قنبلة إيران النووية
بقلم محمد عادل - كاتب و محلل سياسي كندي مصري
يسير المشروع النووي الإيراني بخطى ثابتة نحو تحقيق الهدف برغم الظروف الصعبة والمعقدة التي تواجهها إيران من التعنت الأمريكي والتحدي الصهيوني وضعف دول الإتحاد الأوروبي في مواجهة الولايات المتحدة سواء بالضغط عليها أو إقناعها بمهادنة إيران واستخدام الدبلوماسية بدلا من سياسة العقوبات والتي رغم قسوتها لم تثني إيران عن المضي قدما في مشروعها النووي بل تحقيق تقدم ما كانت إيران لتصل إليه حال وجود إتفاق نووي يلزمها بما هو من وجهة نظر المجتمع الدولي الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين .
قادة إيران ماضون في مشروعهم نحو تسليح أنفسهم في كافة المجالات البرية والبحرية والجوية ثم إضافة أهم عنصرين أساسيين في معارك الأسلحة المشتركة الحديثة وهما إنتاج وتطوير الصواريخ الباليستية القصيرة والمتوسطة المدى والتي قطعت فيها شوطا طويلا وأظهرت من خلال مناوراتها الحربية المتكررة تفوقا كبيرا في دقة وفعالية هذه الصواريخ . كما أنها تعكف الآن على تطوير مدى هذه الصوارخ ليصيب أهدافا بعيدة المدى مما يقلق قادة إسرائيل من هذه القدرة التدميرية الصاروخية التي أصبحت متوفرة لدى ترسانة الصواريخ الإيرانية.
العنصر الآخر وهو الذي يجمع التكتل الدولي لدول تقودها الحركة الصهيونية متمثلة في إسرائيل والتي يتحكم اللوبي الصهيوني الداعم لها في القرار الأمريكي وبطريق غير مباشر في مواقف الإتحاد الأوروبي وروسيا الاتحادية , هذا المشروع النووي الإيراني له تاريخ طويل يمتد إلى عصر الشاه محمد رضا بهلوي والذي قام بتأسيس مركز طهران للبحوث النووية عام 1967 وبعدها بعام واحد تم إنضمام إيران لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية .
بعد أن تفجرت الثورة الإسلامية وتخلصت أيران من نظام الشاه أعلنت الجمهورية الإسلامية والتي وضع لها دستورا إسلاميا وضح طموحات إعادة الامبراطورية الفارسية المهيمنة على مجموع الدول المحيطة بالدولة الإيرانية والتي تم الكناية عنها أي الإمبراطورية الفارسية بعبارة نشر الثورة الإسلامية ويقصدون إمتداد هذه الثورة إلى كافة الدول التي تستطيع السلطة الإيرانية بسط نفوذها عليها , في هذه المرة تم إستعاضة إسم الإمبراطورية الفارسية بإسم جديد أكثر حنكة وذكاء لأن يتقبله شعوب الدول الإسلامية وهو مصطلح الثورة الإسلامية . أيضا لتأكيد هذه الأفكار التي نص عليها دستور الجمهورية الإسلامية تم وضع شكل جديد لنظام الحكم والذي يعتمد على نظرية ولاية الفقيه والذي بمقتضاه يصبح منصب المرشد الأعلى للثورة الإسلامية هو أية الله الخميني ثم من يرثه ويكون الرئيس من طائفة الملالي أو غيرهم بشرط العمل تحت مظلة المرشد الأعلى ومبادئ الإسلام الإثنى عشر .
عانت إيران في صراعها مع معظم الدول الإسلامية بسبب إختلاف العقيدة وما لبثت الحرب العراقية الإيرانية أن اندلعت والتي كانت حربا بالوكالة اشتركت فيها دول الخليج وإسرائيل والولايات المتحدة ودول الإتحاد الأوروبي . كانت معظم الدول الداعمة تسلح طرفي الحرب من النظامين في طهران وبغداد في آن واحد حيث كان صدام حسين يمثل تهديدا لدول الخليج ولإسرائيل ويملأ الدنيا صياحا , بعد إنتهاء الحرب إعتقدت دول العالم أن إيران التي أنهكتها حرب طالت ثماني سنوات قد إنتهت وأنها تحتاج إلى عقود من الزمان لتستعيد قوتها الإقتصادية ومن ثم القوة العسكرية التي تضمن لها تنفيذ مشروعها الثوري .
إستطاعت إيران وعلى عكس كل الدراسات أن تضمد جراحها سريعا معتمدة على النفط وشرعت في بناء وتنظيم دولة قوية متينة البناء كان أهم عوامل نجاحها إنعدام الفساد وسرقة أموال الدولة والمحسوبية وغيرها من عوامل إنهيار أوطاننا العربية التي يحكمها زمرة من الحكام لا يألون جهدا في سرقة أقوات الشعوب والتفريط في ثروات الوطن واغتصاب الحقوق لذلك نجد الدول العربية ضعيفة ومعظمها يتسول على المجتمع الدولي مما يوقعها تحت السيطرة بسهولة وهذا ما دفع إيران أن تجد مناخا مناسبا للتدخل لإحتلال العراق من خلال حكم الشيعه حيث أصبحت مناطق النجف وكربلاء والبصرة كأنها مدن إيرانية يحكمها ملالي الإثنى عشرية , أيضا تم السيطرة على لبنان من خلال تقوية حزب الله الإثنى عشري والذي يسيطر بالإنابة عن حكام طهران على الحياة السياسية في كافة أنحاء الدولة اللبنانية , ثم إنتقلت جهود إيران إلى سورية واليمن محققة نجاحا كبيرا في سيطرة طوائفها الشيعية والزيدية والعلوية على شعوب هذه الدول , لا نستطيع أن ننكر ذكاء وحنكة إيران في سيطرتها على هذه الدول من خلال الأقليات الشيعية ولا يوجد ظهور رسمي لأي قوات أو أساطيل إيرانية بل أن المسئولين هناك في طهران لا يتفاخرون بتغلغلهم وسيطرتهم على دول العرب وبلوشستان الباكستانية وأجزاء من مناطق الشيعة الحزارة في أفغانستان , بالعودة إلى القوة العسكرية لإيران فقط يجب ان نشيد بهذه الحكومات التي تعتمد على إتباع الشريعة الإسلامية حتى وإن كانت بفكر منحرف عن معتقدات أهل السنة والجماعة لكن هذا يثبت أن مبادئ الدين هي أفضل إدارة لشئون البلاد وتحقيق دولة ناجحة .
حكام ايران نجحوا في أقامة صرح صناعي عظيم يحقق لهم إكتفاء ذاتي وكذلك تقدم في مجالات الزراعة والتجارة والتصدير علاوة على ثرواتها من النفط . من الناحية العسكرية قطعت إيران شوطا كبيرا في صناعة التسليح بل تفوقت في إنتاج الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة والآن أصبح تركيزهم على تطوير السلاح النووي هو الهدف الذي سيصل بإيران إلى مصاف الدول النووية ومن ثم استكمال مشروعها التوسعي , بدأ المشروع النووي باسئناف العمل في محطة بوشهر وذلك في إتفاقية بين إيران وروسيا عام 1995 , ثم بدأ المشروع في التمدد مما دعى مجلس الأمن أن يحظر تزويد إيران بالمعدات اللازمة لتخصيب اليورانيوم وصناعة الصواريخ الباليستية .
منذ تولي الرئيس روحاني الرئاسه عام 2013 أخذت إيران منحى أكثر حكمة ودهاء في التعامل مع المجتمع الدولي لإعطاء إيران الحق في تخصيب اليرانيوم والذين يزعمون أنه للإستخدام في توليد الطاقة لإغراض سلمية . تعلم إيران تمام المعرفة أن أحدا لا يصدقهم في سلمية مشروعهم وأنهم يسعون لإمتلاك قنبلة نووية وتحميل رؤوس صواريخهم بقنابل إنشطارية وهذا ما ترتعد له فرائس هؤلاء الذين يقتلون شعبنا في فلسطين .
منذ تولي روحاني بدأت مباحثات دول خمسة زائد واحد وهم الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن أمريكا وروسيا والصين وفرنسا وإنجلترا يضاف إليهم ألمانيا , تم التوصل لإتفاق إعتبرته إيران نصرا ذهبيا حيث تم الإقرار باستمرار إيران في تخصيب اليورانيم ولكن بنسبة 3.67 في المائه وهي التي فقط يمكن بها الإستخدام في مفاعلات توليد الطاقة الكهربائية , لكن مقابل ذلك تم الإفراج عن الأموال المجمدة لدى أمريكا ودول الإتحاد الأوروبي والتي بلغت المائة مليار دولار كان جزءا كبيرا منها نقدا , لا يخفى على الخبراء أن سر سعادة إيران بالإتفاق هو قدرتها على إخفاء قدراتها الحقيقة في تخصيب اليورانيم عن أعين المفتشين الدوليين وهذا ما دعى الموساد الإسرائيلي للتجسس لمعرفة حقيقة القدرات الإيرانية والتدخل بالعدوان المتكرر مثل تدمير مصنع ناطنز المخصص في إنتاج أجهزة الطرد المركزي واغتيال العالم النووي البارز محسن فخري زادة , كان وصول ترامب إلى رئاسة الولايات المتحده فاتحة خير على المشروع النووي الإيراني حيث أنه إرتكب خطءا فادحا باستماعه لنصيحة نتنياهو بالانسحاب منفردا من معاهدة جنيف خمسة زائد واحد والذي أعطى لإيران حق مخالفة الإتفاق وزيادة عملية التخصيب الذي وصل إلى عشرين بالمائة حسب زعمهم وذلك رغم مرارة العقوبات التي إستوحشت وألمت أضرارا كبيرة بالإقتصاد الإيراني ووضعت الشعب في معاناة كبيرة .
حاول ترامب جاهدا أن يعاود الإتفاق من جديد ظنا منه أن ضغط العقوبات سيخضع إيران للإنصياع له لكنه قوبل بتعنت شديد ورفض التعامل مع إدارته حتى سقوطه المزري في مواجهة الدبلوماسية والخبرة السياسية المتمثلة في الرئيس الحالي جو بايدن الذي لم يخفي يوما أنه بصدد الإعداد للعودة للإتفاق مع إيران وهذا يغضب إسرائيل وعلى إستحياء قادة دول الخليج الذين لا ينامون ملئ جفونهم توقعا منهم بتغيير كبير في سياسة البيت الأبيض حيالهم .
دعنا نري ماهية القوة الإيرانية بتركيبها المعقد وما هو الهدف الحقيقي لهذه القوة , إيران بوضعها الحالي لا ينقصها سوى تحسين وضعها الإقتصادي فهم يملكون القوة الكافية لإحداث زلزال في الدول المعنية لهم والتي تحوي أقليات شيعية ولم تزل سيطرتها بعيدة عن وضع اليد على هذه الدول . هذه نقطة ضعف كبيرة إذ أن كافة دول الخليج المطلة على الخليج الفارسي تحوي تركيبة كبيرة من طوائف الشيعة والذين ينتظرون إشارة إيجابية لفصل أجزاء كبيرة من هذه البلاد ليصبح جزءا من الجمهورية الإسلامية .
يجب أن نكون واقعيين لنسلم بأن إيران في طريقها لتصنيع وإمتلاك السلاح النووي وأنها في سعيها لإمتلاك هذا السلاح ليس لتوجهه إلى إسرائيل كما يزعم قادتها بل سيتم ضم كل دول الخليج إلى عبائتها وأن ذلك سيكون جزءا مخفيا في أي إتفاق قادم مع الولايات المتحدة كما حدث من قبل وإنسحبت أمريكا من العراق وأخذت إيران في وضع أقدامها بكل أريحية حتى الآن .
الإتفاق النووي الجديد يعني تقسيم المنطقة جغرافيا وإعطاء إيران أفضلية في بعض المناطق على الأجل الطويل وستكون البداية في اليمن الذي سيتم تقسيمه إلى دولة الجنوب الموالية لإسرائيل والتي تشرف على باب المندب الذي تطمح إسرائيل للسيطرة عليه تأمينا لوصولها للمحيط الهندي من خلال البحر الأحمر ودولة الشمال التابعة لإيران وجزيرة سقطرى التي يقام عليها قاعدة عسكرية إسرائيلية . قنبلة إيران النووية لن تنفجر في وجه أحد لكنها الطريق الأمثل لتفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد .
يجب ألا ننسى أن إندلاع ثورات الربيع العربي قد إندلعت جميعها في عهد الرئيس السابق باراك أوباما وأنه قد تم إفشالها جميعا بواسطة هذه الإدارة وتم إبدال الأنظمة الاستبدادية بأنظمة أخرى فاشية أفقرت شعوب المنطقة وأقامت حروبا طاحنة ليصبح تسعون في المائة من اللاجئين على مستوى العالم من الشعوب العربية . وأن هذه الإدارة الجديدة لجو بايدن هي نفس الإستراتيجية التي هدفها استكمال تدمير النسيج التركيبي للدول العربية فلن يعملوا على نصرة الشعوب ولكن سيرتدون ثوب الرحمة والحرية للقضاء على ماتبقى من إرث الشعوب . لذلك إذا جاء الإنقسام والتقسيم فلن يقابل بالمقاومة من هذه الشعوب التي أصبح همها الكبير لقمة العيش تحت أي مظلة ولنا في شعب السودان خير مثال والذي لم يبدي أي إعتراض على التطبيع مع الكيان الصهيوني والذي أصبح كل همه سعر قنينة الزيت .
نعم قنبلة إيران النووية قادمة ونعم التهديد بها وارد مع أن قدراتها الصاروخية قادرة على إحتلال الرياض خلال ساعات قليلة إذا ما رفعت أمريكا يدها عنها . بقي لنا أن نقول أن من حق إيران أن تتسلح وأن تكون قوة عظمى مادام فيها رجال مخلصون لقضيتهم لا يسرقون ولا يبنون القصور بل يبحثون عن عظمة إمبراطورية يعتقد الكثير أنها إنقرضت ولكن جينات ملالي إيران تحمل صفات الملك قورش العظيم أول من خرج عن حدود فارس ليقيم الإمبراطورة الفارسية قبل ميلاد السيد المسيح عليه السلام .
أختم مقالي بأن إيران ما وضعت يدها على شعب إلا اوصلته للفقر والمرض والمجاعة ولنا في اليمن والعراق وسوريا درسا وعبرة .