مباراة ويلز وأميركا تقام ضمن المجموعة الثانية لكأس العالم (الفرنسية)
“عندما أذهب إلى الحانة أو المقهى لمشاهدة مباراة رياضية لأحد فرقي المفضلة، أتوقع أن أعود لمنزلي سعيدا عند فوز فريقي، أو حزينا لخسارته، لا أفهم ما يعنيه التعادل؛ هل أفقد الإحساس والتفاعل؟ في مباريات السلة أو البيسبول أو الفوتبول لا نعرف التعادل، دائما هناك فائز وخاسر، وهو ما يجعلني أتساءل: لماذا لا تتغير قواعد السوكر لتصبح أكثر إثارة وأكثر أهدافا”، كانت تلك كلمات صديق أميركي في تبريره لعدم ارتفاع نسب شعبية كرة القدم بين الأميركيين كما هو الحال في بقية دول العالم!
يرتبط عدم ارتفاع نسب شعبية كرة القدم بأسباب ثقافية ومجتمعية أميركية بالأساس بما يمكن أن نطلق عليه استثناء أميركيا، في الوقت الذي تعد فيه كرة القدم اللعبة الأكثر شعبية على الإطلاق في أغلب دول العالم في مختلف قاراته وأقاليمه.
يحتل المنتخب الوطني الأميركي لكرة القدم المركز الـ16 في ترتيب الفيفا، وقد تأهل الفريق للدور الثاني في بطولة كأس العالم الجارية بقطر، ويتوقع له أن يبلي بلاء حسن فيما هو قادم.
ورغم ذلك، لا تتمتع كرة القدم بشعبية مماثلة للشعبية التي تعرفها لعبة الفوتبول (كرة القدم الأميركية)، أو البيسبول، أو كرة السلة.
ووجد استطلاع للرأي أجرته مؤسسة “مورنينغ كونسلت” أن ثلث الأميركيين يعدّون أنفسهم من مشجعي كرة القدم، إلا أن هذه النسبة ترتفع كثيرا لما يقترب من الثلثين بين الأميركيين من ذوي الأصول اللاتينية.
يرتبط عدم ارتفاع نسب شعبية كرة القدم بأسباب ثقافية ومجتمعية أميركية بالأساس بما يمكن أن نطلق عليه استثناء أميركيا، في الوقت الذي تعد فيه كرة القدم اللعبة الأكثر شعبية على الإطلاق في أغلب دول العالم في مختلف قاراته وأقاليمه.
وبداية لا يطلق الأميركيون على “كرة القدم” كرة القدم (Football) كما تسمى في سائر أنحاء العالم، بل هي “سوكر” (Soccer).
لدى الأميركيين هوس بأن يكونوا على القمة، حيث تعتقد الأغلبية العظمى منهم أن بلدهم هو الدولة التي قاتلت طوال حياتها لتكون القوة العظمى ذات الرقم واحد في العالم، والتي هي الآن. وتؤمن المدرسة الفكرية الأميركية بأن “أميركا” الفكرة و”الحدوتة” عظيمة بطبيعتها.
يرى أغلب الأميركيين أنهم قاتلوا في الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية للحصول على هيمنة عالمية كاملة، والنقطة المهمة هنا أن الثقافة الأميركية تريد دائما السيطرة على كل شيء، والتأكد من أنها على قمة الهرم.
مع الرياضة، لا يختلف الأمر كثيرا، فالرياضات الثلاث الأكثر شعبية في الولايات المتحدة هي الفوتبول والبيسبول وكرة السلة، وتعد أميركا الأفضل عالميا في كل منها. شاركت الولايات المتحدة في 18 دورة ألعاب أولمبية فازت فيها 15 مرة بميدالية ذهبية في كرة السلة، أما الرياضتان الأخريان فلا يعرفهما العالم جيدا، وربما يقتصر الاهتمام بهما على الأميركيين.
هكذا تدفع الثقافة الأميركية دائما أن تكون الأفضل في كل شيء، ولأنهم لا يستطيعون أن يكونوا الأفضل في كرة القدم فمن المحتمل أن يكون هذا سببا وجيها لانخفاض شعبية هذه الرياضة.
شيء آخر قد يبدو هامشيا يتضح من حجم وأوزان لاعبي الرياضات الأكثر شعبية، ولا يفهم الكثير عدم وجود محددات جسمانية فوق المحددات المعتادة تحدد وتسهم في كفاءة اللاعب. هناك لاعبون ممتازون من قصيري القامة مثل الأرجنتيني ليونيل ميسي، وهناك طوال القامة مثل البولندي روبرت ليفاندوفسكي. ويتمتع لاعبو كرة السلة والفوتبول والبيسبول بأجسام تقترب من العمالقة بالنسبة للبشر العاديين.
ADVERTISING
سبب آخر لعدم شعبية كرة القدم في الولايات المتحدة هو عمق جشع الرأسمالية الأميركية، وتحكّمها الكبير في الرياضة بصورة مختلفة. تريد الشركات الظفر بأكبر قدر ممكن من المال من وراء الرياضة وممارستها ومشاهدتها، وتتحكم الإعلانات والرعاية المادية في الفعاليات الرياضية بصورة كبيرة، ويعد مصدر الدخل الرئيس عند بث الأحداث الرياضية هو الإعلانات.
هذا يعني أنهم يفضلون الرياضات الأكثر ملاءمة لبث الإعلانات، وليس من قبيل المصادفة أن هذه الرياضات هي البيسبول والفوتبول وكرة السلة. وتسمح قوانين هذه الرياضات بتوقفها لفترات تتيح عرض مئات الفواصل الإعلانية أثناء بث هذه المباريات.
على النقيض، فإن كرة القدم ليس لديها إلا فترة استراحة واحدة في نصف المباراة فقط بين الشوطين، وهذا يجعل الرياضة غير مناسبة للإعلانات الضخمة، مما يعني أن شبكات التلفزيون الكبيرة لن تعطيها الأولوية عند تحديد اختيارات البث.
لا يرحب كثير من الأميركيين بفكرة مشاهدة مباراة كرة قدم كاملة لينتهي بها الأمر بالتعادل السلبي. يجب أن يكون هناك فائز، وإن لم يكن كذلك فإن مشاهدة اللعبة لا تستحق كل هذا العناء وخسارة وقتك، يقولون إنه يبدو كأن كلا الفريقين خسر.
ومن أهم العناصر الثقافية المؤثرة في شعبية كرة القدم بين الأميركيين هو نظرة كثيرين إليها على أنها رياضة نسائية. فأميركا هي إحدى القوى الكبرى في كرة القدم النسائية، وفازت بكأس العالم 3 مرات، ووصلت إلى المباراة النهائية كثيرا، وقد أسهم ذلك في جعل كرة القدم واحدة من الرياضات المفضلة لدى النساء الأميركيات للعب في البلاد.
ألعب الكرة مع أصدقاء أميركيين على مدار العقدين الماضيين، لذا أؤكد من تجربة شخصية مستمرة حتى اليوم أن هناك تزايدا في الاهتمام بكرة القدم بما يمكن معه أن تتضاعف شعبيتها والقبول الاجتماعي والثقافي بها.
ومن حسن الحظ أن الثقافة الأميركية تتغير باستمرار وبلا توقف، ومن حسن الحظ أيضا ضخامة أعداد المهاجرين إلى الولايات المتحدة من دول أميركا الجنوبية العاشقة لكرة القدم ومن بقية دول العالم، وشاهدنا جميعا اللاعب تيموثي وياه، نجل الدولي السابق جورج وياه رئيس ليبيريا الحالي، يسجل أول أهداف أميركا في هذا المونديال. وأتصور أن أولاد مهاجري اليوم سيعطون كرة القدم حقها من الاهتمام والإجادة، بخاصة مع توافر الإمكانات المادية والمساعدة من ملاعب وأدوات وتدريب ولياقة، مما يسمح لنا بتوقع مشاهدة المنتخب الأميركي في الأدوار النهائية لكأس العالم القادمة، وستكون البداية مع بطولة كأس العالم 2026، التي ستنظمها أميركا بالمشاركة مع كندا والمكسيك.
كاتب ومحلل سياسي مقيم بواشنطن ومتخصص في الشؤون الأميركية