You are currently viewing الفدائيون الجدد..!

الفدائيون الجدد..!

كتب د.هشام الحمامي

كلما اشتقنا إلى ما يبعث فينا أملا، ويُحيي فينا عزما، ويرفع لنا صوتا.. جاءنا ذلك من هناك..! جاءنا مثل الإشراقة الربيعية، من عند الذين يجابهون التاريخ الآن بكل قسوته، في وقت من أكثر أوقاته توترا وقلقا وترقبا.. الوقت الذي يبدو فيه النظام الأنجلو/ أمريكي الذي سيطر على العالم من بعد الحرب العالمية الثانية وتحديدا من سنة 1945م؛ متراجعا، فاسحا المجال لفوضى عالمية، أو ما هو قريب من الفوضى. ومن هنا سيكون علينا قراءة المشهد الفلسطيني الآن قراءة جديدة.. وهي القراءة التي سيبرز لنا فيها نوع جديد من النضال الفلسطيني الذي سيتميز بأهم خصائصه الجديدة، خصيصة “الخلافات صفر”!
فـ”الفدائيون الجدد” الذين أفزعوا إسرائيل والسلطة والنطاق الإقليمي والدولي خلال الفترة الماضية.. كانوا بالفعل الحالة الأكثر سطوعا في سماء النضال الفلسطيني عبر الأعوام العشرين الماضية.. لطالما عملت إسرائيل ومن يدعمها على تعميق الخلاف الفلسطيني ونجحت بدرجة كبيرة فيما أرادت، لأسباب كثيرة.. منها شتات الأفكار التي جاء من خلفها من تصدروا النضال، جاءوا وجاءت معهم خلافاتهم العربية الشهيرة.. بل وفي الأغلب كانت تسبق مجيئهم!!
“الفدائيون الجدد” الذين أفزعوا إسرائيل والسلطة والنطاق الإقليمي والدولي خلال الفترة الماضية.. كانوا بالفعل الحالة الأكثر سطوعا في سماء النضال الفلسطيني عبر الأعوام العشرين الماضية.. لطالما عملت إسرائيل ومن يدعمها على تعميق الخلاف الفلسطيني ونجحت بدرجة كبيرة فيما أرادت، لأسباب كثيرة.. منها شتات الأفكار التي جاء من خلفها من تصدروا النضال
لكن ما هو أهم، كان التنسيق الكامل مع العديد من الدول العربية..! وللأسف هذا صحيح.. وليس هو موضوعنا الآن على أي حال..
* * *
لكننا سمعنا المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي يقول إنه أبلغ السلطة الفلسطينية والأردن بالعملية الأخيرة في جنين!! وهي العملية التي وصلت من مدى استراتيجيتها في المنظور الأمني الإسرائيلي، أنها يُخطط لها منذ عام بل وخضعت لعدة تعديلات وتحديثات وتم تأجيلها عدة مرات.. وهدفها هو استعادة “الردع الإسرائيلي” في الضفة، وإلحاق أضرار واسعة النطاق ودقيقة.. وشارك فيها المئات من قوات “الكوماندوز” الخاصة ووحدات “النخبة”، برفقة عشرات الطائرات والآليات.
حرب حقيقية شنتها إسرائيل بشكل ملفت.. وكانت أمام خصم جديد.. وكانت الضفة الغربية هي مجاله الأنقى والأكمل..! الضفة التي ضاعت مع ما ضاع (أرضا وعرضا وكرامة) في هزيمة 1967م.. والتي تم الإعداد لها جيدا مع كل القادة وقتها.. على نحو ما أعلن الجيش الإسرائيلي في الحرب الأخيرة على جنين من اتصاله بالسلطة الفلسطينية والأردن قبل تدمير جنين..
* * *
الجزء الثاني من السطور السابقة أعلنت عنه إسرائيل ومتحدث جيشها الرسمي بكل وضوح، ولذلك فنحن عرفنا مقدماته ونتائجه ورأينا وقائعه وأحداثه.. الجزء الأول والخاص بــ1967م استنتجناه، لم تعلن عنه إسرائيل بالطبع وقتها، وإن كنا شممنا رائحته بين كل السطور، ومن تحت كل الأقلام التي كُتبت عن أيام العار.. وبالطبع ولم يعلن عنه قادة وزعماء وعماليق العرب وقتها.. أولئك الذين “أوفوا بكل تعهداتهم” تجاه من ساعدهم على المجيء بعد الحرب العالمية الثانية (1945م)..
وكانوا يتخفون تحت شعارات الحماسة القومية في الأبواق.. والقسوة الساحقة مع الناس.. إنه الوقت الدقيق الذي رُسمت فيه خريطة استراتيجية جديدة للشرق الأوسط.. كان أبرز مصاديق هذه الخريطة، هو ضمان بقاء إسرائيل على الأقل 100 سنة من تاريخ إنشائها.. والمنع البات والقاطع لقيام “وحدة عربية” بين مساحات جغرافية متصلة ومتسعة (مصر والسودان وليبيا مثلا.. سوريا ولبنان والأردن.. العراق ودول الخليج..).
فقط السعودية.. وكلنا نعرف الظرف التاريخي الدقيق الذي تم فيه ما تم، ولو كان قد قُدر للثقة والتفاهم بين حكومة الملك عبد العزيز (ت: 1953م) وحكومة رشيد الكيلاني (ت: 1965م) في العراق وقتها أن تمتد، لتم ضبط الأمور في الخريطة الجديدة على نحو يحقق للشرق العربي مكانة أكبر كثيرا مما آلت اليه الأمور بعدها للأسف..
* * *
الحاصل أن السلطة الفلسطينية الآن في الضفة تقوم بالدور التقليدي للدولة العربية الحديثة بعد الحرب العالمية الثانية ومحاصرة وملاحقة القوى الوطنية ومنعها من التواصل الصحيح مع الشعوب ومنع الشعوب من التواصل معها، والتنسيق التام في ذلك مع من رسم الخريطة ويقوم على ضبط وربط ومركزة الأمور فيها.. لكن الفدائيين الجدد كان ردهم قاطعا حاسما
الحاصل أن السلطة الفلسطينية الآن في الضفة تقوم بالدور التقليدي للدولة العربية الحديثة بعد الحرب العالمية الثانية ومحاصرة وملاحقة القوى الوطنية ومنعها من التواصل الصحيح مع الشعوب ومنع الشعوب من التواصل معها، والتنسيق التام في ذلك مع من رسم الخريطة ويقوم على ضبط وربط ومركزة الأمور فيها.. لكن الفدائيين الجدد كان ردهم قاطعا حاسما فقالوا:
فإن كنت لا تستطيع دفع منيتي فدعني أبادرها بما ملكت يدي
***
ما فعله الآن نتنياهو.. ووزير الدفاع جالانت.. ورئيس الأركان هاليفي.. ما هو إلا تكليف محدد وواضح من “دافعي الأجرة” القدامى.. وكل “مساخر الدنيا” لن تقبل سهوكة العيون الحزينة على دماء أهلنا في جنين.. من بايدن وبلينكن في أمريكا، إلى أورسولا فون، وجوزيب بوريل في أوروبا.. وكل هذه العصابات المتوالدة والمتوارثة المتواصية..
وعلى رأي شاعر الوجع القديم أحمد فؤاد نجم (ت: 2013م) “حنا شايفين الخواجة، واللي جايبين الخواجة، وإحنا كاشفين كل حاجة..”..
* * *
اليوم.. قوة المقاومة في الضفة الغربية أصبحت تقترب من قوة المقاومة في غزة.. “الفدائيون الجدد” من جيل الألفية لديهم استعدادات خاصة جدا، ويؤمنون إيمانا عميقا وحادا بحقهم.. ومصداق الحق هو قول الحق وفعل الحق كما يقولون.. والأهم أنهم يفهمون الحقائق كلها.. من عباس وسلطته.. إلى نتنياهو وشلته.. إلى الشرق الأوسط وعقدته.. إلى الناتو وخطته.. الخ..
لكنهم يفهمون أكثر أن الخرائط الآن يُعاد رسمها.. وستكون هناك خريطة جديدة للإقليم، وهم جادون وواثقون أن تلك الأرض التي سيحيون عليها أو سيدفنون فيها سيظل اسمها فلسطين.

اترك تعليقاً