، أن أحب.. أحب لهواه ، وإن كرة.. كرة لهواه. فإذن علينا أن نراجع موقف قلوبنا مع الله تبارك وتعالى . فالقلوب هي محط نظر الله تبارك وتعالى ، عن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبي (ص) قال : ( إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) رواه مسلم. أن العبد يوزن يوم القيامة بسلامة قلبه لا بسلامه جوارحه ، فحياة القلب من المحن ، فالقلب يستمد حياته من المحن ومن العواصف ، لذلك أناط الله تعالى البلاء بأوليائه حتى يلقوا الله بقلب سليم ، وأن الجارحة تستمد قوتها من القلب ، فأيوب عليه السلام ثماني عشرة عاماً فى البلاء حتى رفضه القريب والبعيد لكن قلبه كان سليماً فما ضره ما فاته من الجارحة ” إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ” سورة ص آية 44 .عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ:( يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ)َ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ، فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: ((نَعَمْ ، إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ)) رواه الترمذي. الله تعالى يقلب قلوب أعدائه بعدل ، والعدل صفة له ، فهو يقلب قلوبهم من حال إلى حال. قال الله عز وجل:”فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا” (البقرة:10) ، وقال جل جلاله:” فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُم” (الصف:5) فهوعزّوجلّ يفعل ذلك بالمنافقين والكافرين دون المؤمنين المخلصين ، وله أن يفعل ما يشاء إذ هو المالك لهم ، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون. يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد ، فعلى هذا يقلب قلوب أعدائه ويقلب قلوب أوليائه بفضله من حال إلى حال إرادة الخير لهم؛ ليهتدوا ويوفقوا ويزيدهم إيمانًا ، قال الله تعالى :{لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِم}(الفتح:4)، وتثبيتا لهم ، كما قال الله عز وجل “يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَاوَفِي الْآَخِرَة”(إبراهيم:27). فاللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك ولا تشغل قلوبنا  بما يشغلنا عنك وأحسن خاتمتنا جميعا ولا تمتنا إلا وأنت راض عنا. وإننا لنتوسل إلي الله عزوجل بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلنا ممن يقدمُ عليه سبحانه وتعالى ويلقاه بقلب سليم ، اللهم أدْخلنا الفردوس الأعْلى بغير حساب ولا سابقة عذاب ، اللهم أصلح أحوال المسلمين وارزقنا قلوباً خاشعة وأعيناً دامعة وألسنتاً ذاكرة وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيِنِ، وَالحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِيِنَ  اللهم آمين – وإلى اللقاء

إعداد أم تامرالمصرى

اترك تعليقاً