ماكرون.. "إسلامي" أم "إسلاموي"؟!
الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون، وصف عملية قطع رأس مدرس التاريخ، الذي عرض الصور المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم بأنه “إرهاب إسلاموي” ولم يقل “إرهاب إسلامي”. راجعت عددا كبيرا من المنصات الإعلامية العربية والأجنبية التي نقلت تصريحات ماكرون : الأجنبية منها التزمت بالنص الحرفي “إرهاب إسلاموي” فيما تجاهلته العربية أو قل حرفته إلى عبارة “إرهاب إسلامي”! لماذا كان يتعين عليَ وضع هذا الاستهلال في “البرواز”؟! لأن اللغة مراوغة وأحيانا تكون مضللة وقد تشتعل الحروب بسببها أو كما قال نصر بن سيار الكناني ـ آخر ولاة بني أمية على خرسان ـ : أرى تحت الرماد وميض جمر ويوشك أن يكون له ضرام فإن النار بالعودين تُذكى وإن الحرب مبدؤها كلام فإن لم يطفها عقلاء قوم يكون وقودها جثث وهام. ولعل البعض يسأل: هل ثمة فرق بين “إسلامي ” وإسلاموي”؟! . أقول “نعم” بالتأكيد.. ولكن ما يهمنى هو ما إذا كان هذا الفرق أيضا يوجد في اللغة “الفرنسية” لأن المصطلح ورد على لسان الرئيس الفرنسي. وماكرون رئيس “مثقف” ودرس الفلسفة وكان تلميذا كما قلت في مقال سابق لفيلسوف الإنسانيات “بول ريكور” وشارك “ماكرون” بنفسه في تحرير ونقد كتابه الأشهر “، الذاكرة، التاريخ، الإنسان “. ولذا اعتقد أن ماكرون ـ هذه المرة ـ كان شديد الوعي وهو يستخدم مصطلح “إسلاموي” بدلا من إسلامي. ويظل السؤال حاضرا: هل للكلمتين معنيان مختلفان في الخطاب الثقافي الفرنسي؟! في دراسة لـ نجم الدين خلف الله بعنوان “إسلامي أم إسلاموي.. نقلات على رقعة المصطلحات” نشرت في العربي الجديد في 26 يوليو 2016 . يقول خلف الله : ” على أثر الأحداث الدامية التي ضربت فرنسا مرة أخرى، اندلعت سِجالات إعلاميَّة حادَّة حول استعمال السُّلطات الفرنسية الرسميَّة لِمُصطلحَيْ islamique (إسلامي) وislamiste (إسلاموي، مُتَطرف).” ويضيف ” فمن جهةٍ أولى، يتمثل التَّصوّرُ الثقافي، المُعَبَّر عنه بنعت: “islamiste”، الإرهابَ تشويهاً للدين الإسلامي وانحرافاً عن مَبادئه، تُفضي إليه الحَرْفية في التعامل مع النصوص التأسيسية (لقرآن والسنَّة) والتأويلية (كتب التفسير والفِقه والعقيدة)، ويُغذِّيه التعاطي الجافُّ مع بعض تعاليمه، التي توحي ظواهرها الملتبسَة، بالدعوة إلى العُنف والتحريض عليه.” وتابع ” ويُفضِّل المعبّرونَ عن هذا المفهوم استعمالَ هذا النعت باعتبار أنَّ اللاحقة iste تدلُّ، في اللسان الفرنسي، على الانتماء الخاطئ إلى مذهبٍ والمغالاة في مناصرته. فيصيرَ المفهوم مرادفاً للتطرّف والأصولية في قِراءةٍ سائدة في الأوساط المحافظة، تفسّر الانحراف بالنصوص الدينية ذاتها.. على أنَّ مزية هذا النعت أنه يسمحُ، في ذات الآن، بإخراج بقية المسلمين من طائلة الاتهام، كما يفتح المجالَ لقبول العناصر الإسلامية “المعتدلة” أريد أن أقول ـ هنا ـ إنه كان هناك تضليل متعمد وتزوير مقصود لما ورد على لسان ماكرون، ربما بسبب تنامي ظاهرة “المثقف الشعبوي” العربي الذي يبحث عن رضا الجماهير وتهييجها “وجمع الليكات”.. وربما بسبب توظيف الحدث لتصدير أزمات العالم العربي المحطم للخارج وحشد الجماهير للاشتباك في معارك بعيدة عن مطالبها الأساسية التي كانت سببا في الولوج إلى الربيع العربي. وللحديث بقية إن شاء الله تعالى