الحرة / خاص – واشنطن
جدل لحوم الحمير في مصر: الطب يؤكد فوائدها والمجتمع يرفضها (تعبيرية)
“تناول لحوم الحمير” قضية تصدرت المشهد الإعلامي المصري، خلال الأيام القليلة الماضية، على خلفية انخفاض قيمة الجنيه مقابل الدولار وارتفاع أسعار اللحوم والدواجن. وانتقل الجدل إلى مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة بعد تصريحات لمسؤولين حكوميين وعلماء دين وأطباء تؤيد تناول لحوم الحمير باعتبارها بديلا للبروتين الحيواني.
وما زاد من وتيرة الجدل انتشار تصريح لمسؤول يؤيد الفكرة، إذ قال مستشار التثقيف الغذائي في “المعهد القومي للتغذية” الحكومي، مجدي نزيه، إنه “لا توجد (موانع علمية) في تناول لحوم الحمير والخيول”، مشيرا إلى أن “الأمر بحاجة إلى توافق مجتمعي قبل التشريعات القانونية، إذ إن الموضوع برمته يخضع لأذواق الشعوب”، ضاربا المثل بـ”مجتمعات تتقبل أكل الحشرات، وأخرى تستهجن الأمر بشدة”.
ويخشى كثير من المصريين من احتمال قيام الحكومة بتشريع أكل لحوم الحمير فعلا، خاصة في ظل وصول أسعار اللحوم المحلية إلى مستويات غير مسبوقة، بين ٢٥٠ إلى ٣٥٠ جنيه للكيلوغرام الواحد (الدولار يساوي نحو 31 جنيها).
وكان البنك المركزي المصري قد أعلن ارتفاع معدل التضخم إلى أكثر من ٣٢ في المئة مع نهاية فبراير الماضي. وأشار الجهاز في بيانه إلى أن أهم أسباب هذا التضخم يرجع إلى ارتفاع أسعار مجموعة اللحوم والدواجن بنسبة ٢٩.٧ في المئة.
لحوم الحمير.. الطب يثبت فوائدها
وبشكل عام، فإن الطلب على لحوم الحمير وألبانها ازداد في الأعوام الأخيرة، إذ أصبحت المعلومات الجديدة حول الفوائد الصحية لهذه لمنتجات متاحة بشكل أكبر.
وأكد بحث منشور، في أبريل الماضي، في موقع صحي تابع للحكومة الأميركية أن منتجات الحمير أغذية قيمة تحتوي على خصائص غذائية ملحوظة.
ووفقا للبحث الطبي، يحتوي حليب ولحوم الحمير على مكونات نشطة يمكن أن تسهم أيضا في علاج الأمراض. ويُعتقد أن حليب الحمير يحتوي على خصائص مضادة للأكسدة ومضادة للميكروبات ومضادة لمرض السكر.
ومع ذلك يرى البحث الطبي أن المعلومات المتوفرة عن التأثير الكلي لمنتجات الحمير على صحة الإنسان ومستوى تقديمها إلى السلسلة الغذائية للإنسان لا يزال ضئيلا.
وفي حديث لموقع “الحرة”، لم تنف أخصائية التغذية العلاجية في كلية الطب جامعة عين شمس، منة سليم وجود فوائد لألبان ولحوم الحمير أثبتتها عدة أبحاث طبية علمية، لكنها أكدت أن المشكلة تكمن في أن “فكرة أكل لحم الحمير في حد ذاتها تشعر المصريين بالامتهان”.
وأوضحت الطبيبة المصرية أن الدراسات الطبية تشير إلى احتواء لحوم الحمير على بعض الفوائد والفيتامينات، لكنها ترى أن الأبحاث المنشورة لا تزال غير كافية، خاصة في ما يتعلق بالأضرار واختلاف تأثيرها على كل إنسان.
وأشار البحث الأميركي إلى أن التحديات الزراعية التي يواجهها العالم تستدعي الحصول على بروتينات بديلة من الحيوانات التي يمكنها تحمل الظروف البيئية القاسية لإنتاج بروتينات عالية الجودة.
وأوضح أنه من المعروف أن الحمير يمكنها أن تعيش على ظروف تربية منخفضة الجودة ويمكن إطعامها علفا منخفض الجودة لإنتاج اللحوم والحليب، كما تم استخدامها منذ العصور القديمة. ومع ذلك، فإن البحث يرى أن تسويق هذه المنتجات لم يزدهر بسبب انخفاض معدلات إنتاج الحمير، وتفضيلات المستهلك للحوم الأبقار.
ولم تغفل الدراسة العادات الاجتماعية والثقافية والدينية التي تؤثر على فكرة انتشار منتجات الحمير، وأوضحت أنه عادة ما يتأثر تفضيل بعض المنتجات الحيوانية بعوامل مختلفة مثل الثقافة أو المعتقدات الدينية أو الوضع الاقتصادي.
وأشارت إلى أنه في العديد من البلدان، لا سيما في إفريقيا، لم يتم اعتماد استهلاك لحوم الحمير وحليبها بشكل كامل بسبب نقص المعرفة والتشريعات المتعلقة بالإنتاج.
وتحدث البحث عن جودة حليب الحمير، موضحا أنه يعتبر بديلا مهما لمن يعانون من حساسية بروتين حليب البقر. كما يحتوي حليب الحمير على تركيز معادن أعلى من لبن الأم، ولذلك يعتبر اختيارا أفضل للرضع سواء بالنسبة لأمانه أو لطعمه الجيد. ويُعتقد أن مجتمع الماساي في كينيا كانوا يستخدمون لبن الحمير الدافئ لإطعام الأطفال الذين يعانون من أمراض مثل السعال الحاد والالتهاب الرئوي ونزلات البرد.
ووفقا للبحث الأميركي، يستخدم حليب الحمير أيضًا في مستحضرات التجميل، إذ يُعتقد أنه يغذي البشرة ويحافظ على نضارتها. ويذكر البحث أن الملكة الشهيرة كليوباترا كانت تغمر نفسها في حليب الحمير لتحافظ على رونق بشرتها.
ويعد حليب الحمير غني بالفيتامينات والأحماض الدهنية المتعددة غير المشبعة، كما يحتوي على مركبات مضادة للشيخوخة ومضادات الأكسدة التي ترطب الجلد وتقي من شيخوخة الجلد. وتحتوي الدهون الموجودة في حليب الحمير على الأحماض الدهنية الأساسية والأحماض الدهنية المشبعة، بحسب ما جاء في البحث.
علاوة على ذلك، يعتقد البحث أن لبن الحمير يحتوي على الخصائص المضادة للبكتيريا مثل الليزوزيم واللاكتوفيرين، والتي تمنع نمو البكتيريا المسببة للأمراض على الجلد وتقلل من التهابات الجلد.
أما بالنسبة للحم الحمير، ذكر البحث أنه اكتسب بعض الاهتمام في الأعوام الأخيرة كغذاء قيم للاستهلاك البشري بسبب جودة البروتينات فيه.
ويتميز لحم الحمير، وفقا للدراسة، بقلة محتواه من الدهون والكوليسترول، فضلا عن كونه غنيا بالحديد.
وخلصت الدراسة الأميركية إلى أن زيادة الوعي بأهمية منتجات الحمير ستؤدي إلى زيادة إنتاجيتها وتسريع إدخال هذه المنتجات في السلسلة الغذائية للإنسان.
لحوم الحمير.. أضرارها الجانبية كثيرة
وبالعودة إلى أخصائية التغذية العلاجية في كلية الطب جامعة عين شمس، منة سليم، فإ ن المشكلة الأساسية تكمن، وفق رأيها، في أن الحمير من الحيوانات الناقلة للأمراض، ويعد لحمها بيئة خصبة للفيروسات والبكتيريا التي تؤثر على الجهاز الهضمي للإنسان وقد تؤدي للإصابة بالقيء والإسهال والجفاف. وأوضحت أن بعض الأبحاث تشير إلى أن لحوم الحمير قد تسبب الإصابة بالدودة الشريطية أو الديدان المعوية.
مشكلة أخرى تحدثت عنها سليم، وهي أن بعض الحمير قد تكون مصابة بمرض السالمونيلا، ما يتسبب في تسمم الشخص، ويؤدي للوفاة إذا لم يتم نقله إلى المستشفى على الفور.
وبشأن انتشار تناول لحم الحمير في عدد من الدول، قالت أخصائية التغذية إن العديد من دول العالم تتناول لحم الخنزير رغم ثبوت أضراره واحتمالية نقله لعدد من الأمراض الخطيرة للإنسان وعلى رأسها الصرع، لذلك فإن انتشاره بين عدد من الدول لا يعني أنه بلا أضرار.
وترى سليم أنه إذا أرادت الحكومة المصرية تشريع أكل لحوم الحمير كبديل أرخص للبروتين، فيجب عليها دراسة جميع الأضرار الجانبية جيدا، كما أنه من الضروري إنشاء لجان مختصة بفحص هذه الحمير ومدى صحتها وخلوها من الأمراض وتوفير التطعيمات اللازمة.
واعتبرت أخصائية التغذية أن الأمر سيشبه تشريع لحوم الخنزير في أوروبا في فترة الحرب العالمية الأولى كحل رخيص وعملي لإطعام الشعوب، لكنهم في الوقت نفسه يوفرون العناية الصحية اللازمة للخنازير وللمواطنين الذين يأكلونها، مثل التطعيم الذي تفرضه الدول الأوروبية على الأطفال والذي يحول دون الإصابة بالأمراض الناتجة عن تناول لحوم الخنازير.