الرفض للمشاركة الإسرائيلية في بطولة دولية لكرة القدم لم يأت من الشارع فقط بل من المعارضة والعلماء وأيضا أعضاء بالحزب الحاكم (أسوشيتد برس)
جاكرتا- رغم أنه حدث رياضي، فإن أبعاده السياسية آخذة في التفاعل، فبعد إلغاء الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) قرعة كأس العالم لسن تحت العشرين؛ تشهد إندونيسيا جدلا واسعا بشأن ما يهدد مستقبل كرة القدم، وأن تصبح البلاد منبوذة على ساحة الرياضة دوليا، في مقابل الحفاظ على الموقف الثابت من القضية الفلسطينية، فضلا عن استقرار الشارع الرافض لمشاركة الفريق الإسرائيلي في البطولة.
وقال مسؤول في الاتحاد الإندونيسي لكرة القدم في مؤتمر صحفي -أمس الأحد- إن الفيفا ألغى القرعة التي كانت مجدولة الجمعة المقبل 31 مارس/آذار في جزيرة بالي، وهي القرعة الخاصة بالبطولة التي يفترض تنظيمها في 6 أقاليم إندونيسية بعد نحو شهرين، وتستضيفها إندونيسيا لأول مرة.
وقال عضو المجلس التنفيذي في الاتحاد الإندونيسي لكرة القدم أريا سينولينغا، إن سبب الإلغاء هو عدم مشاركة الجانب الإسرائيلي في القرعة، بينما تفرض لائحة الفيفا تمثيل جميع الفرق المتأهلة، موضحا أنه ليس هناك قرار نهائي بشأن موعد جديد أو مكان آخر لإجراء القرعة.
تعاطف شعبي واسع من الشعب الإندونيسي مع القضية الفلسطينية (الأناضول)
وأكد أن اتصالات تجري مع الرئاسة ووزارتي الخارجية والرياضة “لإنقاذ كرة القدم الإندونيسية”، لكنه لا يبدو متفائلا بشأن مقترح لعب الفريق الإسرائيلي مبارياته في سنغافورة.
ورغم إدراكه لصعوبة الفصل بين الرياضة والسياسة، أكد سينولينغا سعي الاتحاد لمواجهة هذا الموقف حتى لا تتعرض إندونيسيا لأي عقوبات وألا تصبح “منبوذة” على الساحة الرياضية الدولية، مشيرا إلى عدم وضوح مصير هذه المنافسة الدولية حتى الساعة.
من جهته، يجري القائم بأعمال وزير الشباب والرياضة مهاجر أفندي اتصالات مع كل الأطراف المعنية للوصول إلى أفضل حل للأزمة التي اصطبغت بلون السياسة الدولية، وهو ما يواجه أيضا إيريك طاهر وزير الشركات الحكومية الذي انتخب الشهر الماضي لرئاسة الاتحاد الإندونيسي لكرة القدم، وقد أكد أن بلاده تضمن أمن وسلامة أي فريق يصل إلى أراضي إندونيسيا، ولا يؤيد الربط بين الرياضة والسياسة.
وقبل ذلك كان الوزير المنسق للشؤون الأمنية والسياسية والقانونية، قد أكد كذلك بأن كل تفاصيل الإعداد لاستضافة المنافسة قد تمت سياسيا ودبلوماسيا وأمنيا.
احتجاجات الشارع الإندونيسي على المشاركة الإسرائيلية أدت إلى إلغاء قرعة بطولة كأس العالم تحت 20 سنة (أسوشيتد برس)
بالي والحزب الحاكم
المثير أن هذه التطورات تصاعدت بسبب جزيرة بالي المعروفة بالانفتاح السياحي وذات الأغلبية الهندوسية، والتي ربما من أجل ذلك اختارتها الحكومة لإقامة القرعة ومكان مشاركة الفريق الإسرائيلي.
وقبل أيام أرسل حاكم جزيرة بالي وايان كوستير خطابا إلى وزير الشباب والرياضة يرفض فيها مشاركة الفريق الإسرائيلي، معللا رفضه باختلاف السياسات الدولية والإقليمية بين البلدين، ولعدم وجود علاقات دبلوماسية بينهما، وتقديرا لعلاقات إندونيسيا مع الدول الأخرى.
اللافت أيضا أن الرفض جاء من سياسيين في الحزب الحاكم، حزب النضال من أجل الديمقراطية، فإلى جانب حاكم بالي الذي هو من ساسة الحزب، جاء الرفض أيضا على لسان رئيس الشؤون الدينية في الحزب حكمة حق، كما كان ذلك موقف حاكم إقليم جاوا الوسطى غانجار برانوو، وامتد الموقف إلى حزب التنمية المتحد أحد أحزاب التحالف الحاكم.
لكن أول المتحدثين عن هذا الأمر كان نائب رئيس مجلس الشعب الاستشاري هدايت نور واحد، حيث دعا وزير الرياضة إلى رفض حضور الفريق الإسرائيلي، مذكّرا برفض الرئيس الأسبق سوكارنو لعب بلاده ضد إسرائيل في تصفيات كأس العالم عام 1958، كما لم يوافق على مشاركة إسرائيل في دورة الألعاب الآسيوية عام 1962 في جاكرتا.
حظر التطبيع مع إسرائيل
وقال واحد إن على الفيفا أن تدرك أن موقف إندونيسيا غير محايد تجاه إسرائيل، والذي ظل ثابتا لأنه ينبع من دستورها، منوها إلى قرار صادر عن وزارة الخارجية عام 2019 ينص على أنه “حتى هذه الساعة ليست لإندونيسيا علاقات دبلوماسية مع إسرائيل وتعارض احتلال إسرائيل لأرض وشعب فلسطين، ولهذا السبب فإندونيسيا ترفض كل أشكال العلاقة مع إسرائيل”.
ويشرح القرار الوزاري -الذي اطلعت الجزيرة نت على نسخة منه- عددا من الخطوات التي تستدعي الالتزام بها ومن أبرزها: لا يستقبل أي وفد إسرائيلي بشكل أو في مكان رسمي، ولا يسمح برفع علم إسرائيل أو شعارها، ولا يؤدى نشيدها الوطني في الأراضي الإندونيسية.
الاحتجاجات على المشاركة الإسرائيلية بدأت من قوى شعبية بمدينة سولو وسط جزيرة جاوا الإندونيسية (الأناضول)
الشارع والمعارضة والعلماء
شهدت جاكرتا خلال الأسبوعين الماضيين احتجاجات رافضة لحضور الفريق الإسرائيلي، وهدد حراك “الثاني من ديسمبر” المعارض أنه سيمنع دخول الفريق الإسرائيلي من المطار، وكانت أولى الاحتجاجات قد نظمت من قبل قوى شعبية وطلابية في مدينة سولو وسط جزيرة جاوا الإندونيسية.
وتوسعت دائرة الرفض لتشمل أحزابا من أطياف مختلفة، حيث جاء الرفض ابتداء من حزب العدالة والرفاه المعارض، الذي أكد أن موقفه ليس دينيا، لكنه متعلق بالاحتلال والجانب الإنساني، وبأن إندونيسيا لا تعترف رسميا بوجود إسرائيل.
كما بعثت كتلة حزب العدالة والرفاه بخطاب إلى حاكم إقليم جاوا الغربية رضوان كامل، طالبت فيه بتبني قرار رفض لحضور الفريق الإسرائيلي.
وانتقل الرفض أيضا إلى جمعية المحمدية كبرى مؤسسات المجتمع المدني في البلاد، التي أشادت بوعي الإندونيسيين ودعت الحكومة إلى عدم التقليل من شأن هذا الأمر على أنه رياضي فقط، فيما أكد رئيس المحمدية حيدر ناصر ضرورة الحفاظ على الانسجام بين كل المجالات، بما في ذلك كرة القدم وسياسات الدولة.
الموقف ذاته جاء على لسان محيي الدين جنيدي نائب رئيس المجلس الاستشاري لمجلس العلماء الإندونيسي، وكذلك مسؤول العلاقات الخارجية في المجلس سودارنوتو عبد الحكيم الذي اعتبر استضافة فريق إسرائيلي أمرا حساسا بالنسبة للشعب الإندونيسي الذي يدرك حقيقة الاحتلال الإسرائيلي.
المصدر : الجزيرة