كتب سليمان صالح
هل يمكن استخدام الأفلام السينمائية في تدريب الطلاب على القيادة وتطوير مهاراتهم القيادية؟ وما العلاقة بين السينما والقيادة؟
حفزني على الكتابة في هذا المجال تجربة قامت بها جامعة ولاية أوكلاهوما الأميركية قبل نحو 20 عاما استخدمت فيها بنجاح الأفلام السينمائية في إطار برنامج لتدريب الطلاب على مهارات القيادة ومساعدتهم على اكتشاف أنفسهم، وفهم ذواتهم، ومقوماتهم القيادية، عبر المشاركة في تحليل ومناقشة الصفات القيادية لأبطال هذه الأفلام.
والواقع أن استخدام السينما في تعليم القيادة يتفق مع طبيعة العصر وطبيعة شبابه الذي يستهلك من المحتوى البصري -ولا سيما المنشور رقميا- أكثر مما يستهلك من المحتوى المكتوب، ولذلك فإن استخدام وسيلة كتلك يتناسب مع مزاجهم العام، وطبيعة تجاربهم.
وقد لعبت السينما لعقود في المنطقة العربية -كما في العالم- دورا كبيرا في تشكيل الإلهام واتجاهات الرأي، ولكن المشكلة التي تواجهنا هنا إذا ما قررنا استخدام هذه الوسيلة للمساعدة في صناعة قادة المستقبل، هو أن يكون المحتوى متوفرا بالأساس.
فالمتابع لصناعة السينما في المنطقة العربية، بل وفي العالم الإسلامي، يدرك حجم القطيعة الثقافية التي يعيشها صناعها -في غالبيتهم- مع مجتمعاتنا وتاريخها وقادتها العظماء. وعلى المستوى الثقافي، تحمل هذه الأفلام بذور القطيعة مع التقاليد والقيم الراسخة في المجتمع وتلك المستمدة من الإسلام، في تبعية صارخة للأجندة الهوليودية.
وهكذا فإن المدرب على مهارات القيادة إذا قرر اللجوء إلى إنتاجاتنا السينمائية لتقديم النماذج التي تصلح للدراسة، سيواجه صعوبة تصل إلى درجة الاستحالة، فالنماذج التي تقدمها الأفلام المنتجة في المنطقة تركز في أغلبها على النماذج السلبية في المجتمع، وتتجاهل أو تتحيز ضد تاريخ زاخر بالقادة العظماء الذين لم يجدوا من يروي قصصهم.
وبذلك، فإن الحاجة إلى تشكيل جيل يحمل روح القيادة تدفعنا إلى البحث عن مشروع سينمائي جديد، ليس تجاريا بطبعه، بقدر ما هو ثقافي رسالي، يركز على التنقيب عن قصص النجاح أو الكفاح التي خاضها القادة الذين أنجبتهم هذه الأرض، وما أكثرهم في كل المجالات، لتشكل تجارب هؤلاء معينا لا ينضب من المتعة والإلهام وإثراء التجارب وربط الحاضر بالماضي، وفتح الأبواب أمام نقاشات جادة تلهم القادة الجدد.
المشكلة التي تواجهنا إذا ما قررنا استخدام الأفلام للمساعدة في صناعة قادة المستقبل هو أن يكون المحتوى المناسب متوفرا بالأساس
الأمر يبدأ بالتعليم، إذ ينبغي تصميم برنامج تعليمي يتناول السينما والقيادة في كليات الآداب والإعلام لتأهيل جيل جديد من المؤلفين والنقاد في إطار إستراتيجية تعليمية تتبناها دولنا هدفها بناء الثروة البشرية وتأهيل الشباب للقيادة، باعتبار ذلك حجر الأساس لبناء المستقبل.
على الجامعات في هذا الإطار أن تهتم أيضا بتوجيه الباحثين لتوفير أسس علمية لسينما جديدة تسهم في توفير المعرفة والتأهيل القيادي، ويفتح هذا الباب لبناء جسور بين تخصصات علمية مختلفة مثل السينما والاتصال والقيادة والسياسة، وسيفتح هذا كله بدوره مجالات جديدة للعمل في المجتمع.
يحتاج الأمر أيضا إلى إنشاء شركات إنتاج سينمائي تتبنى هذا المشروع المهم، وهو دور قد يعهد به إلى الشباب أنفسهم في إطار رؤية إستراتيجية لبناء قوة الدولة، إذ لا يمكن التعويل على نخبة متغربة لا تهتم بمشكلات الشعوب وآمالها وكفاحها لتنتج هذه النوعية من الأعمال.
إن الأفلام التي يمكن أن تنتجها شركات الخدمة العامة عن سير القادة يمكن أن تقوم بدور مهم في كفاح الشعوب لتحقيق الحرية والاستقلال، حيث يمكن ابتكار أساليب جديدة تحرر السينما من التبعية للنموذج الأميركي.
وهناك آلاف القادة في الحضارة الإسلامية تتميز تجاربهم بالثراء، وتصور سيرهم جوانب متنوعة ومتميزة للقيادة، وتسهم في تعليم الشباب قيادة الشعوب لتحقيق الاستقلال الشامل وبناء نظم ديموقراطية.. فهل يمكن أن نجد دولة عربية تتبني هذا المشروع؟!
إلى حين وجود تلك الرؤى والخطط الإستراتيجية لتقديم النماذج القيادية التاريخية، فالأحرى بمدربي المهارات القيادية أن يحفزوا طلابهم على إنتاج أفلام رقمية جديدة تصور حياة قادتنا التاريخيين.