You are currently viewing مستقبل الصحافة المطبوعة يرتبط بالحرية والأخلاقيات!

مستقبل الصحافة المطبوعة يرتبط بالحرية والأخلاقيات!

كتب سليمان صالح

هل فكر أحد في تأثير اختفاء الصحافة المطبوعة في مستقبل العالم؟! حالة الانبهار بثورة الاتصال، ما زالت تحجب عن بصيرة العلماء حقائق من أهمها أن الصحافة قامت بدور مهم في تحقيق التقدم عندما نشرت الكثير من الأفكار الجديدة، وقدمت المخترعين، فتسابقت الشركات إلى استغلال نتائج أبحاثهم، فشهد العالم ثورة صناعية.
أما في مجال السياسة، فإن الصحافة ساهمت في تشكيل المواطن العارف الذي يستطيع أن يختار الحكام والنواب، فتطورت المؤسسات الديمقراطية.
لذلك لم أشعر يوما بالرغبة في تقليد دول الغرب، إلا في تطوير صحافة حرة توفر المعرفة للمواطنين، وتدير المناقشة الحرة حول قضايا المجتمعات ومشكلاتها، وتبني الأساس للديمقراطية.
دور الصحافة في تغيير العالم
ومن خلال دراستي للتاريخ اكتشفت أن دول الاستعمار قامت بحرمان الحركات الوطنية من حقها في إصدار الصحف حتى لا تستخدمها في إدارة معركة الوعي، وتشكيل رأي عام يرفض الاحتلال، ويطالب بالجلاء.
لذلك ارتبط الكفاح لتحقيق حرية الصحافة بالكفاح ضد الاستعمار، وبالعمل لتحقيق الاستقلال الشامل، وكان للصحافة دور مهم في تعبئة الشعوب للثورات.
لذلك توضح لنا دراسة التاريخ أن الصحافة كان لها دور مهم في تغيير العالم بعد الحرب العالمية الثانية، وفي بناء النظام العالمي الحالي، ونشر الأفكار الذي قام عليها هذا النظام.
وهنا يمكن أن نكتشف بعض نتائج اختفاء الصحافة المطبوعة، ومن أهمها أن النظام العالمي يمكن أن ينهار خلال السنوات القادمة، فالجماهير أصبحت تغرق في طوفان معلومات لا تستطيع أن تحللها، والوعي يتناقص، في حين ينتشر خطاب الكراهية الذي تتبناه الاتجاهات الشعبوية اليمينية المتطرفة، التي تشق طريقها بسرعة للتحكم في الدول الأوربية.
أين التغطية الشاملة؟!
الجماهير تحصل الآن من قنوات التلفزيون على تغطية سريعة ومباشرة للأحداث، كما تحصل على الكثير من المعلومات عن طريق الإنترنت، والمواقع الإخبارية، ووسائل التواصل الاجتماعي.. لكن هل يستطيع الإنسان أن يشكل صورة عامة للعالم، ولما يدور فيه من صراع، يحمل الكثير من نذر الخطر؟
لذلك يجب أن ندرك أن الصحافة المطبوعة تقوم بوظيفة مهمة تتجاوز توفير المعلومات عن أحداث العالم، وأن الدولة التي تريد أن تبني قوتها الاتصالية والإعلامية يجب أن تحافظ على صحافتها المطبوعة لتوفر لشعبها معرفة شاملة، تقوم على التحليل والتفسير، وعرض القصص الإنسانية، وتفتح المجال للتعليق على الأحداث، ونشر التحقيقات الاستقصائية، ومقالات الرأي التي توفر مناظير مختلفة وحلولا جديدة للمشكلات.
لا ديمقراطية بدون صحافة!
كما قامت الصحافة المطبوعة بدور مهم في تحقيق الديمقراطية؛ فإن أخطر نتائج اختفاء الصحافة هو انهيار الحكم الديمقراطي، ومن الواضح أن أمريكا أدركت ذلك ففتحت المجال للبحث عن حلول علمية لأزمة الصحافة المطبوعة، فلا ديمقراطية بدون صحافة حرة.
ومن المؤكد أن الديمقراطية أُضعفت في الكثير من الدول، وتزايد استخدام القوة الغاشمة في السيطرة على الشعوب وقهرها، كما تزايدت انتهاكات حقوق الإنسان، وانتشرت العنصرية والكراهية.
وفي الوقت نفسه تزايدت حدة أزمة الصحافة المطبوعة، فتناقص توزيع الصحف، واضطر بعضها إلى التوقف عن الصدور، وفقد الكثير من الصحفيين وظائفهم، وتزايد سخط الصحفيين على حالهم البائس.
صحافة تدافع عن حقوقنا!
لكن لماذا لا يسأل الصحفيون أنفسم عن الأسباب التي دفعت الجماهير إلى التخلي عنهم في محنتهم؟! ولماذا انصرف الناس عن قراءة الصحف؟ دراسة تاريخ الصحافة تقدم الإجابة؛ فالجماهير تريد صحافة حرة تعبر عنها، وتدافع عن حقوقها، وتكشف جور الحكام وظلمهم واستخدامهم للقوة الغاشمة؛ فإن لم يقم الصحفيون بدورهم في الدفاع عن حقوق الناس، فلن يدافع أحد عن حرية الصحفيين.
وعندما يخضع الصحفيون للسلطة يفقدون دورهم في بناء الديمقراطية، وتفقد الصحافة أهميتها، فالحرية أساس ازدهار الصحافة وتقدمها، وعندما تستعيد الصحافة حريتها التي تمكنها من الدفاع عن حرية المواطنين وحقوقهم، فسيعود الناس إلى البحث عن الصحف.
لكن ما الحل؟! إن المحافظة على الصحافة المطبوعة، واستعادة دورها التاريخي يحتاج إلى أن نبدأ مرحلة كفاح جديدة لتحرير الصحافة من سيطرة السلطات والشركات المتعددة الجنسية، فالصحافة المستقلة هي التي يمكن أن تستعيد ثقة الجماهير، وتقدم مضمونا جديدا ومتميزا عما تقدمه قنوات التلفزيون والإعلام الجديد.
وعندما يقوم الصحفيون بقيادة شعوبهم لتحقيق الديمقراطية، فستحترمهم الجماهير، وتعود إلى قراءة صحفهم، والشعوب تشتاق للحرية، ويجب أن يقرأ الصحفيون الحقائق، وأن يدركوا أن الواقع يمكن أن يقدم لهم فرصة لاستعادة دورهم في قيادة كفاح الشعوب.
والصحفيون في الصحف المطبوعة هم الأقدر على تطبيق أخلاقيات الإعلام، وبذلك يتمكنون من تقديم مضمون يستعيدون به مصداقيتهم وثقة جماهيرهم. فأخلاقيات الإعلام تساهم في زيادة جودة المضمون، وتمكين الصحفيين من الوفاء بحق جماهيرهم في المعرفة.
ودراسة تاريخ الصحافة توضح أن المقال الصحفي كان أهم المواد التي تقدمها للجماهير التي أصبحت الآن تحتاج إلى كتاب أحرار يعبرون عنها، ويقودون كفاحها؛ لذلك يمكن أن تستعيد الصحافة دورها التاريخي عندما تدرك أن المقال الصحفي هو أساس المناقشة الحرة التي تحتاج إليها المجتمعات التي تتطلع إلى تحقيق التقدم.
هل يمكن أن يشهد العالم العربي نهضة صحفية؟ الإجابة هي نتيجة كفاح الصحفيين لاستعادة دورهم التاريخي، ووظيفتهم كوكلاء للجماهير في تحقيق الديمقراطية وحماية حرية المواطنين وحقوقهم، وقيادة كفاح الشعوب لتحقيق الاستقلال الشامل، ولم يعد أمام الصحفيين خيار آخر لاستعادة أهمية الصحافة وبناء مستقبلها.

اترك تعليقاً