من إعداد كوليت زينة ضرغام |
اختار مهرجان العالم العربي في مدينة مونتريال لنسخته الحادية والعشرين هذه السنة واقع المسرح في لبنان ودوره في إعادة رسم ملامح شعب عظيم على حسب القول المأثور، الذي اختلف المؤرخون في تحديد هوية صاحبه، “أعطني مسرحا أعطيك شعبا عظيما”. هذا لأن ما يعّد أبا الفنون يحتّل نقطة البداية، لا في تحريك و تطوير الثقافة الشعبية فحسب، بل هو أيضا مصدر الشرارة التي تلهم الإنسان الإبداع و تدفعه نحو الرقيّ الفكري.
الفن الرابع هو أكثر من ذلك لابن صور في الجنوب اللبناني الممثل والمخرج قاسم اسطنبولي. المسرح بالنسبة لهذا الأخير هو الأداة التي سيتغلّب بها شباب لبنان المثقف على الطغمة الحاكمة ويغيّرون وجه الأمة إلى الأفضل. يقول مؤسس “المسرح الوطني اللبناني” و”جمعية تيرو للفنون” و”فرقة مسرح اسطنبولي” في الفيلم الوثائقي “مش ضروري” الذي سيعرضه غدا مهرجان العالم العربي: إنني أؤمن بقدرة المسرح على بناء الأوطان وتغيير الطبقة الحاكمة بأخرى تحكم بحسب كفاءاتها وعلومها وقدراتها…نحن محكومون بالأمل، متمسّكون بالحب…سنظّل نعتلي المسارح…سنظّل نقدّم فنا وفكرا.
اختار مهرجان العالم العربي عنوانا مثيرا هو “كان يا ما كان في جنوب لبنان” لطاولة مستديرة افتراضية في إطار باقة أنشطة صالونه الثقافي، تقام يوم غد السبت عبر تطبيق زووم ويرعاها راديو كندا الدولي. تسلط الندوة، التي تجمع عددا من المنضوين في “جمعية تيرو للفنون” بالإضافة إلى مؤسسها، الضوء على نشاط الجمعية التي تأسست في العام 2014 وتأثيرها في المجتمع اللبناني.
يذكر أن مسرح جمعية تيرو يعّد سباقا في مجانية عروضه واستقدامه لأكثر من 42 فرقة وفنانا أجنبيا أحيوا عروضا مسرحية وفنية وثقافية على مدى السنوات الماضية. ويؤكد قاسم اسطنبولي في حوار أجريته معه عبر الهاتف بأن جمهور مسرحهم خاص جدا لأنه ذات بنية ثقافية واجتماعية متعددة وغير متجانسة. يقول اسطنبولي عن مجانية عطاء المنضوين في جمعية “تيرو” الغير ربحية، التي تضم عددا كبيرا من الأطفال والشباب الذين يتدربون على الفنون المسرحية: إننا نتعاون اليوم مع منظمة اليونيسكو الأممية وغيرها من المنظمات الثقافية الدولية التي لحظت النشاط الاستثنائي لجمعيّتنا وبدأت بمدّ الدعم والمساعدة لنستمّر في العطاء والبقاء”.
تضّم “جمعية تيرو للفنون” بين أعضائها الناشطة الثقافية الإسبانية التي تعيش في مدريد آنّا سانديرو ألفاريز وهي المسؤولة عن تنظيم المهرجانات الدولية التي تحييها الجمعية في جنوب لبنان وفي مدينة صور تحديدا. وهي ستّحل أيضا ضيفة غدا على منصة مهرجان العالم العربي الالكترونية.
كان يا ما كان في جنوب لبنان
فيلمان وثائقيان يلّخصان نشاط “جمعية تيرو للفنون” و”المسرح الوطني اللبناني” يعرضان قبل بدء الطاولة المستديرة غدا، الأول بعنوان “شغف” والثاني بعنوان “مش ضروري”. في “شغف” يتابع المشاهد شغف عائلة “تيرو” في إعادة ترميم ثلاث صالات سينمائية في جنوب لبنان، هذه الصالات التي تتحول إلى مسارح تزخر بالعروض المجانية والتفاعل مع حضور متعدد الهويات الثقافية. وبناء الأوطان يبدأ ببناء المسارح وتشييد المنصّات الثقافية التي تعزز التفاعل والتناغم والانسجام بين أبناء أمة متعددة الأطراف والمذاهب.
وفي الوثائقي التسجيلي “مش ضروري” نتعرّف إلى حلم طالب المسرح قاسم اسطنبولي منذ نعومة أظفاره بالصعود على خشبة المسرح وإطلاق العنان لخياله لرسم ملامح وطن خال من الحروب والويلات، في رسم وطن تكبر مسافات الأمان والحرية فيه وتقّل مساحات الظلمة والسواد والطغيان. يؤمن من لُقّب بفنان القضية وفنان الشارع المتوّج مؤخرا في مهرجان شرم الشيخ للمسرح الشبابي كأفضل شخصية مسرحية للعام 2019، يؤمن على غرار المسرحي الفرنسي الأشهر كاتب الرائعة الأدبية “البؤساء” فكتور هوغو بأن المسرح هو شخص ما، إنه صوت يتكلم، روح تُنير وضمير يُحذر.
ولعّل ما يلفت انتباه المشاهد في هذا الوثائقي هو ما قاله طلاب وطالبات المسرح في جمعية تيرو الذين تتلمذوا على يد اسطنبولي. فقد أجمع هؤلاء على أن المسرح أكسبهم ثقة كبيرة بالنفس وحرّية في التعبير كما شكّل لهم فضاءً رحبا يعيشون في أجوائه السلام والحرية والوئام والتناغم والانسجام. يُلفت أيضا الانتباه ما قاله عدد من الفتيات المنضويات في الجمعية وتقول إحداهن للكاميرا في كلام مؤثر جدا: لا نريد كفتيات أن نقبع في بيوتنا من دون عمل ومشاركة فعالة في المجتمع…ترغبن الفتيات في أن يكون لهّن دور ومكانة و”قيمة مضافة” في مجتمعهن.
ينعي اسطنبولي على لسان تلامذة مسرحه عدم إدراج المسرح في المنهاج التربوي المدرسي في الوقت الذي تخصص فيه حصص لدروس الدين. فالمسرح لرواده هو الصرح الذي تهّذب بين جدرانه العقول ويُصقل الفكر وتبنى ايديولوجيات الأوطان المتقدّمة وترتقي الحضارات الانسانية إلى مشارف الابداع والكمال.
(وكالة الصحافة الكندية / راديو كندا الدولي)