محمد عبد الحكم دياب
كاتب من مصر
ملاحظات على اجتماع قادة العراق ومصر والأردن
جاء اجتماع قادة العراق ومصر والأردن في بغداد الأسبوع الماضي؛ تلبية لرغبة أمريكية، بدعوى التخفيف من الضغوط الداخلية والخارجية على نظم الحكم الثلاثة، وجاء خطاب «المشير السيسي» مفاجئا على غير العادة، رغم خطايا وتجاوزات أضاعت الثقة فيما يصدر عن السلطات المصرية العليا؛ وهي بطبيعتها لا تستقر على حال، وخطابها الرسمي؛ انهزامي متهافت، ولغته بلا لون ولا طعم ولا رائحة، وجالبة للمصائب، من التنازل عن المقدرات المصيرية العربية طوعا للإدارات الأمريكية المتعاقبة؛ من سبعينيات القرن العشرين، حتى مهرجانات التطبيع والصهينة التي غلبت على الحياة السياسية، ولم تَبْدُ محاولة واحدة لاستعادة ما تم التنازل عنه، وهذا حالَ دون قيام علاقة صحية ومتكافئة بين الحاكم والمواطن.
ومنذ اعتلى «المشير السيسي» سنام الحكم عرفيا في 3 يوليو 2013، ورسميا من مايو 2014، وهو مستمر في تهميش والتقليل من شأن الشعب ودوره، ومفاجأة خطاب بغداد الأسبوع الماضي؛ حين قال «نأمل أن تكون بحق تدشيناً لمرحلة جديدة من الشراكة الاستراتيجية والتعاون الوثيق بين بلداننا سعياً نحو الانطلاق خلال السنوات القادمة الى مرحلة التنمية المستدامة والرخاء لشعوبنا، فضلاً عن المساهمة في دعم العمل العربي المشترك، والعمل على صيانة الأمن القومي العربي. فمصر تسعى لخير المنطقة وشعوبها، وتمد دائما جسور التعاون والإخاء لمحيطها العربي(!!).
أين هو ذلك العمل العربي المشترك؟، وأين الجسور، وفلسطين تذبح في كل لحظة من الوريد إلى الوريد، وكانت فيما مضى هي المبتدأً، والمقاومة هي الخبر.
وكعادة «المشير» في داخل مصر، وفي زياراته الخارجية؛ يصب اهتمامه على طلب المال؛ ففي الداخل يحصل عليه عنوة بجبايات، ويُجبر المواطن على دفع تكاليف الخدمات الضرورية؛ ماء وغاز وكهرباء مقدما، وقد تكون مصر هي البلد الوحيد في العالم، الذي يُعامل شعبها بهذه الطريقة المتخلفة وغير القانونية وغير الأخلاقية، في أي بلد نصف متحضر، وخارجيا يحصل على المال بالديون والقروض والمعونات العربية والأجنبية، وسرعان ما تتبدد بالصرف على مشروعات «مزاجية» ومعها يتفنن في أساليب الاتهام والملاحقات الأمنية، مع «إسهال» تشريعي وقانوني، يتولاه «ترزية» متربصون بالمواطن لإذلاله، ولكن في الحقيقة إن ذلك التناقض عنوان للارتباك وفقدان الاتجاه، المصاحب لأعمال أو منجزات اقتصادية وعسكرية وإنشائية؛ طوال السنوات السبع الماضية.
وبدأت المشروعات بتفريعة قناة السويس، ثم صفقة تيران وصنافير، وإدمان الاقتراض من دول النفط في الجزيرة العربية والخليج وسيل الديون الذي لا يتوقف، ومعها حلت طامة المياه الكبرى، وامتنع «المشير» حتى عن الانسحاب من اتفاق المبادئ المشؤوم، وقد يكون وراء السبب صفقة وتواطؤ خفي لموقف مريب؟ وكان الأسهل تحمل المسؤولية والاعتراف بالخطأ، والعمل على تصحيحه؛ وسحب الغطاء الذي اعتمدته إثيوبيا في الاستيلاء على النيل الأزرق الرافد الأساسي الممتد الذي يمد دولتي المصب بالمياه، وكان ذلك وثيقة ألغت الاتفاقيات السابقة، وصادرت حقوق السودان ومصر في حصصهما المائية.
هذه تجاوزات قانونية وأخلاقية يعرفها المصريون، ويُجبرون على الالتزام بها، وتقام مهرجانات الإعلام الخصوصي تشيد بها، وكشف السفير الأسبق حسين هريدي السبب وراء اجتماع بغداد، وقال عنه لدعم وترسيخ عروبة العراق «في مواجهة التحديات الخارجية والداخلية» وفاقد الشيء لا يعطيه.. وماذا عن عروبة مصر؟، وأين ذهبت ومَن شيَّعها، حتى صارت ذكرى من الماضي؟، وأكد هريدي «أن الزيارة تعد تأييداً ومساندة للعراق وعروبته، ولرئيس الحكومة العراقية في وجه الاستفزازات والضغوط المدفوعة من إيران حاليا»!!، والمعنى واضح هو الاستجابة للتوجهات الأمريكية، لحصار إيران، وإحكام الحصار على سوريا(!!).
لم تتطرق الزيارة إلى المقاومة في ظروفها الصعبة التي تمر بها، والجهد المبذول لوأد الهبة المقدسية، وتعكس تناقضات الموقف الرسمي المصري، وحال التيه الذي تعيشه السياسة المصرية
وحسب موقع دويتشة فيله الألماني عددت الباحثة «حفصة حلاوة» من معهد الشرق الأوسط، فوائد اقتصادية حقيقية من هذا «التحالف العربي»؛تتعلق بـ«دبلوماسية الطاقة» وأضافت «ثمة اعتقاد بأن تعزيز مثل هذه العلاقات يؤدي إلى تنشيط الدور الأمريكي في المنطقة»!!. وتابعت: «الأمل يبقى في أن بعض جوانب هذا التحالف يمكن أن تسحب العراق قليلا من فلك النفوذ الإيراني»!!.
ومن جانبها وصفت واشنطن الزيارة بـ«التاريخية» وأصدرت الخارجية الأمريكية، بيان ترحيب باجتماع بغداد. وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية الأحد الماضي (27/ 06/ 2021): «ترحب الولايات المتحدة بالزيارة التاريخية التي قام بها رئيس مصر وملك الأردن إلى بغداد اليوم» وأضاف: «تعد هذه الزيارة خطوة مهمة في تعزيز العلاقات الاقتصادية والأمنية الإقليمية بين مصر والعراق والأردن، ودعم الاستقرار الإقليمي» ومن جانبه قال المتحدث الرسمي للرئاسة المصرية، أن القمة تطرقت إلى أبرز القضايا والملفات الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، خاصة مستجدات القضية الفلسطينية، حيث أكد القادة الثلاثة على دعم الشعب الفلسطيني للحصول على حقوقه المشروعة، بما فيها إقامة دولته المستقلة وفق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة(!!).
ولم تتطرق الزيارة إلى المقاومة في ظروفها الصعبة التي تمر بها، والجهد المبذول لوأد الهبة المقدسية، وتعكس تناقضات الموقف الرسمي المصري، وحال التيه الذي تعيشه السياسة المصرية، فمن ناحية تشارك القوات المسلحة المصرية في مناورات بحرية، وُصِفَت بأنها الأكبر لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في البحر الأسود، وتحمل من الاستفزاز المباشر لروسيا الكثير، ومن أوجه التناقض الغريبة؛ مشاركة مصر الرسمية لروسيا في الفترة من 17 إلى 24 نوفمبر الماضي (2020) بقوات بحرية؛ وُصِفت في وقتها بالأولى من نوعها في البحر الأسود، ومن أكبر المناورات العسكرية البحرية في تلك المنطقة، وشملت مهام قتالية وحربية مختلفة، وقالت مصادر عسكرية مصرية أن أحد أهداف المناورات منع تهريب السلاح!!، أي سلاح؟ من أين يأتي، وإلى أين يذهب؟.
ويفسر الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء حمدي بخيت وعضو مجلس النواب لـ«العربية؛ معنى الرسالة التي أفصحت عنها المناورات؛ كانت واضحة ومفهومة ولا لبس فيها، «وهي أن العلاقات بين مصر وروسيا وصلت لأعلى مستوى من الناحيتين العسكرية والاستراتيجية، وأن القدرات العسكرية المصرية كبيرة وقوية وجاهزة للردع، وأذرعها طويلة حتى خارج حدود البلاد» إذن لماذا تغير الحال في شهور معدودة وانقلب للعكس، وتشارك مصر ثلاث دول عربية أخرى؛ تونس والإمارات والمغرب، في مناورات مضادة واستفزازية.
وقالت عنها صحيفة «إسرائيل اليوم»؛ إنها مناورات بحرية ضخمة، باسم «نسيم البحر» وتُجرى بمشاركة 5 آلاف عسكري، و32 سفينة حربية، و40 طائرة، وعدد من فرق القوات الخاصة (كوماندوز) بلغ 18 فريقا، وهذا جعل منها «أكبر تدريبات مشتركة منذ عام 1997، وبدت كبيان عملي، أو «بروفة» حرب فعلية يشنها حلف الناتو ضد روسيا، ويعزلها عن الصين، وما معنى دخول دول عربية أربع في صراع بين قوى ودول نووية عملاقة؟، والدول العربية المشاركة «ليس لها في العير أو النفير» ووصف المناورات بالحدث الهام لحلف الناتو، على الرغم من مشاركة عشرات من الدول غير أعضاء الحلف بصفة مشارك أو مراقب.
والدول المشاركة هي الولايات المتحدة وأوكرانيا وبريطانيا و(إسرائيل) وألبانيا وأستراليا والبرازيل وبلغاريا وكندا والدنمارك ومصر وإستونيا وفرنسا وجورجيا واليونان وإيطاليا واليابان. بالإضافة إلى لاتفيا وليتوانيا ومولدوفا والمغرب والنرويج وباكستان وبولندا ورومانيا والسنغال وإسبانيا وكوريا الجنوبية، وأعلنت البحرية الأمريكية أن المناورات تستغرق 12 يوما، وتشمل «حرب برمائية، ومناورة برية، وغوص وغطس، واعتراض بحري، ودفاع جوي، وتكامل عمليات خاصة، وحرب ضد غواصات، وعمليات بحث وإنقاذ».
وحذرت السفارة الروسية في واشنطن في وقت سابق من حجم تدريبات «نسيم البحر» الأمريكية ـ الأوكرانية في البحر الأسود، يزيد من خطر وقوع حوادث غير مقصودة، بجانب توضيح قدمته البعثة الدبلوماسية الروسية لدى الولايات المتحدة، أن روسيا لهذا السبب، تدعو الولايات المتحدة وحلفاءها إلى التخلي عن هذه المناورات، وفي تغريدة للسفارة الروسية في واشنطن قالت: «لا يتوافق الحجم والطبيعة العدوانية الواضحة لهذه المناورات بتاتا، مع المهام الأمنية الحقيقية في منطقة البحر الأسود».