نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لم يكن نبياً ورسولاً لفئة من الناس، بل كان رسولاً للناس كافة، قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً}(سـبأ:28). قال ابن كثير: “أي: إلى جميع الخلق من المُكَلَّفِين”. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه: (يا أيها الناس: إنما أنا رحمة مُهداة).
ومن رحمته صلى الله عليه وسلم بالناس حرصه الشديد على هدايتهم إلى الله عز وجل، ومن ثم كان يحزن أشد الحزن على من يأبى الدخول في الإسلام، ولذا قال الله تعالى له: {فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً}(الكهف:6)، قال السعدي في تفسيره: “لما كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصاً على هداية الخَلق، ساعياً في ذلك أعظم السعي، فكان صلى الله عليه وسلم يفرح ويُسَر بهداية المهتدين، ويحزن ويأسف على المكاذبين الضالين، شفقة منه صلى الله عليه وسلم ورحمة بهم، فأرشده الله ألا يُشْغِل نفسه بالأسف على هؤلاء الذين لا يؤمنون بهذا القرآن، كما قال في الآية الآخرى: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}(الشُّعَرَاءِ:3)، وقال: {فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ}(فَاطِرٍ:8)”. وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنه: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرص أن يؤمن جميع الناس ويتابعوه على الهدى”.
والسيرة النبوية زاخرة بالأمثلة الدالة على مدى حرص النبي صلى الله عليه وسلم على هداية الناس جميعاً إلى الله، وتبليغهم دعوة ورسالة ربه عز وجل، ومن ذلك:
دعوته لقومه وعشيرته : صعد النبي صلى الله عليه وسلم على جبل الصفا لدعوة قومه إلى الله تعالى، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهم قال: لما نزلت: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}(الشعراء: 214) صعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا، فجعل ينادي: يا بني فهر، يا بني عدي، لبطون قريش، حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج، أرسل رسولا لينظر ما هو فجاء أبو لهب وقريش. فقال صلى الله عليه وسلم: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي، تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟ قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقاً، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فقال أبو لهب: تبا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟! فنزلت: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ}(المسد: 1: 2)) رواه البخاري.
دعوة القبائل : لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يترك فرصة من الفرص أو مجال من المجالات إلا واستغلها في تبليغ دعوته للقبائل، فكان يعرض نفسه على القبائل في مواسم التجارة والحج, يشرح لهم الإسلام، ويطلب منهم الإيواء والنصرة، حتى يبلغ كلام الله عز وجل، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين يتبع الناس في منازلهم بعكاظ ومجنة وفي المواسم بمنى يقول: من يؤويني؟ من ينصرني حتى أبلغ رسالة ربي وله الجنة؟) رواه أحمد. وعن ربيعة بن عباد الديلي رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف على الناس بمنى في منازلهم، قبل أن يهاجر إلى المدينة يقول:يا أيها الناس إن الله عز وجل يأمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، قال: ووراءه رجل يقول: هذا يأمركم أن تدعوا دين آبائكم، فسألت من هذا الرجل، فقيل: هذا أبو لهب) رواه أحمد.
قال ابن هشام في السيرة النبوية: “ولمَّا أراد الله عزَّ وجلَّ إظهارَ دينه، وإعزاز نبيِّه صلى الله عليه وسلم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على القبائل كعادته، فالتقى برهطٍ من الخزرج أراد الله بهم خيراً، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: من أنتم؟ قالوا: نفر من الخزرج، قال: أمن مَوالي يهود؟ قالوا: نعم، قال: أفلا تَجلسون أُكلِّمكم؟ قالوا: بلى، فجلسوا معه، فدعاهم إلى الله عزَّ وجلَّ وعرض عليهم الإسلام .. قال بعضُهم لبعض: يا قوم، تَعْلمون والله إنه لَلنبيُّ الذي توعَّدَكم به يهود، فلا يَسبِقُنَّكم إليه، فأجابوه فيما دعاهم إليه بأنْ صدَّقوه وقَبِلوا منه ما عرض عليهم من الإسلام”.
دعوة الملوك والأمراء: قام النبي صلى الله عليه وسلم بإرسال عدد من الرسائل إلى ملوك وأمراء العالم المعاصرين له خارج الجزيرة العربية يدعوهم فيها إلى الإسلام، وقد كان بعضهم يجهل الإسلام مثل كسرى ملك الفرس، وبعضهم ينتظره مثل قيصر ملك الروم، كما أرسل كتابا إلى المقوقس ملك مصر، والمنذر بن ساوى ملك البحرين، وجَيْفر وعبد ابني الجُلُنْدَي صاحبي عمان، وكانت هذه الرسائل تحمل وتبين مدى حرص النبي صلى الله عليه وسلم الشديد على هداية وإسلام هؤلاء الملوك والأمراء، فعن أنس رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى وقيصر وإلى النجاشي ـ وهو غير الذي صلّى عليه ـ وإلى كل جبّار يدعوهم إلى الله عز وجل) رواه مسلم.
حرص النبي صلى الله عليه وسلم على حصول الهداية الكافرين وأولادهم : عن أنس رضي الله عنه قال: (كان غلام يهودي يخدم النبيَّ صلى الله عليه وسلم فمرض، فأتاه يعوده، فقعد عند رأسه فقال له: أسلم، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال: أطع أبا القاسم، فأسلم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه من النار) رواه البخاري.
وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله، هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ فقال صلى الله عليه وسلم: لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كُلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب (ميقات أهل نجد)، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني، فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، ولقد أرسل إليك ملَك الجبال لتأمره بما شئت، فناداني ملك الجبال وسلم عليَّ، ثم قال: يا محمد، إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملَك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فيما شئت؟ إن شئتَ أن أُطبق عليهم الأخشبين (الجبلين)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً) رواه البخاري. وفي هذا الموقف النبوي: الرحمة بالمدعو والشفقة عليه ـ وإن كافراً أو عاصياً ـ، والحرص على هدايته وهداية ذريته، وقد ظهر هذا المعنى جليّاً حين قال الطفيل رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله، إن دوْسا (قبيلة الطفيل) قد عصت وأبت فادع الله عليهم)، فدعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالهداية وقال: (اللهمَّ! اهدِ دَوْساً وائتِ بهم) رواه مسلم. قال القاري: “(اللهم اهد دوسا وائت بهم) أي: إلى المدينة مهاجرين، أو قرِّبْهم إلى طريق المسلمين، وأقبل بقلوبهم إلى قبول الدين”. وهذا يدل على مدى رحمته وشفقته صلوات الله وسلامه عليه حتى مع الكافرين وحرصه على هدايتهم، قال الكرماني: “ودعا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهداية في مقابلة العصيان، والإتيان بهم في مقابلة الإباء (الامتناع عن الإسلام)”. وهذا من رحمته وكمال خُلُقه العظيم، وحرصه على هداية الناس أجمعين.
لقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم المثل والقدوة في حرصه الشديد على هداية الناس جميعاً، فدعا قومه والقبائل الأخرى، والملوك والأمراء، بل دعا الناس جميعا إلى الإسلام، وكان يدعو في المسجد والطريق، وفي أسواق العرب ومواسم الحج، وفي الحضر والسفر، والصحة والمرض، وعندما يزور أو يُزار، وكان يوجه دعوته إلى من أحبوه ووالوه، وإلى من أبغضوه وعادوه، وذلك كله حرصاً منه صلى الله عليه وسلم على دعوة الناس وهدايتهم إلى الله، ولذا قال الله تعالى عنه وعن رسالته وبعثته: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}(الأنبياء:107).
في رَوْضَة مَحَبَة النبي صلى الله عليه وسلم
نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم، وخاتم النبيين وأفضلهم، خصَّه الله تعالى بخصال وخصائص كثيرة، انفرد بها عن بقية الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فهو أول مَنْ يعبر على الصراط يوم القيامة، وله المقام المحمود، ولواء الحمد، والشفاعة، والكوثر، وأول من يقرع باب الجنة ويدخلها، والأنبياء جميعا تحت لوائه يوم القيامة . عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسم قال: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي) رواه أحمد. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (آتِي باب الجنة فأسْتَفْتِح، فيقول الخازنُ: مَن أنت؟، فأقول: محمدٌ، فيقول: بك أُمرتُ ألا أفتح لأحدٍ قبلك) رواه الحاكم.
ومِنْ فضل الله علينا أن جعلنا مِنْ أتباعه، ومِنْ ثم فمن أهم ما يجب علينا تجاه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أن نحقق محبته اعتقاداً وقولاً وعملاً، ونقدمها على محبة النفس والولد والناس أجمعين، قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}(التوبة:24). قال القاضي عياض عن هذه الآية: “فكفى بهذا حضاً وتنبيها ودلالة وحجة على إلزام محبته، ووجوب فرضها، وعظم خطرها، واستحقاقه لها صلى الله عليه وسلم، إذ قرَّع – سبحانه – مَنْ كان ماله وأهله وولده أحب إليه من الله ورسوله، وأوعدهم بقوله تعالى: {فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ}، ثم فسَّقهم بتمام الآية، وأعْلمهم أنهم ممن ضل ولم يهده الله”. وقال السعدي: “هذه الآية الكريمة أعظم دليلٍ على وجوب محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى تقديمها على محبةِ كلِّ شيءٍ، وعلى الوعيد الشديد والمقت الأكيد على مَن كان شيء مِن المذكورات أحبَّ إليه من الله ورسوله وجهادٍ في سبيله، وعلامة ذلك أنه إذا عُرض عليه أمران، أحدهما: يحبه الله ورسوله، وليس لنفسه فيها هوى، والآخر: تحبه نفسه وتشتهيه، ولكنه يفوِّت عليه محبوبًا لله ورسوله أو يُنقصه، فإنه إن قدَّم ما تهواه نفسه على ما يحبه الله، دلَّ على أنه ظالمٌ تاركٌ لما يجب عليه”.
وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يُؤْمِنُ أحدُكم حتى أكونَ أحبَّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين) رواه مسلم. ولما قال عمر رضي الله عنه: (يا رسول الله! والله لأنتَ أحبّ إليّ من كل شيء إلا من نفسي، قال صلى الله عليه وسلم: لا، والذي نفسي بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك، فقال عمر للنبي صلى الله عليه وسلم: فإنك الآن والله لأنتَ أحب إليَّ من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الآن يا عمر) رواه البخاري.
قال ابن حجر: “فجواب عمر أولا كان بحسب الطبع، ثم تأمل فعرف بالاستدلال أن النبي صلى الله عليه وسلم أحب إليه من نفسه لكونه السبب في نجاتها من المهلكات في الدنيا والأخرى، فأخبر بما اقتضاه الاختيار، ولذلك حصل الجواب بقوله: (الآن يا عمر) أي الآن عرفتَ فنطقتَ بما يجب”. ومن لوازم محبته صلى الله عليه وسلم الأدب معه، وتعزيره وتوقيره، كما قال الله تعالى: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ}(الفتح:9). قال ابن تيمية: “التعزير اسم جامع لنصره وتأييده ومنعه من كل ما يؤذيه، والتوقير: اسم جامع لكل ما فيه سكينة وطمأنينة من الإجلال، وأن يُعامَل مِن التشريف والتكريم والتعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حَدِّ الوقار”.
أبْشِر أيها المحب، أنتَ مع مَنْ تُحِب:
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! كيف تقول في رجل أحب قوماً ولم يلحق بهم؟ فقال: المرء مع مَنْ أحب) رواه البخاري. وعن أنس رضي الله عنه أن رجلا أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال له: (متى الساعة؟ قال: ما أعددتَ لها؟ قال: ما أعددتُ لها من كثير صلاة ولا صيام ولا صدقة، ولكنّي أحبّ الله ورسوله، فقال: أنت مع من أحببتَ) رواه البخاري. قال أنس رضي الله عنه: “فأنا أحب النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر، وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم، وإن لم أعمل بمثل أعمالهم”.
وقال الصحابة رضوان الله عليهم: “ما فرحنا بعد الإسلام بشيء فرحنا بهذا الحديث “، وذلك لشدة حبهم للنبي صلى الله عليه وسلم.
محبة النبي صلى الله عليه وسلم مِنْ محبة الله عز وجل:
محبة النبي صلى الله عليه وسلم أصل عظيم من أصول الدين، وهي تابعة لمحبَّة الله تعالى، قال ابن تيمية: “محبة الله بل محبة الله ورسوله من أعظم واجبات الإيمان، وأكبر أصوله، وأجل قواعده، بل هي أصل كل عمل من أعمال الإيمان والدين”، وقال: “وليس للخَلْق محبَّة أعظم ولا أكمل ولا أتم من محبة المؤمنين لربهم، وليس في الوجود ما يستحق أن يُحبَّ لذاته من كلِّ وجه إلا الله تعالى، وكل ما يحب سواه فمحبته تَبَعٌ لحبِّه، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما يُحَب لأجل الله، ويُطاع لأجل الله، ويُتَّبع لأجل الله، كما قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}(آل عمران:31) .
وقال ابن القيم: “وكل محبة وتعظيم للبشر، فإنما تجوز تَبَعًا لمحبة الله وتعظيمه، كمحبته صلى الله عليه وسلم وتعظيمه، فإنها من تمام محبة مُرسِله وتعظيمه سبحانه، فإن أمته يحبونه لحبِّ الله، ويُعظِّمونه ويُجِلونه لإجلال الله له، فهي محبة لله من موجبات محبة الله”.
وقال النووي: “وأصل المحبة الميل إلى ما يوافق المحب، ثم الميل قد يكون لما يستلذه الإنسان ويستحسنه، كحسن الصورة والصوت والطعام ونحوها، وقد يستلذه بعقله للمعاني الباطنة كمحبة الصالحين والعلماء وأهل الفضل مطلقا، وقد يكون لإحسانه إليه ودفعه المضار والمكاره عنه، وهذه المعاني كلها موجودة في النبي صلى الله عليه وسلم لما جمع من جمال الظاهر والباطن، وكمال خلال الجلال، وأنواع الفضائل، وإحسانه إلى جميع المسلمين بهدايته إياهم إلى الصراط المستقيم ودوام النعيم والإبعاد من الجحيم”.
اتباعه والاقتداء به صلى الله عليه وسلم:
في روضة محبة النبي صلى الله عليه وسلم ينبغي أن يُعْلم أن أهم علامات محبته: اتباعه في أقواله وأفعاله، وطاعة أوامره واجتناب نواهييه، والاقتداء والتأسي به صلوات الله وسلامه عليه، وشاهد هذا قول الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ}(آل عمران:31)، وقوله تعالى: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}(الحشر:7)، وقوله سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}(الأحزاب:21).
قال القاضي عياض: “اعلم أن مَنْ أحب شيئا آثره وآثر موافقته، وإلا لم يكن صادقا في حبه وكان مُدَّعِيَاً، فالصادق في حب النبي صلى الله عليه وسلم مَنْ تظهر علامة ذلك عليه، وأولها الاقتداء به واستعمال سنته، واتباع أقواله وأفعاله، وامتثال أوامره واجتناب نواهيه، والتأدب بآدابه في عسره ويسره ومنشطه ومكرهه، وشاهد هذا قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(آل عمران:31)”.