بريطانيات من أقليات مختلفة خلال مسيرة مناهضة للعنصرية في لندن (الأوروبية)
لندن– في واحدة من الشهادات الصادمة التي عرضتها دراسة بريطانية حديثة عن العنصرية في أماكن العمل، يروي أستاذ جامعي من أصول أفريقية كيف استهجن زميله وصوله بسيارة جميلة. وسأله: “من أين حصلت على هذه السيارة؟ هل أنت تاجر مخدرات؟..”.
والأدهى من ذلك، عندما قام الأستاذ بالتبليغ عن هذه الواقعة كان جواب إدارة عمله أنهم “يوجدون في منطقة يغلب عليها البيض، وهذه التعليقات عادية”.
وتسرد الدراسة -الأكبر من نوعها لاتحاد النقابات البريطانية- الكثير من الشهادات الصادمة لأشخاص كانوا ضحية للعنصرية. ومن بينها أيضا ما تحدثت عنه عاملة من أصول هندية، عندما تم إخبارها أن مظهرها لا يناسب الوظيفة التي تقدمت لها، والسبب أن “الشركة لا تريد من العاملين الذي يشكلون واجهتها أن يرتدوا ملابس مضحكة”، في إشارة للأزياء الهندية الملونة.
وحسب نفس العاملة، فإنها لم تقم بالإخبار عن هذه الواقعة خشية أن يتم الانتقام منها وطردها من العمل.
رغم أصولها المهاجرة أعربت وزيرة الداخلية البريطانية سويلا بريفرمان عن تطلعاتها لخفض كبير بأعداد المهاجرين إلى بريطانيا (الأوروبية)
تركوا العمل بسبب العنصرية
وبخلاف العاملة الهندية، كشفت دراسة اتحاد النقابات البريطانية التي استمرت على مدار عامين وصدرت نتائجها مؤخرا، عن اضطرار عشرات الآلاف من العمال لمغادرة أماكن عملهم بسبب العنصرية التي يتعرضون لها إما بشكل مباشر أو بصورة متخفية وراء النكات والمزاح.
وحسب الدراسة التي قام بها الاتحاد النقابي الذي يعتبر الأكبر في بريطانيا، فإن الأقليات من أصول عرقية ودينية مختلفة هم الأكثر تعرضا للعنصرية والتنمر، وهو ما يجعلهم يفقدون الثقة بأماكن العمل ويلجؤون للمغادرة لعدم قدرتهم على التحمل.
وتكشف هذه الدراسة عن عمق مشكلة العنصرية في بريطانيا التي ما تزال تضرب وتحصد الآلاف من الضحايا في العمل كما في السياسة، حيث اشتكى أكثر من سياسي وسياسية من تعرضهم للعنصرية داخل أحزابهم بسبب خلفياتهم الدينية.
استقالات بالآلاف
وكشفت الدراسة أن أكثر من 120 ألف عامل من الأقليات استقالوا من وظائفهم بسبب تعرّضهم للعنصرية في أماكن عملهم، حيث أدى التمييز الذي يتعرض له العاملون من الأقليات إلى غياب ثقتهم بأماكن العمل وباتوا يشعرون دائما أنهم معرضون لخطر التنمّر والعنصرية.
وتعتبر هذه الدراسة الأكبر من نوعها؛ حيث قامت باستطلاع رأي حوالي 3.9 ملايين من العاملين المنتمين للأقليات المختلفة. وأظهرت أن 1 من كل 4 عمال من السود أو الأقليات المختلفة قد تعرض لمزحة عنصرية خلال السنوات الخمس الماضية.
وأكد 35% من العمال أنهم يشعرون بثقة أقل داخل أماكن العمل، وهو ما جعل 8% من العاملين من الأقليات يغادرون العمل.
والمثير أن 4 من كل 5 يتعرضون للعنصرية لا يبلغون عن الأمر رغم وجود قوانين لمحاربتها، والسبب هو الخوف من تأثر وضعهم المهني أو عدم أخذ شكايتهم على محمل الجد.
وعبّر 26% من العاملين عن عدم شعورهم بالراحة في أماكن العمل وتجنبهم النقاشات السياسية وغيرها، خوفا من سماع الكثير من التعليقات الحاملة لصور نمطية عن أقلية من الأقليات في المجتمع.
كما أكد 21% أن التعليقات العنصرية يتم توجيهها مباشرة لهم أو في حضورهم دون أن تتم معاقبة صاحب هذه التعليقات، وهي نفس النسبة التي قالت إنها تعرضت للتنمر المقصود سواء على المظهر أو اللباس أو لون البشرة.
وألقى هذا الوضع بتأثيره على الوضع النفسي للأقليات، حيث أكد 31% تأثيره على صحتهم النفسية، وقال ثلث المستطلعين إنهم باتوا يشعرون بالضيق في أماكن عملهم ولا يشعرون بالأمان.
متظاهرون في اليوم العالمي لمناهضة العنصرية وسط لندن (شترستوك)
عنصرية ممنهجة وخفية
تعليقا على النتائج الصادمة في الدراسة، أكد الكاتب العام لتجمع النقابات التجارية في بريطانيا، فرانسيس أوكرادي، أن ما تم التوصل له “يرفع الستار عن العنصرية في أماكن العمل بالمملكة المتحدة ويسلط الضوء على التمييز المؤسساتي والبنيوي الذي تتعرض له الأقليات من الطبقة العاملة”.
وكشف المسؤول النقابي البريطاني أن عددا من الأشخاص الذين شملتهم الدراسة قد أكدوا تعرضهم للتنمر والتحرش والعنصرية، معتبرا أن المؤشر الخطير هو عدم تبليغ الضحايا عن ما يتعرضون له في أماكن العمل. بينما أكد آخرون أن “هناك مؤسسة خفية للعنصرية وتؤثر على حياتهم وأيامهم في أماكن العمل”.
ومن بين أشكال “العنصرية الخفية التي تمارس ضد الأقليات حرمانهم من التدريبات المهنية وجعلهم آخر من يحصل على الترقيات والمكافآت، ومنحهم أوقات عمل غير مناسبة، وكذلك رفض التأشير على أيام عطلهم في المناسبات والفترات التي يكون فيها الجميع في عطلة مثل أعياد الميلاد أو العطل الصيفية”.
ووصف المسؤول النقابي كل مضامين الدراسة بأنها “عار”. وقال “أمر مقزز أن نرى في سنة 2022 استمرار العنصرية في أماكن العمل، وأن نشاهد كيف أن العِرق والدِّين هو من يتحكم فيمن له الحق في التدريب والترقية، ومن يستحق الطرد”.
المصدر : الجزيرة