كتب د.هشام الحمامي
“دولة إسرائيل” بحكم التاريخ، المعروف للمؤرخين على الأقل، حالة “غاصبة” على أرض ملك لشعب وأمة، تملأ الدنيا، وتمتد عبر ثلاث قارات، وكانت حتى عهد قريب، إمبراطورية تحمل وراءها ستة قرون من الزمان المستمر والمكانة المهيبة..
ونتنياهو نفسه يسير إلى المحاكمة بخطى حثيثة.. ليس فقط لعاره الرسمي في الفشل والكذب.. ولكن لعاره الأخلاقي في التلاعب بمنظومة القضاء إلى حد التحذير الأمريكي له من انهيار الدولة..
هو “عار مُركّب” أصبح فيه نتنياهو يشير إلى عار الدولة، والدولة فيه تشير إلى عار نتنياهو!! لماذا..؟؟
* * *
دعك من الـ92 جنسية التي يتكون منها شعب تم تصنيعه تصنيعا في “المخرطة الأوروبية” وعبر أرطال من الأكاذيب تم تجميع شتاتها (قص ولصق) لتكوين مجتمع متجانس، كباقي مجتمعات الدنيا، وعبثا كان التجميع وعبثا كان اللصق، مجرد أساطير خزعبلاتية مفضوحة الخزعبلات فضحا مشينا.
أهم “دَعكَ” هنا سيكون دعك من أكذوبة “الجيش الذي لا يقهر”.. بكشف الكذب المزخرف الذي عاشوا به وعليه طويلا طويلا، وأغرقوا فيه نظاما عربيا رسميا طويلا طويلا، نظاما ظل يتغنّى بكل أغاني النصر قرابة نصف قرن، والتي كانت أكثرها طربا أغاني الستينيات
دعك من المسألة الدينية، فنصفهم ملحد والنصف الآخر يكفرون بعضهم بعضا، وللطرافة تؤكد الروايات أن مؤسس الصهيونية هيرتزل (ت: 1904م) كان ملحدا ومؤسس الدولة بن غوريون (ت: 1973م) كان أيضا ملحدا.
وللدكتور عبد الوهاب المسيري (ت: 2009م) رحمه الله تفصيلات بالغة الأهمية في تلك المفارقة، ذكرها في الموسوعة التي اختار لها اسما بديعا “اليهود.. اليهودية.. الصهيونية”، لأن هاته الثلاث لا تجمعها أية علاقة، لا موضوعية ولا تاريخية!
دعك أيضا من المستقبل الطبيعي للدول والشعوب.. ولا أتحدث هنا عن قصة “الدولة الحشمونية” التي يؤكد بها نتنياهو وإيهود باراك أنه لا مستقبل لهم.. فقط هكذا هم الآن، وهكذا ينظرون لمستقبلهم.
* * *
لكن أهم “دَعكَ” هنا سيكون دعك من أكذوبة “الجيش الذي لا يقهر”.. بكشف الكذب المزخرف الذي عاشوا به وعليه طويلا طويلا، وأغرقوا فيه نظاما عربيا رسميا طويلا طويلا، نظاما ظل يتغنّى بكل أغاني النصر قرابة نصف قرن، والتي كانت أكثرها طربا أغاني الستينيات.
* * *
والذي يرى منظر وزير الدفاع موشي ديان ورئيس الأركان إسحاق رابين في صبيحة يوم 7 حزيران/ يونيو 1967م وهما يدخلان القدس من باب الأسباط مشمرين عن ساعديهما، ويمشيان بخطوات واثقة ورؤوس شاهقة، لا يرى نتنياهو وغالانت وهما يتحدثان عن “طوفان الأقصى” بوصفه اليوم الأسود الذي عاشته إسرائيل يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023م.. ولا عن “عملية المغازي” بوصفها الليلة الأليمة التي شهدتها إسرائيل يوم 22 كانون الثاني/ يناير 2024م، ناهيك عن المقتلة اليومية.. قتل وقتال لم يألف الإسرائيليون معدلاته في الحروب السابقة، ولم يسمعوا عنه حتى في أساطيرهم المسطورة، بل ويتم بطريقه بارعة الإعداد والإبداع سواء في التكتيكات أو في المناورة أو في المباغتة، حتى عجزوا تماما (استخباراتيا) عن توقع ماذا سيحدث في الضربة القادمة، والتي لا شك أنها يتم التحضير لها بهدوء وروية كما تم الإعداد لعملية المغازي..
قتل وقتال لم يألف الإسرائيليون معدلاته في الحروب السابقة، ولم يسمعوا عنه حتى في أساطيرهم المسطورة، بل ويتم بطريقه بارعة الإعداد والإبداع سواء في التكتيكات أو في المناورة أو في المباغتة، حتى عجزوا تماما (استخباراتيا) عن توقع ماذا سيحدث في الضربة القادمة، والتي لا شك أنها يتم التحضير لها بهدوء وروية كما تم الإعداد لعملية المغازي
وهذا ليس فقط لأن من قُتلوا كانوا من سلاح المهندسين، الذي يتولى تسوية البيوت والمباني في غزة بالأرض، ولكن لأنهم من الاحتياط؛ القادمين من دورة الحياة العادية، الاجتماعية والاقتصادية، والتي أصدرت المقاومة أمرا صارما بإتلافها صبيحة يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
* * *
يقولون إن هذه الحرب هي الحرب الأغلى والأعلى كلفة في تاريخ إسرائيل حتى الآن (260 مليون دولار يوميا).. لماذا هي الأعلى والأغلى كلفة في تاريخهم رغم أنهم واجهوا جيوشا مجيشة من قبل؟
السبب بسيط للغاية.. إذ تقول الحكاية التي وراءها ألف حكاية وحكاية، أن كتائب القسام جعلت حفظ القرآن وإتقانه وفهمه والتعبّد به، شرطا من شروط الالتحاق بها.. والتي من شروطها أيضا: المرور ببرنامج دراسي شرعي وعلمي ومنهجي وفكري، والانضباط العالي في “الفهم” و”الترقي”.. وهم ليسوا مدربين عسكريا فقط، ولكن يبدو أن دراساتهم العلمية خاصة في الفيزياء والكمبيوتر دراسات عليا..
ولكي يكتسي نتنياهو المزيد والمزيد من عار الكذب، فهو يخرج كلما اشتد عليه الخناق ملوحا بكتاب “كفاحي” للزعيم الألماني هتلر (ت: 1945) لدغدغة المشاعر البلهاء، ولكن ليصرف الأنظار عن “الكتاب الحقيقي” الذي أنتج له هكذا مقاتلين..
وواضح تماما أن الإخلاص كان في قلب الموضوع “من بدري”.. ليس فقط في هذه الشجاعة والإقدام والتوفيق” التي رافقت الأيام كلها والساعات كلها، لدرجة لم تخفَ على قادتهم ومفكريهم.. فقال داني ياتوم (79 سنة) رئيس الموساد السابق، في مقاله الشهير “هل تخلّى عنا رب موسى وهارون؟” في جريدة يديعوت أحرونوت في 30 تشرين الأول/ أكتوبر: “كأنها (حماس) تحارب إسرائيل، من خلال الأقمار الصناعية”.. أو مردخاي كيدار (72 سنة) الأستاذ بجامعة بار إيلان الذي قال: “إن قوة حماس تكمن في عقيدة وفهم وإيمان، إنهم يقاتلون في سبيل الله، معايير الانتصار لدينا ولديهم مختلفة، لذلك فالنصر سيكون حليفهم”.
لقد ثابرت وصابرت المقاومة بصبر لا مثيل له في التاريخ الحديث، فقد كانوا يعلمون أنهم سيواجهون عدوا، رأسه أمامهم، وذيله في أمريكا وأوروبا، وأقام لهم أهل غزة حاضنة عظيمة.. قدموا فيها كل شيء.. حرفيا كل شيء.. وهو أمر لا يمكن أن يكون إلا من صاحب “يقين”.