قال رؤساء الجامعات الكبرى في كندا إنّ أيّ دعوة إلى الإبادة الجماعية لليهود تشكّل انتهاكاً لقواعد السلوك المتعلقة بمعاداة السامية في مؤسساتهم. لكنهم، إلى حد كبير، أبدوا حذراً في القول ما إذا كانت الدعوة لـ’’القضاء على دولة إسرائيل‘‘ تشكّل أيضاً انتهاكاً لهذه القواعد.
وكان خمسةٌ من نواب الحزب الليبرالي الكندي الحاكم في أوتاوا قد طرحوا هذا السؤال على رؤساء 27 جامعة كندية في كانون الأول (ديسمبر) بعد بروز خطابات معادية لليهود من جديد منذ اندلاع الحرب الحالية بين فصائل فلسطينية بقيادة حركة حماس ودولة إسرائيل.
يُذكر أنّ الحرب الراهنة بدأت في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023 بهجوم شنته حماس انطلاقاً من قطاع غزة على جنوب إسرائيل أدى إلى مقتل قرابة 1.200 شخص، معظمهم من المدنيين، حسب مصادر إسرائيلية. واختطف المهاجمون حوالي 250 شخصاً آخرين أخذوهم معهم كرهائن إلى القطاع الفلسطيني، وتمّ الإفراج عن 105 منهم في عملية تبادل للأسرى.
ووعدت إسرائيل بـ’’القضاء‘‘ على حماس ردّاً على هجومها، فحاصرت قطاع غزة بشكل كامل وقصفته بشدة قلّ نظيرها وأطلقت عملية عسكرية برية فيه في 27 تشرين الأول (أكتوبر)، ما تسبب لغاية اليوم بمقتل حوالي 26.000 شخص فيه، غالبيتهم من النساء ومن الأطفال والأشخاص دون سنّ الـ18، وبإصابة أكثر من 62.000 شخص آخرين بجراح، حسب وزارة الصحة في حكومة حماس، وبدمار للممتلكات وتهجير للسكان قلّ نظيرهما.
ومنذ بداية هذه الحرب، أبلغت أجهزةُ الشرطة في مختلف أنحاء كندا عن زيادة حادة في جرائم الكراهية المعادية للسامية. ويقول قادة محليون في الجاليات اليهودية في المدن والمناطق الكندية إنهم يعيشون مخاوف لم يشعر بها اليهود منذ أجيال.
النائب أنتوني هاوسفاذر، وهو يهودي يمثل إحدى دوائر جزيرة مونتريال، كان من بين أعضاء مجلس العموم الليبراليين الخمسة الذين كتبوا إلى رؤساء كبريات الجامعات الكندية الشهر الماضي طارحين عليهم أسئلة محددة حول سياساتهم بشأن معاداة السامية في الأحرام الجامعية.
والنواب الأربعة الآخرون هم وزير العدل الفدرالي السابق ديفيد لاميتي وآنا غايني من جزيرة مونتريال، وبن كار من وينيبيغ، وماركو منديتشينو من تورونتو وهو كان وزيراً للسلامة العامة وقبل ذلك وزيراً للهجرة واللاجئين والمواطَنة.
وطلب النواب الخمسة من رؤساء الجامعات أن يقدّموا، بحلول 20 كانون الثاني (يناير) الجاري، إجابات مكتوبة على سلسلة من الأسئلة، بما في ذلك ما إذا كانت الدعوة إلى ’’الإبادة الجماعية لليهود‘‘ أو ’’القضاء على دولة إسرائيل‘‘ تشكّل انتهاكاً لمدوّنة قواعد السلوك الخاصة بكل واحدة من هذه المؤسسات.
وأكّد جميع رؤساء الجامعات في ردودهم، التي نشرها هاوسفاذر أمس، أنّ الدعوة إلى الإبادة الجماعية تشكل انتهاكاً لقواعد السلوك الخاصة بجامعاتهم، و’’بغضّ النظر عن السياق‘‘ الذي تأتي فيه، قال هاوسفاذر بارتياح.
وتتناقض، بشكلٍ حاد، هذه المواقف الواضحة مع الردود التي قدّمها بعض رؤساء الجامعات في الولايات المتحدة أواخر العام الفائت خلال جلسات الاستماع في الكونغرس حول معاداة السامية في الجامعات.
يُذكر أنه في نهاية المطاف، استقالت رئيسة جامعة بنسلفانيا، ليز ماغيل، بعد أن قالت في إحدى تلك الجلسات إنّ القرار بشأن ما إذا كانت الدعوة لإبادة اليهود تنتهك قواعد السلوك الخاصة بجامعتها يأخذ في الاعتبار ’’السياق‘‘ الذي تأتي فيه هكذا دعوة. وكذلك فعلت رئيسة جامعة هارفارد، كلودين غاي.
أمّا فيما يتعلق بمسألة كيفية استجابة الجامعات الكندية للدعوات إلى ’’القضاء على دولة إسرائيل‘‘، فقد كانت الردود أقلّ وفرة وأكثر اختلافاً، كما أشار هاوسفاذر.
فقد أجاب ثمانية فقط من أصل 27 رئيس جامعة على السؤال، وبعضهم بشكل مباشر أكثر من البعض الآخر، حسب هاوفاذر، فالأمر ’’يكون أحياناً أكثر دقة بعض الشيء‘‘.
ما كان واضحاً هو أنّ بعض رؤساء الجامعات نظروا إلى هذا السؤال على أنه أكثر ’’تعقيداً‘‘ من السؤال الأول بشأن الدعوة إلى ’’الإبادة الجماعية لليهود‘‘، ولذلك حاولوا أن يكونوا أكثر حذراً في إجاباتهم، حسب هاوسفاذر.
’’آمل أن يشمل الأمر أيضاً الدعوة إلى القضاء على أمّة، فهذا شكل من أشكال الإبادة الجماعية‘‘، قال هاوسفاذر معلقاً في مقابلة أمس.
ثلاثة رؤساء جامعات فقط قالوا بشكل لا لبس فيه إنّ الدعوة المباشرة لـ’’القضاء على دولة إسرائيل‘‘ تنتهك قواعد السلوك الخاصة بجامعتهم.
والثلاثة هم رئيسة جامعة لافال (Université Laval) في مدينة كيبيك، صوفي دامور، ومدير جامعة كوينز (Queen’s University) في مدينة كينغستون (أونتاريو)، باتريك ديان، ورئيس جامعة مانيتوبا (University of Manitoba) في وينيبيغ، مايكل بناروش.
’’الدعوة إلى القضاء على دولة إسرائيل، أو أيّ دولة أُخرى، يمكن تفسيرها بشكل معقول على أنها دعوة للعنف ضد الناس في تلك الدولة، وبهذا المعنى هي تشكّل انتهاكاً لسياساتنا‘‘، كتب بناروش، وهو كندي يهودي من أصل مغربي.
وأضاف هاوسفاذر أنه لا يزال يسمع عن مشاكل تحصل بشكل شبه يومي في الأحرام الجامعية. ويرى النائب الليبرالي اليهودي أنه يمكن التعامل مع هذه المشاكل من خلال تثقيف الناس وأيضاً من خلال تطبيق الجامعات قواعد السلوك الخاصة بها.
’’هل أعتقد أنّ الأمور (هي الآن) أفضل قليلاً؟ نعم، أعتقد أنّ الأمور، بشكل عام، هي أفضل قليلاً، لكن لا يزال هناك الكثير من المشاكل‘‘، قال هاوسفاذر.
وأضاف هاوسفاذر أنه ينبغي للجنة برلمانية أن تتولى دراسة معاداة السامية ككل، وليس فقط في أحرام مؤسسات التعليم ما بعد الثانوي.
(نقلاً عن تقرير لوكالة الصحافة الكندية منشور على موقع راديو كندا، ترجمة وإعداد فادي الهاروني)