الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا الله الا الله وحده لا شريك له ، وأشهد محمد رسول الله. جاء يوم.. وأصدر سليمان علية السلام أمره لجيشه أن يستعد، بعدها خرج سليمان يتفقد الجيش، ويستعرضه ويفتش عليه،فاكتشف غياب الهدهد وتخلفه عن الوقوف مع الجيش، فغضب وقرر تعذيبه أوقتله،فجاء الهدهد ووقف على مسافة غير بعيدة عن سليمان عليه السلام- إن السياق القرآني يقص علينا هذه القصة في سورة النمل من الآية 22-37( فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) وانظروا كيف يخاطب هذا الهدهد أعظم ملك في الأرض، بلا إحساس بالذل أو المهانة، ليس كما يفعل ملوك اليوم لا يتكلم معهم أحد إلا ويجب أن تكون علامات الذل ظاهرة عليه. فقال الهدهد أن أعلم منك بقضية معينة، فجئت بأخبار أكيدة من مدينة سبأ باليمن. (إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ) – امْرَأَةً أعطاها الله قوة وسخّرلها أشياء كثيرة وكرسي الحكم ضخم جدا ومرصّع بالجواهر (وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ، أَلا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ، اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ) وذكر العرش هنا لأنه ذكر عرش بلقيس من قبل، فحتى لا يغترّ إنسان بعرشها ذكر عرش الله سبحانه وتعالى. فتعجب سليمان من كلام الهدهد، فلم يكن شائعا أن تحكم المرأة البلاد، وتعجب من أن قوما لديهم كل شيء ويسجدون للشمس، وتعجب من عرشها العظيم، فلم يصدق الهدهد ولم يكذبه إنما (قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ) وهذا منتهى العدل والحكمة. ثم كتب كتابا وأعطاه للهدهد وقال له:(أذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ– قرأت الملكةعلى رؤساء قومها ووزرائها رسالة ( قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلأ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ، إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) . إنه يأمر في خطابه أن يأتوه مسلمين.. هكذا مباشرة.. إنه يتجاوز أمر عبادتهم للشمس.. ولا يناقشهم في فساد عقيدتهم.. ولا يحاول إقناعهم بشيء.. إنما يأمر فحسب.. أليس مؤيدا بقوة تسند الحق الذي يؤمن به..؟ لا عليه إذن أن يأمرهم بالتسليم . طرحت الملكة على رؤساء قومها الرسالة.. وكانت عاقلة تشاورهم في جميع الأمور. كان رد فعل الملأ وهم رؤساء قومها التحدي.. أثارت الرسالة بلهجتها المتعالية المهذبة غرور القوم، وإحساسهم بالقوة. أدركوا أن هناك من يتحداهم ويلوح لهم بالحرب والهزيمة (قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ) أراد رؤساء قومها أن يقولوا: نحن على استعداد للحرب.. ويبدو أن الملكة كانت أكثر حكمة من رؤساء قومها.. فإن رسالة سليمان أثارت تفكيرها أكثر مما استنفرتها للحرب. فكرت الملكةطويلا في رسالة سليمان ، وكانت تجهل كل شيء عن قوته، ربما يكون قويا إلى الحد الذي يستطيع فيه غزو مملكتها وهزيمتها وحدثت رؤساء قومها بأنها ترى استكشاف نيات الملك سليمان، عن طريق إرسال هدية إليه. وصلت هدية الملكة بلقيس إلى الملك النبي سليمان، وأدرك سليمان على الفور أن الملكةأرسلت رجالها ليعرفوا معلومات عن قوته لتقرر موقفها بشأنه..وفوجئوا بأن في الجيش أسودا ونمورا وطيورا.. وأدركوا أنهم أمام جيش لا يقاوم، وقالوا لة : لا نريد القتال ، وهذه الهدية علامة صلح بيننا ونتمنى أن تقبلها. نظر سليمان إلى هدية الملكةوأشاح ببصره (فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ) كشف الملك سليمان بكلماته القصيرة عن رفضه لهديتهم ، وأفهمهم أنه لا يقبل شراء رضاه بالمال. يستطيعون شراء رضاه بشيء آخر (أَلا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) ثم هددهم (ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ) – وأمام تلك العجائب الإلهية التي سخرت لخدمة سليمان وقفت الملكة في دهشة ، ورجعت إلى ربها و اعترفت بظلمها لنفسها فيما سلف من عبادة غير الله ، معلنة إسلامها مع سليمان لا لسليمان ، وأدركت أنها تواجه أعظم ملوك الأرض ، وأحد أنبياء الله الكرام ، لقد اهتدى قلبها وعرف عقلها أن الإسلام لله ليس استسلامًا لأحد من خلقه ، ولو كان هو سليمان النبي الملك صاحب المعجزات ، أما الإسلام فهو إسلام لله رب العالمين – وتبعها شعبها فأسلم مثلها ، فأكرم بها من امرأة وملكة كانت تحكم شعبها بأسلوب الشورى ، وجنبت شعبها ويلات الحرب بسياستها الحكيمة وعقلها الرزين. وكم يفتقر مجتمعنا الآن لمثل هذه الشخصيات العظيمة وما أحوجنا إليها، اللهم أصلح أحوال المسلمين وارزقنا قلوباً خاشعة وأعيناً دامعة وألسنتاً ذاكرة ، اللهم أحسن خاتمتنا وأعنا على طاعتك ، فنسأل الله عزوجل بأن يتقبلنا جميعا في فسيح جناته ، اللهمأدْخلنا الفردْوس الأعْلى بغير حساب ولا سابقة عذاب ، وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيِنِ، وَالحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِيِنَ – اللهم آمين – وإلى اللقاء إعداد أم تامر المصرى

بلقيس ملكة سبأ
- Post published:يوليو 6, 2023
- Post category:نقطة ضوء