You are currently viewing الشاعر الذي عاش في ليالي القاهرة

الشاعر الذي عاش في ليالي القاهرة

mostafa

بقلم مصطفى قنديل

إبراهيم ناجي: الشاعر الذي عاش في ليالي القاهرة

ولد إبراهيم ناجي في القاهرة في أواخر القرن التاسع عشر في عام 1898 وتخرج في كلية الطب في عام 1922 أي بعد سنوات قليلة من ثورة 1919 وكان عاشقا للشعر والأدب فدرس العروض والقوافي وعكف على دواوين المتنبي وأبو نواس وإبن الرومي وغيرهم من فحول الشعر وتعلم كذلك اللغة الفرنسية والإيطالية بجانب الإنجليزية مما ساعده على أن يترجم كثيرا من الأشعار والأعمال الأدبية من تلك اللغات إلى اللغة العربية وكان ينشرها أيضا في بعض المجلات في ذلك الوقت.

وكان معروفا عن إبراهيم ناجي أيضا أنه من عشاق شكسبير وكان ينشر بعض المقالات الأدبية كما أن له كذلك ترجمة شهيرة لرواية الجريمة والعقاب للأديب الروسي دوستويفسكي من الإنجليزية إلى العربية وأذكر أننا كنا نراها في الأسواق في السبعينات من القرن الماضي هذا طبعا بالإضافة إلى الترجمة المباشرة من اللغة الروسية إلي العربية والتي غزت الأسواق في مصر في الستينات من القرن الماضي عندما اتجهت فيها بوصلة السياسة نحو الإتحاد السوفيتي ولكن الحقيقة أن ذلك أتاح لنا أيضا فرصة ثمينة للتعرف على عمالقة الأدب الروسي العريق مثل دوستويفسكي وتولستوي وتشيكوف.

ولكن بزغ إسم ناجي لأول مرة وخاصة في أوساط المثقفين عندما ظهرت الأعمال الأدبية التي ترجمها في الأسواق ولكن يمكن أن نقول أن صيته   كشاعر موهوب لم ينتشر إلا مع صدور ديوانه الأول ” وراء الغمام ” في منصف الثلاثينات من القرن الماضي فقد أصبح بعدها نجما مرموقا في سماء الشعر يشيد به النقاد بل إنه أصبح علما في صالونات الفكر والأدب التي كانت تكتظ بها أمسيات وليالي القاهرة الصاخبة في ذلك الوقت.

وكما قال أفلاطون قديما عبارته الشهيرة كل الأشجار تهزها الرياح فكذلك أصبح قلب ناجي تهزه رياح الحب بل وتعصف به فإذا هو يترنح أمام كثير من فنانات مصر في ذلك الوقت والحقيقة أن قلبه كان ” رحبا فسيحا ” تدخله الواحدة منهن بعد الأخرى ويغزو معها قلبه وحي الشعر وإلهامه ثم إذا هي تغادر قلبه وقد ألهمته قصيدة أو عدة قصائد تأخذ مكانها في ديوانه القادم.

ومن هؤلاء الفنانات نجوى سالم وزينب صدقي وسامية جمال وأمينة رزق التي كتب فيها قصيده ” نفرتيتي الجديدة ” التي وضعها في ديوانه وراء الغمام وغيرهن كثيرات.

ولكن ربما كانت قصته الأكثر شهرة هي قصته مع الفنانة زوزو حمدي الحكيم التي كتب لها قصيدة الأطلال الشهيرة والتي غنتها أم كلثوم في عام 1965 حيث كتبها لها كأبيات متفرقة على ظهر روشتة الدواء الذي كان يصفه لأمها المريضة عندما كانت تأخذها زوزو إلى عيادته.

وتقول زوزو أنها عندما سمعت قصيدة الأطلال بصوت أم كلثوم التي غنتها لأول مرة بعد حوالى ثلاثة عشر عاما بعد رحيل ناجي أدركت على الفور أنها قد قرأت هذه الأبيات من قبل وعادت إلى تلك الروشتات لتجدها.

وربما لا يعرف الكثير أن قصيدة الأطلال الأصلية التي كتبها ناجي مرت بعدة تغييرات كثيرة حتى خرجت لنا على هذا الشكل المعروف فالقصيدة استهلها ناجي بقوله: يا فؤادي رحم الله الهوى فغيرها أحمد رامي لأم كلثوم لتصبح: يا فؤادي لا تسل أين الهوى كما غير رامي كذلك:

  ومضى كل إلى غايته لا تقل شئنا فإن الحق شاء

فقد إستبدل كلمة الحق بالحظ إذ يبدو أن رامي علية رحمة الله كان حريصا على عدم ذكر لفظ الجلالة في الأغنية.

كما أننا نلاحظ أيضا أن رامي قد استعار أربعة أبيات من قصيدة أخرى لناجي إبتداء من: هل رأى الحب سكارى ودمجها في هذه القصيدة وعموما فإن قصيدة الأطلال هي قصيدة طويلة تبلغ أبياتها أكثر من مائة وعشرين بيتا وما أخذ رامي منها واختار فهو ليس بالقطع بأجمل مما تركه فناجي هو شاعر رقيق مرهف الحس غزير الموهبة تنساب كلماته بعفوية وسلاسة.

ربما كانت رائعة الأطلال لأم كلثوم مع رياض السنباطي واحدة من أروع ما قدمه هذان العملاقان سويا و سيظل عشاق الشعر واللغة العربية مدينين لهما بما قدماه.

ولكن يبدو أن زوزو حمدي الحكيم لم تكن تبادل ناجي حبا بحب فهكذا كانت تبدو دائما وهى تتحدث عنه وعن الأطلال حتى أنها قد قارنت مرة – في إحدى الأحاديث لصحفية – بين ناجي وبين زوجها الثاني وقالت أن زوجها كان يقرأ قصائد ناجي التي ظل يلاحقها بها وأنه كان لا يشعر أبدا بالغيرة منه فهو ماض قد إنتهى كما أن ناجي كان هزيل الجسم ولا يثير الغيرة !!

عموما زوزو حمدي الحكيم لم تكن هي زوزو الوحيدة في حياة ناجي بل كانت هناك أيضا الفنانتان زوزو ماضي وكذلك زوزو نبيل فقد قال ناجي في مقال له بعنوان ثلاث زوزات عرفتهن ” زوزو ماضي عرفتها وهي أديبة صافية لم تشبها السينما بشائبة ولم ترفق حياتها أقدار الشاشة عرفتها وهى تستوحي البحر وتنظم فيه شعرا وعرفت زوزو نبيل وهي في مستهل جمالها وعنفوان رونقها عرفتها قبل أن تقبض عليها الإذاعة فتمرمط هذا الرونق في تمثيلياتها وتقضي على إشراقها الفخم في كواليس شارع علوي أما زوزو الحكيم فهي أديبة صافية عرفتها قبل أن تنزلق إلى الشاشة عرفتها وهي تكتب مذكراتها عن أدباء مصر جميعا وقرأت لها أجمل فصل قرأته في حياتي عن ذكي مبارك عرفتها وهي تجاهد في تعلم الفرنسية وتناضل لتعلم الإنجليزية وتقاتل لتكون أول فتاة مثقفة في مصر فلما جرفتها السينما إنتهت إلى عفريت إمرأتي فسكن العفريت بيتها. مسكينة زوزو إنها تحمل دماغا رهيبا وقلبا طيبا “

ويبقى بل ويجدر أن نذكر هنا كيف قدم ناجي قصيدته الأطلال – ربما كما كان يشعر بها ويراها – فقال ” هي قصة إثنين. رجل وإمرأة تحابا ثم إفترقا. هي أصبحت أطلال جسد وهو أصبح أطلال روح “

رحم الله إبراهيم ناجي       

اترك تعليقاً