محامي أحد الرؤساء وضع “لائحة أسعار” لكل سفارة، منها 250 ألف دولار لمنصب سفير لدى كوستاريكا
لندن – كمال قبيسي |
من منا لا يرغب أن يكون سفيرا للولايات المتحدة؟ حيث يوفرون لك سكنا فاخرا شديد الحراسة، ومكانة اجتماعية غنية بالأبهة ومرموقة، إضافة لراتب سنوي قد يصل مع الامتيازات إلى مليون دولار. كما يسددون عنك رسوم أفضل المدارس والجامعات الخاصة لأبنائك، مع أسلوب حياة دبلوماسي مريح ومسيل للعاب في عواصم سياحية بأوروبا ومنطقة بحر الكاريبي، لأن باستطاعتك شراء منصب سفير الدولة الوحيدة التي تبيعه بالعالم، وهي الولايات المتحدة، بشرط أن تكون من المتبرعين ولو بمليون دولار للحزب الديمقراطي أو خصمه الجمهوري.
ومع أن المفترض أن تكون هذه “التجارة” ممنوعة بقوة وعقابها النزول “ضيفا” في سجن محلي، كما في أي دولة، إلا أن الكونغرس الأميركي وافق عليها منذ زمن بعيد، طبقا لما ألمت به “العربية.نت” مما نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، واستندت فيه الثلاثاء الماضي إلى معلومات كثيرة واردة بكتاب ألفه Dennis Jett الدبلوماسي البالغ 75 سنة، والمتقاعد في الخارجية الأميركية، بعد أن كان سفيرا لدى البيرو والموزمبيق.
أول سفير نال المنصب بالتبرع
يقول “جت” في كتابه American Embassadors ما كرره للصحيفة أيضا، من أن الولايات المتحدة “هي الدولة الوحيدة التي تمارس الأعمال التجارية بهذه الطريقة في العالم، فلا أحد له سوق مفتوحة للسفارات غيرنا، ولأننا نؤمن بالرأسمالية، فإننا نعرض هذه الأكشاك للبيع حتى في موقع eBay للمزاد”، وفق تعبيره.
ولا أحد يعرف تماما متى بدأ “تعيين سفير لقاء التبرعات” في الولايات المتحدة، لكن المتوافر من معلومات، يشير إلى أن عملية “بيع” تمت في 12 يونيو 1920 بجناح في فندق اسمه Blackstone بشيكاغو، تفاوض فيه سماسرة السلطة من الحزب الجمهوري لاختيار مرشح رئاسي مقبول، واستقر الرأي أخيرًا على السيناتور Warren G. Harding المدعوم بتبرعات مالية من رجل أعمال اسمه “جورج هارفي” ساهم قبلا وبقوة في وصول Woodrow Wilson إلى البيت الأبيض قبل هاردينج الذي كان أول ما فعله حين فوزه، هو تعيين رجل الأعمال سفيراً للولايات المتحدة في لندن.
صورتان لجورج هارفي، أول متبرع عينوه سفيرا، إلى اليمين في 1914 وإلى اليسار في 1923 بلندن في العاصمة البريطانية تحول هارفي، الناشط أميركيا بالنشر والصناعات المتنوعة، إلى أضحوكة للإعلام المحلي، ففي إحدى المرات ظهر مرتديًا زي وزير من القرن الماضي، أي بسروال من الساتان بطول الركبة. كما ألقى كلمة في أحد النوادي، تساءل فيها عما إذا كانت للنساء أرواح، وفي ثانية زعم أن الولايات المتحدة قاتلت في الحرب العالمية الأولى، لذلك تلقى من الانتقادات ما ضاق به صدر الرئيس وارن هاردينغ، فنأى بنفسه عن آراء سفير قام هو بتعيينه.
ومرت أعوام، اضطر بعدها الكونغرس في 1924 إلى إقرار القانون المعروف باسم Rogers Act للآن، وهو قانون قبل بتعيين سفير لقاء التبرع، مع أن إقراره كان محاولة لإنشاء هيئة مهنية من الدبلوماسيين المحترفين، وفقا لما قرأت “العربية.نت” بسيرته المتوافرة أونلاين. مع ذلك، ازداد إغراء مكافأة الحلفاء السياسيين بالسفارات لقاء التبرع، إلى درجة تم معها تعيين صاحب فندق سفيرا للولايات المتحدة لدى الاتحاد الأوروبي، فقط لأن Gordon Sondland تبرع بمليون دولار للجنة التي نظمت حفل تنصيب ترمب. كما أن محامي الرئيس الراحل ريتشارد نيكسون وضع “لائحة أسعار” واضحة وصريحة لكل سفارة، منها 250 ألف دولار لمنصب سفير لدى كوستاريكا، ثم نفى لاحقًا قيامه بذلك أمام هيئة محلفين كبرى.
متبرع فكر بإدارة سفارته عن بعد
ثري آخر من المتبرعين، هو George Tsunis المالك أيضا لفندق، جمع مليونا و300 ألف دولار لحملة أوباما، فرشحه سفيراً لدى النرويج، ولما استدعوه إلى جلسة استماع خاصة بالتثبيت في الكونغرس، اتضح أنه لا يعلم حتى البديهي من المعلومات عن النرويج، لذلك مدد مجلس الشيوخ مهلته أكثر من عام للإعلان عما إذا كان سيوافق على توليه المنصب، وخلالها تعب تسونيس واستسلم، فيما استقال 3 من أنصار أوباما، ممن اجتازوا عملية التأكيد لتعيينات أخرى، بسبب تقارير لاذعة حول أدائهم من المفتش العام لوزارة الخارجية.
المفتش العام نفسه، وخلال رئاسة ترمب، وصله صدى تصريحات عنصرية وجنسية أزعجته، صدرت عن Woody Johnso الذي تبرع بمليون دولار وأصبح سفيرا في لندن. كما من المعروف أن Jeffrey Ross Guntner المتبرع الذي تحول إلى سفير في أيسلندا، أراد إدارة السفارة عن بعد من ولاية كاليفورنيا، أثناء جائحة “كورونا” المستجد، فيما أمضت Kelly Craft السفيرة الحالية لدى الأمم المتحدة أكثر من 300 يوم في السفر خارج البلاد خلال جولتها القصيرة في كندا كمتبرعة تحولت إلى سفيرة.