الحرة / خاص – واشنطن
مركز جوزلين للسكري من أقدم المؤسسات الطبية | Source: Joslin Diabetes Center
في مركز جوزلين للسكري بالولايات المتحدة، يسعى الدكتور أسامة حمدي، أستاذ الأمراض الباطنة والسكر بجامعة هارفارد، بالتعاون مع فريق من الأطباء بالمركز وعدد كبير من المبرمجين من عدة شركات كبرى مثل PWC وميكروسوفت إلى إنشاء نموذج يعتمد على تقنية الذكاء الاصطناعي للمساعدة في تشخيص وعلاج مرض السكر بدقة شديدة.
والمشروع، الذي يعمل عليه الدكتور حمدي وزملاؤه، يسعى من خلاله إلى استغلال “كم ضخم من المعلومات بما فيها التحليل الجيني وتقنيات حديثة أخرى لإنشاء نموذج من الذكاء الاصطناعي يستغل هذه المعلومات لتوفير حياة صحية أفضل لمريض السكري، وهو المرض الذي يعاني منه الملايين حول العالم، وتوفير “الملايين من الأموال المهدرة”.
وقال الطبيب والباحث الأميركي والمصري الأصل الذي يعمل لدى “مركز أبحاث ورعاية مرضى السكري الرائد في العالم” إن فكرة الذكاء الاصطناعي تدور حول كيفية الاستفادة من هذه المعلومات الضخمة عن المرض، وبالتالي توقع مسار المرض بناء على معرفة مسار الآلاف من الحالات المماثلة، وفق تصريحاته لموقع الحرة.
والدكتور حمدي، هو مدير الشؤون الطبية الدولية والمدير الطبي لبرنامج السمنة في مرضى السكري في مركز جوزلين للسكر، في مدينة بوسطن، ولديه مؤلفات تدور حول العلاقة بين أنماط الحياة ومرضى السكري.
ومركز جوزلين من أقدم المراكز الصحية في العالم ويعود تاريخه إلى عام 1893، وهو حاليا جزء من مراكز أكاديمية ومستشفيات تعليمية ومتخصصة تتبع جامعة هارفارد وتضم أكثر من 4000 طبيب و35 ألف موظف، وفق الموقع الإلكتروني للمركز.
وكتب الدكتور حمدي في حسابه على فيسبوك الذي يتابعه نحو 86 ألف شخص أنه العمل في هذا المشروع يأتي ثمرة للتعاون بين مركز جوزلين للسكر وشركة PWC الاستشارية والتي تعاقدت مع شركات عدة من بينها “مايكروسوفت” لإتمام هذا المشروع الواعد، وأن هذا المشروع على حد قوله “واحد من أهم المشروعات العلمية والإلكترونية في حياتي”.
ويوضح في تصريحاته لموقع الحرة أن المشروع يتعلق بإنشاء نموذج يسمى “Digital Twin” التوأم الإلكتروني)، وهو طبيب إلكتروني لديه خبرة ضخمة، يعمل بمثابة مساعد للطبيب العادي، يعطيه المعلومات والأفكار والنصائح.
ويقول، في منشوره على فيسبوك، إن المشروع هو “ابتكار طبيب كامل بالذكاء الاصطناعي، خبرته تفوق أى متخصص في هذا المجال، فهو يشخص مرض السكر بدقة شديدة، ويتوقع المضاعفات بامتياز، ويحدد زمن حدوثها، ويصف العلاج المناسب، وخطة المتابعة بالكامل، ويمد المريض بكل المعلومات المهمة عن أسلوب العلاج المؤثر، والتغذية السليمة، وفقًا لأحدث أساليب العلاج”.
الطبيب الإلكتروني يجمع آلاف المعلومات عن الشخص “بما فيها التحليل الجيني الكامل، والتحاليل المختبرية، والسجلات الطبية، ومعلومات المريض الكاملة، بما يفوق قدرة المخ البشري على الاستيعاب، ويربط الأمراض المختلفة بعضها ببعض، ويفسر العلاقة بينها من خلال فك رموز شبكة معقدة جدا للأمراض، ويربطها بالأدوية المعالجة وتأثيرها، والخبرات السابقة في علاج الحالات المماثلة لمئات الآلاف من المرضى”.
ويوضح في منشوره أنه في الأسبوع الماضي تم “عرض الجزء الأول للمشروع على المختصين في هذا المجال وأساتذة الكليات الطبية بالمملكة العربية السعودية ولفيف من المهتمين بالتقدم التكنولوجي والرقمي، وتجربته هلى أول مريض تخيلي، شخّصه البرنامج بنوع نادر من السكر مرتبط بحويصلات داخل الكلى نتيجة لخلل في جين HNF 1B، وكان المريض من قبل التجربة يعالج بالإنسولين على أنه مريض بالنوع الأول للسكري، في حين أنه نوع آخر نادر من مرض السكري نتيجة لخلل جيني”.
والعمل لايزال في بداياته ويحتاج إلى شوط طويل للوصول إلى الهدف النهائي، وفق تصريحاته لموقع الحرة، لأنه يتعين العمل على إدماج كم ضخم من المعلومات في هذا النموذج وهو ما يتم العمل عليه في الوقت الحالي.
ويشير إلى أن المعلومات تأتي من عدة مصادر مثل “التحليل الجيني للشخص، أو المعلومات التي يعطيها المريض، والتحاليل والفحوصات، والتي يتم تجميعها معا”.
وعن شكل الخدمة، يوضح أنه سيكون عبارة عن برنامج مخصص للطبيب، أما المريض سيكون لديه تطبيق آخر لإدخال المعلومات التي يزود الطبيب بها لمساعدته في وصف الحالة وعلاجها.
ويشرح الطبيب، الذي يعمل مع خبراء لإنشاء الطبيب الإلكتروني، أنه باستخدام هذا الطبيب، ربما قد لا يحتاج المريض مستقبلًا إلى الذهاب إلى طبيب متخصص في الغدد الصماء، بل سيكتفي فقط بالطبيب العام الذي يستعين بالمساعد الإلكتروني في التشخيص ووضع خطة العلاج.
وسيعالج الطبيب الإكتروني مشكلة النقص العددي في متخصصيي الغدد الصماء، فنسبة الاستشاريين في مجال السكري في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، هي واحد لكل 57 ألف مريض، ويشير إلى أن النسبة ربما أسوأ في المنطقة العربية.
وفي الولايات المتحدة، يوجد نحو 34 مليون مريض، في حين لا يوجد سوى ستة آلاف طبيب متخصص في الغدد الصماء، وحتى في المستشفيات هناك طبيب واحد للغدد الصماء والسكري لكل أربع مستشفيات.
الدكتور أسامة حمدي يعمل مع خبراء لإنشاء الطبيب الإلكتروني
وكتب الدكتور حمدي في المنشور: “إن نسبة أطباء الغدد الصماء لمرضى السكر في الولايات المتحدة 1:57,000، فكيف يمكننا في المستقبل علاج هذا العدد الضخم بنفس خبرة الاستشاريين في هذا المجال؟ وكيف ننقل خبرة عشرات السنين إلى طبيب الرعاية الأولية؟ وداعا للطبيب المحدود الخبرة، فإن برفقته في المستقبل القريب طبيبا إلكترونيا خبيرًا ينصحه، ويوجهه، ويعلمه، ويشخص له، ويتابع معه”.
وعما إذا كانت الفكرة تشبه برنامج “تشات جي بي تي” الذي أثارت ضجة الفترة الماضية، قال إن “تشات جي بي تي” يعتمد على فكرة إجراء محادثة، أما الطبيب الإلكتروني فهو يشخص ويربط الأمراض ببعضها ويوجه المريض لأخذ الأدوية المناسبة، ويبحث عن علاقة المرض بالأمراض الاخري وتفاعل الادوية مع بعضها البعض.
ويتوقع خروج المشروع إلى النور، بحلول العام المقبل، فمصادر المعلومات متوفرة للانتهاء من المشروع بأسرع وقت ممكن، ويقول في هذا الصدد: “لدينا فقط في جوزلين 24 ألف مريض على مدار 30 عاما، هذه معلومات ضخمة”. وقد يستعين الفريق أيضا بمعلومات أخرى من خارج المركز.
لكن الأمر لا يقف عند حد إيجاد المعلومات، فهي ستدخل بعد ذلك عدة مراحل من “الفلترة” للحصول على معلومات تكون مفيدة.
وعن توقعاته لمستقبل المرض، يقول إنه بالإمكان القضاء على مرض السكري من النوع الثاني نهائيا “من خلال التدخل المبكر، بالتغذية السليمة وخفض الوزن وممارسة الرياضة، وفي هذه الحالة لن يحتاج الشخص إلى علاج وربما يدخل المرض في حالة الخمود Remission.
ويشير إلى برنامج يديره المركز يسمى Diabetes Remission Outcome Program أو اختصارا DROP Program وهو برنامج يساعد في إيصال المرضى إلى مرحلة خمود المرض Remission دون الحاجة للأدوية.
وعن مستقبل مرضى السكري من النوع الأول، يشير إلى هناك أبحاث رائدة في مجال زرع خلايا البنكرياس المخلقة من الخلايا العادية للجسم، وهو ربما سيشفي هذه النوعية من المرض. وتوقع أن يتم الانتهاء من الأبحاث، بحلول عام 2028، مشيرا إلى أنه خلال الأبحاث الحالية، “تم بالفعل زرع خلايا بنكرياس بهذه الطريقة وهناك حالتان في نطاق الابحاث شفيتا تماما”.
وعما إذا كان بالإمكان إيجاد لقاح للسكري على غرار الأبحاث الحالية لإيجاد لقاح للسرطان، قال: “توجد أبحاث جيدة في هذا المجال لأن مرض السكر من النوع الأول هو من أمراض المناعة ومن الممكن اكتشاف لقاح له يمنع الجسم من مهاجمة خلايا البنكرياس وتدميرها”.
ويشير الطبيب في حسابه على فيسبوك إلى أن”المشروع، الذي قد تصل تكلفته إلى عشرات الملايين من الدولارات، تموله مدينة نيوم المستقبلية في السعودية “ومن المتوقع أن يوفر البرنامج مئات الملايين المهدرة في علاج هذا المرض ومضاعفاته.
ومركز جوزلين للسكري لديه تاريخ طويل في تقديم الاستشارات للمراكز الصحية في دول حول العالم، ومن بينها السعودية.
وتعاون المركز في السابق مع المملكة في برامج لتدريب الاستشاريين في علاج مرض السكري.