منطقة الأعراف بين الإسلام والعلمانية

ياسر أنور |

تصاعدت في الآونة الأخيرة حدة الجدل حول علاقة المسلمين الذي  يقيمون في الغرب بالمنظومة  الثقافية والمجتمعية والسياسية للبلاد الغربية التي تستضيفهم أو الذين هم جزء من نسيجها الاجتماعي، ونؤكد دائما على أن (منهج) تعامل المسلمين في تلك المجتمعات ليس (منهجا) واحدا بل هو( مناهج )و(مذاهب )شتى ، تتوقف على عدة عوامل منها :


- شكل تلك الدول ومنظوماتها العلمانية، هل هي علمانية معتدلة ، تؤمن بتعدد الثقافات Multiculturism  كالعلمانية الأنجلو سكسونية أم علمانية متشددة أو راديكالية مزيفة كالعلمانية الفرنسية مزدوجة المعايير.


- المساحة التي يكفلها القانون في التعبير عن (الهوية الذاتية)، كالحجاب و إطلاق اللحى ، وممارسة الشعائر والعادات ، فهناك دول تغض الطرف عن المظهر (السلفي) للجاليات أو للمواطنين ، حتى إنني في بروكسل عام 2002 كنت – من دهشتي – أتصور أنني  أتجول في منطقة شبرا ، لا في عاصمة بلجيكا ، وذلك بسبب تلك المساحة الكبيرة من الحرية.


ومع ذلك ، فهناك دور مهم ينبغي على المسلمين أن يأخذوه في الاعتبار وهم يعيشون في تلك المجتمعات ، وهو أن يقرؤوا واقعهم بعيونهم هم ، لا بعيون المرجعيات الإسلامية التقليدية، وخاصة تلك المرجعيات التي لا تعيش في العالم الغربي ، أو تلك التي تظن نفسها أنها تعيش في شعاب مكة ، أو تحاول أن تستعير مفردات ومصطلحات قديمة مثل دار الكفر، وتلك الحفريات الفقهية ، وتخلط بين ما هو عادة وما هو عبادة، تلك المرجعيات التي لديها سلم أولويات تقليدي أضر بمجتمعاتنا نحن  في عالمنا الإسلامي قبل أن يضر بالمجتمعات الغربية ، تلك المرجعيات التي جعلتنا نعيش على هامش التاريخ والجغرافيا والعلم.

إن قراءة  الجاليات المسلمة للواقع تعني قياس (درجة حساسية ) أو (درجة رد فعل ) المجتمعات والمؤسسات الثقافية تجاه مظاهر الهوية الذاتية، هل هناك ترحيب بتلك المظاهر، أو عدم اهتمام أو غضب (مكتوم) ، ويتصاعد، وخاصة إذا عرفنا أنه في العشر سنوات الأخيرة صدرت عشرات بل ومئات وربما آلاف الكتب والمطبوعات التي تحذر من تراجع الهوية الغربية ، أمام المظاهر الإسلامية . وفي ظل ظروف كهذي لا ينبغي، العناد و الصدام، بل يمكن اللجوء إلى القنوات الشرعية و القانونية للحفاظ على تلك المكتسبات.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو : ماذا لو لم ينصف القانون تلك الجاليات ، وأولئك المواطنين؟ في هذه الحالة سوف تختلف الرؤى والأطروحات، لكنني  أتصور أن فقه الضرورة ينبغي أن تعاد قراءته مرة أخرى، بمنظور واقعنا لا بالمنظور القديم، وبدلا من أن تكون إما هوية إسلامية أو هوية علمانية ، فهناك منطقة أخرى ، هي منطقة ( الأعراف ) بالتي لا تقع بين الجنة والنار، لكنها منطقة (الأعراف ) التي تقع بين الإسلام والعلمانية ، أو بين أي منطقتين لا يمكن أن تلتقيا ، فإذا صدرت قوانين تجرم الحجاب مثلا ، فيمكن ارتداء ما يشبه القبعة ، وهكذا في سائر مناطق الصدام .

وقد أشار القرآن إلى فقه الضرورة في أكثر من آية ، في قوله تعالى : فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه ، وقوله تعالى : إلا ما اضطررتم إليه. لكن هذه (الضرورة ) أو (الاضطرار) لا يمكن أن تكون داخل الإطار الفقهي والأصولي القديم ، لاختلاف السياق الثقافي و الاجتماعي، وخاصة أن لدينا قاعدة : ارتكاب أخف الضررين، أو يتحمل الضرر الأخف منعا من ارتكاب الضرر الأشد ، هذا الفقه مارسه النبي صلى الله عليه وسلم في مكة و المدينة ، وفي مختلف الظروف. أما الذين يصرون على العناد، والمثالية المزيفة التي لا توجد أصلا في عالمنا الإسلامي، فربما يغيرون مواقفهم عندما ترتطم الرؤوس  بالحائط.

 

اترك تعليقاً