استطلاع رأي: 15% فقط من الشعب الإندونيسي يؤيدون السياسة الخارجية الأميركية (الأوروبية)
بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، بدأت مراكز البحوث الأميركية الاهتمام بدراسة الرأي العام في الدول الإسلامية، وتحذر من خطورة تجاهل صناع القرار في أميركا اتجاهات الجماهير في الشرق الأوسط، وأوضحت هذه المراكز أن صناع القرار الأميركيين يهتمون فقط بمعرفة آراء النخب الحاكمة التي تؤيد السياسات الأميركية.
وكان من أهم المؤسسات العلمية التي بدأت الاهتمام بدراسة الرأي العام في الدول الإسلامية معهد “غالوب” الدولي، وهو شركة تحليلات واستشارات تتخذ من واشنطن العاصمة مقرا لها. ومركز “بيو”، وهو مركز أبحاث أميركي غير حزبي؛ وقامت هذه المراكز باستطلاعات رأي في عدد من الدول.
فسر 85% من المسلمين رفضهم السياسة الأميركية بأنها لا تحترم العقيدة الإسلامية وقيمها ولا تتعامل مع المسلمين بشكل عادل
أميركا في عيون الجماهير الإسلامية
أوضحت الاستطلاعات المتتالية التي قامت بها تلك المراكز أن صورة الولايات المتحدة في أذهان الجماهير الإسلامية سلبية؛ ففي استطلاع أجراه مركز “بيو” عام 2002 عبّر 69% من المصريين، و75% من الأردنيين و59% من اللبنانيين و69% من الباكستانيين و55% من الأتراك عن معارضتهم بوضوح سياسات الولايات المتحدة الأميركية، كما أوضح الاستطلاع أن أغلب المسلمين يرون أن انتشار الأفكار والعادات الأميركية يشكل ضررا على مجتمعاتهم.
أميركا والمصالح الحقيقية للدول
حاول الباحثون في مراكز البحوث الأميركية تفسير انتشار ظاهرة العداء للولايات المتحدة عن طريق دراسة تأثير السياسة الخارجية الأميركية على اتجاهات الجماهير، فقاموا بترتيب العوامل التي أدت إلى زيادة معارضة الجماهير في الدول الإسلامية للسياسة الخارجية الأميركية على النحو التالي:
- تأييد أميركا المستمر لإسرائيل، وتجاهل حقوق الشعب الفلسطيني، وتوفير الأسلحة لجيش الاحتلال ليستخدمها في ارتكاب المذابح ضد الفلسطينيين.
- تجاهل الولايات المتحدة المصالح الحقيقية الدول الإسلامية.
- الشعور بأن أميركا تعمل على زيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء.
- الولايات المتحدة لا تقوم بعمل جاد لحل المشكلات العالمية.
تأثير العدوان الأميركي على العراق
بعد العدوان الأميركي على العراق تزايد العداء لأميركا في العالم الإسلامي، وانتشر هذا العداء خارج منطقة الشرق الأوسط، خاصة في إندونيسيا التي أوضح استطلاع تم إجراؤه فيها أن 15% فقط من الشعب الإندونيسي يؤيدون السياسة الخارجية الأميركية، مما يشير إلى تزايد المعارضة لأميركا.
استطلاع معهد غالوب
أوضح أيضا استطلاع أجراه معهد غالوب أن نسبة الذين يرفضون السياسة الخارجية الأميركية في العالم الإسلامي تتراوح بين 33 و70%.
وفسر 85% من المسلمين رفضهم السياسة الأميركية بأنها لا تحترم العقيدة والقيم الإسلامية، ولا تتعامل مع المسلمين بشكل عادل.
كما اتفقت النتائج التي توصلت لها مؤسسة “زغبي” مع نتائج استطلاعات بيو وغالوب، حيث أوضح استطلاع أجرته المؤسسة أن نسبة الرافضين للسياسة الأميركية في 7 دول إسلامية تتراوح بين 48 و87%.
الاستثمار في الدبلوماسية العامة
دفعت هذه النتائج الإدارة الأميركية إلى زيادة الأموال التي خصصتها لأنشطة الدبلوماسية العامة، كما أدارت مناقشات بين العلماء وصناع القرار حول تأثير أخبار التلفزيون على الرأي العام الإسلامي، وفي هذه المناقشات حاول الباحثون الأميركيون الإجابة عن سؤال: كيف يمكن التأثير على الجماهير في الدول الإسلامية عن طريق نشر القيم الأميركية، وتهيئة المناخ العام لتقبل السياسات الخارجية الأميركية؟
وفي ضوء ذلك، صممت أميركا خطتها الإستراتيجية للدبلوماسية العامة؛ فاعتمدت على أنشطة أكاديمية وثقافية متنوعة، وعلى نشر كثير من المواد في وسائل الإعلام بهدف التأثير على اتجاهات الجماهير، وغرس صورة إيجابية لأميركا في أذهانهم.
وقامت وزارة الخارجية بتنسيق هذه الأنشطة، وزيادة الإنفاق على وكالة الدبلوماسية العامة، والوكالة الأميركية للمعلومات، كما قامت بتعيين مسؤول عن الدبلوماسية العامة بدرجة وكيل وزارة، والتخطيط بشكل إستراتيجي طويل المدى للتأثير على الرأي العام الإسلامي.
رغم الاستثمار الأميركي في مجال الإعلام الموجه للجماهير في العالم الإسلامي بهدف التأثير على الرأي العام، فإن هناك أسئلة ما زالت تحتاج إلى إجابات عبر دراسات متعمقة، ومن أهمها: ما مدى نجاح الولايات المتحدة في تحسين صورتها في العالم الإسلامي، وزيادة قبول الجماهير الإسلامية سياستها الخارجية؟
وسائل الإعلام وتحسين الصورة
كان من أهم الأسس التي قامت عليها الإستراتيجية الأميركية استخدام وسائل الإعلام للوصول مباشرة للجماهير في الدول الإسلامية، حيث قامت بإنشاء محطات راديو وقنوات تلفزيون ومواقع على الإنترنت، وإنتاج كثير من الأفلام، وإصدار كثير من الكتب والمجلات، والتركيز على إنتاج مواد ثقافية وإعلامية موجهة للشباب، خاصة في مرحلة المراهقة.
كما تضمنت الخطة كثيرا من الأنشطة التي تستهدف التأثير على الصحفيين في الدول الإسلامية، ودفعهم لتبني وجهة النظر الأميركية والدفاع عن سياستها، والاعتماد على المصادر الأميركية في تغطية الأحداث.
وتضمنت الإستراتيجية الأميركية للتأثير على الجمهور في الدول الإسلامية إنشاء وسائل إعلامية جديدة، مثل راديو “سوا” وقناة “الحرة”. لكن رغم الاستثمار الأميركي في مجال الإعلام الموجه للجماهير في العالم الإسلامي بهدف التأثير على الرأي العام، فإن هناك أسئلة ما زالت تحتاج إلى إجابات عبر دراسات متعمقة، ومن أهمها: ما مدى نجاح الولايات المتحدة في تحسين صورتها في العالم الإسلامي، وزيادة قبول الجماهير الإسلامية سياستها الخارجية؟
الدبلوماسية الإعلامية
استخدمت الولايات المتحدة الدبلوماسية الإعلامية لتسويق سياستها الخارجية وبناء صورتها الذهنية في العالم الإسلامي، واستخدمت أساليب جديدة في إنتاج مضمون يؤثر على قطاعات مختلفة من الجمهور، واستهدفت الشباب والمراهقين بشكل خاص، كما أنها ربطت بين أنشطة الدبلوماسية العامة والدبلوماسية الإعلامية، لذلك ظهر مفهوم الدبلوماسية العامة القائمة على وسائل الإعلام، وفتح الربط بين ممارسة الدبلوماسية والإعلام مجالات جديدة لاستخدام أنشطة متنوعة للتأثير على الجماهير.
وهناك مؤشرات على أنها نجحت في التأثير على كثير من وسائل الإعلام في الدول الإسلامية لتبني السياسة الخارجية الأميركية، والتأثير على الصحفيين لتبني المنظور الأميركي في تغطية الأحداث.
الحاجة لدراسات جديدة
ما زالت حاجة أميركا تشتد لنوعية جديدة من الدراسات التفسيرية لزيادة الاتجاهات المعارضة للسياسة الأميركية وصورتها السلبية.
فهل نجحت الإستراتيجيات الأميركية في التأثير على الجماهير وكسب عقولهم وقلوبهم؟
هذه النوعية من الدراسات تحتاج إلى باحثين غير أميركيين؛ يتمتعون بقدر أكبر من الحرية والاستقلال لاكتشاف الرأي العام في الدول الإسلامية، وهذه الدراسات يجب أن تربط بين نتائج استطلاعات الرأي العام وتحليل مضمون المواد التي تقدمها أميركا عبر وسائل الإعلام.
العداء للقيم الإسلامية
إذا عدنا إلى استطلاع معهد غالوب، سنجد نتيجة مهمة؛ هي أن 85% من الجمهور يرون أن أميركا لا تحترم العقيدة والقيم الإسلامية، ولا تتعامل مع المسلمين بشكل عادل. هذه النتيجة كان يمكن أن تدفع أميركا لمراجعة سياساتها ومواقفها نحو العالم الإسلامي؛ فالتعامل باحترام مع الإسلام هو الطريق الوحيد لقلوب المسلمين، ويجب أن تتخلى الولايات المتحدة عن استكبارها وغرورها وتحيزها.
لكن لو حللنا مضمون المواد التي تقدمها القنوات التلفزيونية الأميركية -خاصة قناة الحرة- سنكتشف أن هذه القنوات ما زالت تتعامل باحتقار مع العقيدة والقيم الإسلامية؛ فقد قامت بتعيين مذيعين يقدمون برامج تهاجم الإسلام بشكل مستمر، كما أنها تشكل صورة أميركا بوصفها معادية للإسلام، ومن الطبيعي أن يثير ذلك مشاعر العداء ضد أميركا في الدول الإسلامية.
من المؤكد أن أميركا تنفق ببذخ على هذه القنوات، وتوفر لها الإمكانات التقنية التي تضمن لها النجاح؛ لكن ذلك لا يكفي، بل إنه يمكن أن يزيد مشاعر العداء ضد أميركا عند مشاهدة برامج تشكك في صحة السنة النبوية، وتسخر من العقيدة والقيم الإسلامية.
وهذا يثير سؤالا مهما: ما السمات التي تريد أميركا أن تبني بها صورتها في العالم الإسلامي؟ وهل تريد أن تقدم نفسها للجماهير الإسلامية على أنها معادية للإسلام، وأنها تطالب الجماهير بالتخلي عن سنة نبيهم؟
مستقبل الدبلوماسية الإعلامية
إن هذا يمكن أن يفتح لنا مجالا جديدا لتطوير الدبلوماسية الإعلامية، فهذه الدبلوماسية لا تعتمد فقط على وسائل إعلامية متقدمة، وعلى السيطرة على تدفق الأنباء، ولكنها تعتمد أيضا على نوعية المضمون الذي تقدمه هذه الوسائل، وإمكانية تقبل الجمهور له.
كما أن مراكز بحوث الرأي العام تحتاج إلى تطوير دراساتها وأساليبها في إجراء الاستطلاعات لاكتشاف الحقائق عن مدى تأثير البرامج والمواد الإعلامية والثقافية على الجمهور.
فالبرامج التي تقدمها القنوات الأميركية يمكن أن تزيد عداء الجمهور لأميركا، وتشكل لها صورة سلبية تقوم على أنها دولة معادية للإسلام؛ وبعد ذلك تشكو أميركا من أن صورتها أصبحت مشوهة، وأن العداء لأميركا يتزايد!
إن بناء الصورة الذهنية الإيجابية لا يقوم فقط على تقدم الوسائل الإعلامية، واستخدام أحدث التقنيات في إنتاج المضمون، لكنه يقوم أيضا على دراسات علمية لاحتياجات الجمهور واتجاهاته، وعلى التعامل مع الجمهور باحترام.
وربما تكتشف أميركا أن قناة الحرة أسهمت في تشويه صورتها، وفي زيادة حدة عداء الجماهير لها عندما سمحت لمذيع أن يهاجم السنة النبوية ويسخر من الرموز الإسلامية، ويحتقر الإسلام.