الساعة كما قال ابن الأثير: “الوقت الذي تقوم فيه القيامة، وقد سُمِّيَت بذلك لسرعة الحساب فيها، أو لأنها تفاجئ الناس في ساعة فيموت الخَلْق كلهم بصيحة واحدة”. وقال ابن منظور: “قال الزجّاج: “معنى الساعة في كل القرآن الوقت الذي تقوم فيه القيامة”. وقال الشيخ ابن عثيمين: “والساعة هي القيامة”. وقال السعدي في تفسيره لقول الله تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ}(القمر:1): “يخبر تعالى أن الساعة وهي القيامة اقتربت وآن أوانها”.. وأشراط الساعة هي مجموعة مِنَ الأحداث تسبق يوم القيامة، ويدّل وقوع بعضها على قُرب يوم القيامة. قال الجوهري: “أشراط الساعة علاماتها”. وقال الْحَلِيمِيّ: “أما انتهاء الحياة الأولى فإن لها مقدمات تُسمى أشراط الساعة وهي أعلامها”. وقال البيهقي في تحديد المراد مِن الأشراط: “أي: ما يتقدمها مِنَ العلامات الدالة على قُرْب حينها”..
وقد اصطلح العلماء على تقسيم أشراط الساعة وعلاماتها التي تسبق وقوع القيامة وتدل على قرب حصولها، إلى قسمين: القِسم الأول: أشراط أو علامات الساعة الكبرى: وهي الأمور العِظام التي تظهر قُرْب قيام الساعة، مثل: خروج الدجال، ونزول عيسى عليه السلام، وإخراج الله تعالى دابة من الأرض تميز المؤمن مِنَ الكافر، وطلوع الشمس مِنْ مغربها وغير ذلك.. والقسم الثاني: أشراط أو علامات الساعة الصغرى، وهي التي تقْدم الساعة، ومنها ما وقع وانقضى ولن يتكرر وقوعه ـ مثل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ـ، ومنها ما وقع وانقضى – وقد يتكرر وقوعه -، ومنها ما ظهر ولا يزال يظهر ويتتابع، ومنها ما لم يقع إلى الآن، ولكنه سيقع كما أخبر نبينا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، وقد يظهر بعضها مصاحبًا للأشـراط الكبرى أو بعدها.. وعلامات أو أشراط الساعة الصُغْرى كثيرة، منها: قبض العلم، وظهور الجهل، وضياع الأمانة، وكثرة القتل، وشهادة الزور، وكتمان شهادة الحق، والتطاول في البنيان، وظهور الفتن.. ومنها كذلك: تقارب الزمان..
تقارب الزمان: بيَّن لنا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في مواطن وأحاديث كثيرة علاماتِ السَّاعة الصُغْرى والكُبْرى، وأخبرنا أنَّ مِن تلك العَلامات ـ الصُغرى ـ: تَقارُب الزمان، والأحاديث النبوية في ذلك كثيرة، ومنها:
1 ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تَقُوم السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْم، وَتَكْثُر الزَّلازِل، وَيَتَقَارَب الزَّمَان، وَتَظْهَر الْفِتَن، وَيَكْثُرَ الْهَرْج وهو الْقَتْل، الْقَتْل، وحَتَّى يَكْثُرَ فِيكم المال فَيَفِيض) راه البخاري.
2 ـ عن أنس بن مالك رضي الله عن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم السَّاعة حتَّى يتقارَب الزَّمان، فتكون السَّنة كالشَّهر، والشَّهر كالجُمُعة، وتكون الجمعة كاليَوم، ويَكون اليوم كالسَّاعة، وتَكون السَّاعةُ كالضَّرمة بالنَّار) رواه الترمذي.
(لا تقوم السَّاعة) أي: لا يأتي يوم القيامة حتَّى تَظهر علاماتُه، ومِن عَلاماتِه: (حتَّى يتَقاربَ الزَّمان)، يتقارب الزَّمان فتَقِلُّ بَرَكتُه، وقيل كما في الحديث: تكون السَّنة كالشَّهر، والشَّهر كالجُمُعة، والجُمُعة كاليوم، واليوم كالسَّاعة، والسَّاعة كالضَّرَمَة بالنَّارِ، والضَّرَمة: الوَقت المُستَغرَق بمِثْلِ ما يُشعَل به النَّارُ وانطفائِه، وقيل غير ذلك. وفي الحديثين: إخبار النَّبي صلى الله عليه وسلم بما سيحدث من بعض علامات الساعة، ومنها: تقارب الزمان.
قال الخطابي في “معال السنن”: “قوله: (يَتَقارَبُ الزَّمان) معناه: قِصَر زَمان الأعمار، وقِلَّة البَركة فيها. وقيل: هو دُنوُّ زمان السَّاعة. وقيل: هو قِصَر مُدَّة الأيَّام والليالي، على ما رُوِيَ أنَّ الزَّمان يَتَقارَب حَتَّى تَكونَ السَّنة كالشَّهر، والشَّهر كالجُمعة، والجُمعة كاليوم، واليوم كالسَّاعة، والسَّاعة كاحتِراق السَّعفة”. وقال البيضاوي في “تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة”: “في حديث أنس: (لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان فتكون السنة كالشهر) معناه: أنه تذهب بركة الزمان، فلا يتأتَّى للرجُل في سَنة ما كان يتأتى له في شهر، أو يكثر اشتغال الناس واهتمامهم بما يدهشهم مِنَ النوازل، ويغفلهم عن مر الزمان، بحيث لا يدرون كيف تنقضي أيامهم ولياليهم، لشدة ما هم فيه. (وتكون الساعة كالضرمة بالنار): أي: كزمان إيقاد الضرمة، وهي ما يوقد به النار أولا كالقصب والكبريت”.
وقال الطيبي في “الكاشف عن حقائق السنن”: “قوله: (السنة كالشهر): يُحمل ذلك على قلة بركة الزمان وذهاب فائدته، أو على أن الناس لكثرة اهتمامهم بما دهمهم مِنَ النوازل والشدائد وشغل قلبهم بالفتن العظام، لا يدرون كيف تنقضي أيامهم ولياليهم. فإن قيل: إن العرب تستعمل قصر الأيام والليالي في المَسَرّات وطولها في المكاره، قلنا: المعنى الذي يذهبون إليه في القِصَر والطول، مفارق للمعنى الذي يذهب إليه! فإن ذلك راجع إلى تمني الإطالة للرخاء، أو إلى تمني القصر للشدة، والذي يذهب إليه راجع إلى زوال الإحساس بما مرَّ عليهم مِن الزمان لشدة ما هم فيه وذلك أيضا صحيح. (كالضرمة بالنار) أي كزمان إيقاد الضرمة، وهي ما توقد به النار أولا كالقصب والكبريت”.
وقال القاضي عياض في “إِكمَال المُعْلِم بفوائد مسلم”: “قوله: (يتقارب الزمان): بمعنى يقرب في الحديث الآخر (حديث أبي هريرة): يقرب من الساعة”.
وقال العراقي في “طرح التثريب في شرح التقريب”: “المراد باقتراب الزمان قربه مِنَ الساعة قاله القاضي عياض والنووي، ويحتمل أن المراد قصره وعدم البركة فيه، وأن اليوم مثلا يصير الانتفاع به بقدر الانتفاع بالساعة الواحدة، ولعل هذا أظهر وأوفق للأحاديث وأكثر فائدة، ويدل له قوله في الحديث الذي رواه الترمذي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان، فتكون السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، ويكون اليوم كالساعة، وتكون الساعة كالضرمة بالنار)”.
وقال ابن الجوزي في “كشف المشكل من حديث الصحيحين”: “في معنى تقارب الزمان أربعة أقوال: أحدها: أنه قرب القيامة.. والثاني: قِصر مدة الأزمنة كما جرت به العادة، ولهذا قال: (يتقارب الزمان حتى تكون السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم). والثالث: أنه قصر الأعمار. والرابع: أنه تقارب أحوال الناس في غلبة الفساد عليهم، فيكون المعنى: يتقارب أهل الزمان: أي تتقارب صفاتهم في القبائح”. وقال ابن حجر في “فتح الباري”: “قوله: (يتقارب الزمان) فقيل: على ظاهره فلا يظهر التفاوت في الليل والنهار بالقصر والطول، وقيل: المراد قرب يوم القيامة، وقيل: تذهب البركة فيذهب اليوم والليلة بسرعة، وقيل: المراد يتقارب أهل ذلك الزمان في الشر وعدم الخير”.
وقال ابن رسلان المقدسي في “شرح سنن أبي داود”: “(يتقارب الزمان) قيل: معناه: قصر الأعمار وقلة البركة فيها، وقيل: هو دنو زمان الساعة. وقيل: هو قِصَر مدة الأيام على ما روي: (إن الزمان يتقارب، حتى تكون السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، واليوم كالساعة، والساعة كاحتراق السعفة)”.
هذان الحديثان: (لا تَقُومُ السَّاعَة حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْم، وَتَكْثُر الزَّلازِل، وَيَتَقَارَب الزَّمَان) و (لا تقوم السَّاعة حتَّى يتقارَب الزَّمان، فتَكون السَّنة كالشَّهر، والشَّهر كالجُمُعة، وتَكون الجمعة كاليَوم، ويكون اليوم كالسَّاعة، وتَكون السَّاعةُ كالضَّرمةِ بالنَّار)، يدلان على أنَّ مِنْ علامات الساعة تقارب الزمان، وقد اختلف العلماء في معنى تقارب الزمان على أقوال كثيرة، وأقوى هذه الأقوال: أن تقارب الزمان يحتمل أن يكون المراد به التقارب الحِسِّي أو التقارب المعنوي. أما التقارب المعنوي، فمعناه ذهاب البركة من الوقت، وهذا قد وقع منذ عصر بعيد. وهذا القول قد اختاره القاضي عياض والنووي وابن حجر وغيرهم.. قال النووي: “الْمُرَاد بِقِصَرِهِ عَدَم الْبَرَكة فيه، وَأَنَّ الْيَوْم مَثَلا يَصِير الانْتِفَاع بِهِ بِقَدْرِ الانْتِفَاع بِالسَّاعَةِ الْوَاحِدة”. وأما التقارب الحِسِّي فمعناه: أن يقصر اليوم قصراً حسياً، فتمر ساعات الليل والنهار مروراً سريعاً، وهذا لم يقع بعد، ووقوعُه ليس بالأمر المستحيل، ويؤيده أن أيام الدجال ستطول حتى يكون اليوم كالسنة، وكالشهر وكالجمعة في الطول، فكما أن الأيام تطول فكذلك تقصر، وذلك لاختلال نظام العالم وقرب زوال الدنيا. قال الشيخ ابن عثيمين: “إنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أخبَر: أنَّه يَتَقارَب الزَّمان، بينَما أنت في أوَّل أسبوعٍ وإذا الجُمُعة، وفي أوَّلِ الشَّهرِ وإذا الهِلال، وفي أوَّلِ السَّنة وإذا الهِلال، بسُرعةٍ فائِقة، وهذا مِصداق الحَديث: (ويَتَقارَبُ الزَّمان) ولَيسَ الْمَعنى كما ظَنَّه بَعض أهل العِلم: اتِّساع البلدانِ حَتَّى يَقْرُب بَعضُها من بعض، وتَكون الْمَسافة الَّتي بين البَلدَتين يَومين بَعدَ أن كانت أربَعة أيَّام، ولَيس كذلك أيضًا سُرعة الِاتِّصالات أوِ المواصلات، بَل أهَمُّ شَيءٍ أنَّ الله سبحانه وتعالى يَجعَل الزَّمَنَ بَعضه قَريبٌ من بَعض”.
وهذه الأقوال وغيرها التي ذكرها العلماء وشُرَّاح الأحاديث لمعنى ـ تقارب الزمان ـ: “نزع البركة” و”سهولة الاتصال” و”التقارب الحسي” لا تعارض بينها، ولا مانع مِنْ حمل الأحاديث عليها جميعها.. قال السيوطي في “ الحاوي للفتاوي”: “قيل هو على حقيقته نقص حِسِّي، وأن ساعات النهار والليل تنقص قرب قيام الساعة. وقيل: هو معنوي وأن المراد سرعة مر الأيام ونزع البركة من كل شيء حتى من الزمان.. وفيه أقوال غير ذلك”.. وما نعيشه ونشاهده ونشعر به في أيامنا هذه مِن قلة البَركة فيه مصداق وتحقيق لقوله صلى الله عليه عن تقارب الزمان. قال القسطلاني (المُتَوَفَّى:923 هـ/1517م): “وفي حديث أنس: (لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان، فتكون السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، ويكون اليوم كالساعة، وتكون الساعة كاحتراق السعفة)، وما تضمنه هذا الحديث قد وُجِد في هذا الزمان، فإنا نجد مِن سرعة الأيام ما لم نكن نجده في العصر الذي قبله، والحق أن المراد نزع البركة من كل شيء حتى من الزمان، وهذا من علامات قرب الساعة”..
للساعة ـ الوقت الذي تقوم فيه القيامة ـ أمارات وعلامات تقع بين يديها، وعلامات تدل على قربها، ومِنْ علامات الساعة الصغرى التي أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عنها: “تقارب الزمان”.. ومِنْ فوائد العلم بأشراط الساعة: تحذير الناس وتذكيرهم لئلا يتركوا طاعة الله عز وجل وينغمسوا في المعاصي والشهوات، وينسوا ما يستقبلهم مِنْ أمر الساعة والحساب والجزاء.. كما أن في إخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن أمور لم تقع زمن بعثته، ثم وقعت بعد ذلك وشاهدها الناس فيه دلائل واضحة لنبوته صلى الله عليه وسلم لإخباره عن أمر غيبي مستقبلي وقع وِفْق ما ذَكَره وحدَّث به، قال الله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}(النجم:4:3). قال ابن كثير: “أي: إنما يقول ما أمر به، يبلغه إلى الناس كاملا موفرا مِنْ غير زيادة ولا نقصان”. وقال السعدي: “ودل هذا على أن السُنة وحي مِنَ الله لرسوله صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: {وَأَنزلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}(النساء:113) وأنه معصوم فيما يُخْبِر به عن الله تعالى وعن شرعه، لأن كلامه لا يصدر عَنْ هَوى، وإنما يصدر عَنْ وحي يوحَى”..