الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا الله الا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمد رسول الله. خطاب للنبي صلىالله عليه وسلم في سورة الزمر آية :30 “ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ” يعني أنت يا محمد صلى الله عليه وسلم والأنبياء والمرسلون والناس أجمعون ، إنك ميت وإنهم ميتون ، “ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ” الزمر :31 ، ثم إنكم جميعًا- أيها الناس- يوم القيامة عند ربكم تتنازعون ، فيحكم بينكم بالعدل والإنصاف. سئل الإمام علي: ما التقوى ؟ فقال: “التقوى هي الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والرضا بالقليل ، والاستعداد ليوم الرحيل”. سيأتي الموت ولن يمنعنا أحد من ذلك.. فقد كتب الله- عز وجل- الفناء على جميع خلقه ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾ آل عمران: من الآية 85 ، ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ) الرحمن: 26 ، ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (لقمان: من الآية 34). قال تعالى في سورة الملك من الآية 2 : “ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا “ فإن الله خلق عباده ،وأخرجهم لهذه الدار، وأخبرهم أنهم سينقلون منها ، وخلق الموت والحياة أي: قدر لعباده أن يحييهم ثم يميتهم ؛، وأمرهم ونهاهم ، وابتلاهم بالشهوات المعارضة لأمره ، فمن انقاد لأمر الله وأحسن العمل ، أحسن الله له الجزاء في الدارين ، ومن مال مع شهوات النفس ، ونبذ أمر الله ، فله شر الجزاء. أنها حقيقةٌ قاسيةٌ لا محيد عنها ، وقضيةٌ رهيبةٌ مسلمةٌ لا مفر منها تواجه أهل الدنيا ، فلا يستطيعون لها رداً ، ولا يملكون لها دفعاً ، حقيقةٌ تتكرر كل لحظة ، ونعايشها مرة بعد مرة ، والناس سواءٌ أمام هذه الحقيقة المُسَلَمة ، والمصير المحتوم أنها حقيقة النهاية والفناء والموت ، الموت الذي لا مفر ولا محيد من الاستسلام له ، ولا يملك البشر حياله شيئاً ، أن كل حيٍ يسلم بهذه الحقيقة عقيدة ونظراً ، لكن الذين يتذكرونها ويعملون لما وراءها قليل ، فالقلوب عن هذه الحقيقة غافلة ، والنفوس شاردة ، والعقول منصرفة ، ومشاغل الحياة وزخرفها . (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) العنكبوت:57. ويقول جل وعلا: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالأكْرَامِ) الرحمن : 27- 26 .عن عبدالله بن عمر أن رسول الله قال:”إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء ، وخذ من صحتك لمرضك ، ومن حياتك لموتك” رواه البخاري. قال رسول الله عن أبي هريرة: “ أكثروا من ذكر هادم اللذات” أى الموت.استشعار حقيقة الموت أنه لابد أن تستقر هذه الحقيقة في نفوس الناس استقراراً ؛ حتى يكون له أثرٌ عمليٌ في حياة المسلم ، بالإقبال على الطاعات وترك المعاصي والمحرمات ، والمبادرة إلى التوبة . يجب أن نتذكر أن حقيقة الدنيا فانية. (إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَار) غافر:39. أن الحياة موقوتة ، والآجال محدودة ، والأنفاس معدودة ، ثم تأتي النهاية الحتمية ، ويحل هادم اللذات ، ومفرق الجماعات ، ثم بعد ذلك يكون الناس فريقين فإما إلى جنة عالية ، قطوفها دانية ، وإما إلى نار حامية ، نعوذ بالله من غضبه وأليم عقابه ، فكأس الموت تتذوقه كل النفوس ، وجرعته يتحساه كل حيٍ في هذه الحياة ،لا فرق بين إنسانٍ وآخر، إنما الشأن كل الشأن ما بعد هذه اللحظة الحاسمة ، من المصير الذي يستحق أن يعمل من أجله العاملون يجب علينا أن نتذكر هذه الآية الكريمة : “فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ “ لقمان:33. كذلك يجب علينا تذكر هجوم هادم اللذات ، فيندم المفرطون ويتحسر المقصرون: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} المؤمنون:99 – 100. قال الحسن البصري رحمه الله : “ما ألزمعبد ذكر الموت إلا صغرت الدنيا عنده “ هكذا كان سلف هذه الأمة ، من قوة الإيمان وشدة الخوف من عذاب الله ، مع اجتهادهم في طاعة الله ، فغريب حالنا اليوم ، كلنا قد أيقن بالموت وما نرى له من مستعد! وكلنا قد أيقن بالجنة وما نرى لها عاملاً! وكلنا قد أيقن بالنار وما نرى لها خائفاً!. وإنه ليجدر بنا أن نحاسب أنفسنا: ماذا عملنا في الدنيا ؟ وماذا عسانا أن نعمل في ما تبقى من حياتنا؟ وأن نأخذ الدروس والعبر من مرور الأيام ، فيدفعنا ذلك إلى التوبة الصادقة ، والإقلاع عن المعاصي والذنوب والاستعداد للآخرة. إن علينا أن نقف وقفة تأملٍ ومحاسبةٍ للنفوس. “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ”الحشر:18. اللهم انزَعِ الوَهَنَ وَحُبَّ الدُّنيا مِن قُلوبِنا وأَبدِل بِه يا رَبَّنا حُبَّ الآخِرَة ، نسأل الله أن يحسن خواتيمنا وأن ييسرعلينا سكرات الموت وأن يرضى علينا في الدنيا و الآخرة. اللهم انصر إخواننا في فلسطين ، اللهم ثبت أقدامهم ، اللهم تقبل شهداءهم ، اللهم إنا لا نملك إلا الدعاء لإخواننا في غزة وفلسطين ، اللهم انصرهم على أعدائهم ، اللهم عليك باليهود الحاقدين ، اللهم مزقهم كل ممزق ، واجعلهم آية لغيرهم يا رب العالمين اللهم فرج كربتهم وايد قضيتهم ، وارفع مقتك وغضبك عنا يارب العالمين . أسأل الله تعالى أن يوحد صفوف المسلمين ويعلي رايتهم. اللهم أدْخلنا الفردوسالأعْلى بغير حساب ولا سابقة عذاب ، اللهم أصلح أحوال المسلمين وارزقنا قلوباً خاشعة وأعيناً دامعة وألسنتاً ذاكرة وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيِنِ، وَالحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِيِنَ – اللهم آمين – وإلى اللقاء
إعداد أم تامر المصرى