الوصول إلى جامعة هارفارد أمر صعب لكنه ليس مستحيلًا؛ هذه خلاصة تجربة الدكتور محمود عبد الحفيظ الذي شق طريقه بنجاح من جامعة الفيوم في مصر إلى جامعة هارفارد الأميركية.
محمود عبد الحفيظ (يسار الصورة) مع أعضاء قسم الفيزياء بجامعة فرانكفورت بألمانيا عام 2017 (مواقع التواصل الإجتماعي)
الجزائر– بعد حصوله على الماجستير من جامعة الفيوم بمصر، انتقل الدكتور محمود عبد الحفيظ إلى خارج وطنه لمواصلة دراساته الجامعية، في تجربة قد تكون فريدة من نوعها، إذ نهل العلم من جامعات مرموقة في القارات الأربع.
فمن مصر إلى ألمانيا وبلجيكا، ثم الصين وروسيا، وبعدها أميركا والسويد؛ اكتسب عبد الحفيظ خبرات عديدة ومتنوعة في تخصص “فيزياء المواد”، وهي التجربة التي يشاركنا إياها في هذا الحوار:
بعد حصولي على الماجستير من جامعة الفيوم بمصر، حصلت على منحة دكتوراه من جامعة “دريسدن” بألمانيا.
وبعد إتمامي الدكتوراه عام 2012 كان لي تواجد في أكثر من جامعة أثناء إعداد أبحاث ما بعد الدكتوراه، إذ عملت عاما في بلجيكا بجامعة لييج عام 2013، وعملت بعدها عامين في جامعة بكين بالصين حتى 2015، ثم عدت إلى ألمانيا، وعملت بجامعة فرانكفورت 3 سنوات إلى عام 2018.
بعد ذلك، تقدمت إلى وظيفة أستاذ مشارك بجامعة هارفارد الأميركية وفزت بها بعد اجتياز أكثر من اختبار، وأثناء عملي في هارفارد منحت هذا العام مشروعا بحثيا من جامعة أوبسالا بالسويد، والآن لدي عملان في جامعتي أوبسالا بالسويد وهارفارد بأميركا.
الدكتور محمود عبد الحفيظ داخل جامعة فرانكفورت عام 2018 (مواقع التواصل)
· حدثنا عن تخصصك وأهميته؟
تخصصي العام هو دراسة الخواص الفيزيائية للمواد، خاصة التي توصل الكهرباء بطريقه فائقة، أي من دون أي فقد في الطاقة.
المواد المستخدمة في الوقت الحالي لنقل الطاقة هي مركبات النحاس، وهو موصل جيد لكنه ليس فائقا؛ لذلك فإن الهدف الذي أسعى إليه هو الوصول إلى مادة فائقة التوصيل.
والوصول لهذه المادة سيحدث ثورة صناعية في مجال الطاقة؛ فالعالم العربي -مثلا- لا توجد لديه مشكلة في الطاقة، ولكن في فقْد الطاقة، وهذا يحدث في كل المجالات.
سأعطيك مثالا يكشف عن قيمة الوصول لهذه المادة؛ القطار الكهربائي السريع في الصين، الذي يقطع 900 كيلومتر في الساعة، يصل لهذا المستوى من السرعة لأن قضبانه بها مواد فائقة التوصيل تمنع الاحتكاك بين العجلات والقضبان، لأن الاحتكاك يؤدي إلى فقد الطاقة، ولذلك تشعر كأن القطار لا يسير على قضبان.
والمادة التي نسعى للوصول إليها ستساعد في زيادة السرعة عن هذا المعدل، كذلك فإن الوصول لمادة كهذه يساعد في زيادة كفاءة التوصيل الكهربائي من محطات الطاقة الشمسية إلى المحطة الرئيسية، ويمنع مشكلة انقطاع التيار الكهربائي.
الدكتور محمود عبد الحفيظ في جامعة بكين بالصين عام 2015 (مواقع التواصل)
· أولى محطاتك العلمية بالخارج كانت في ألمانيا، ما مميزات العمل ضمن منظومة البحث العلمي الألماني؟
التعليم الجامعي في ألمانيا يعتمد على تطوير مهارات الطالب المختلفة في كل التخصصات، عبر معرفة ميول الطلبة وتوجيههم بعد ذلك بمساعدة أهاليهم لما هو أفضل لهم من الناحية الدراسية والعلمية.
الحكومة الألمانية تولي اهتماما كبيرا بالبحث العلمي، ولذلك فإن حجم الميزانية السنوية المخصصة للبحث العلمي لم تتغير رغم الأزمة الصحية التي عرفها العالم بسبب فيروس كورونا.
وبعد نحو 10 سنوات قضيتها في الجامعات الألمانية أقول -وبكل ثقة- إن سر قوة تلك المنظومة روح الفريق والتعاون العلمي المثمر البنّاء بين أفرادها، إذ يتم تبادل الخبرات والمعرفة بين العلماء من جنسيات متعددة، وفي تخصصات مختلفة بمنتهى التناغم والشفافية العلمية.
· ما أهم المنح التي يمكن أن يستفيد منها الطالب العربي في ألمانيا؟
هناك منح المنظمة الألمانية للتبادل الثقافي (DAAD)، وهي منح مجانية وتعد فرصة جيدة للطلاب الذين لديهم خبرة مهنية لا تقل عن عامين، وهناك أيضا منحة “إيراسموس” (Erasmus) التي يوفرها الاتحاد الأوروبي، وهي أيضا مجانية.
وبالنسبة للمنح غير الحكومية التي توفرها المنظمات غير الحكومية نجد في المقام الأول منحة مؤسسة “هاينريش بول” (Heinrich Böll) الموجهة للطلبة الراغبين في الحصول على درجتي الماجستير والدكتوراه.
هناك أيضا منحة مؤسسة “باير” الموجهة للطلبة في تخصص العلوم والطب، وأيضا منحة “ماري كوري” التي أنشأها الاتحاد الأوروبي لتمويل الباحثين طوال حياتهم المهنية، بما في ذلك البحوث التي أجريت في أي بلد في الاتحاد الأوروبي. وتسمح هذه المنحة للمنظمات والجامعات بتطوير تحالفات مع العديد من المؤسسات الرائدة في جميع أنحاء العالم.
داخل قسم الفيزياء بجامعة هارفارد مع دونا ستريكلاند الحاصلة على جائزة نوبل عام 2018 (الجزيرة)
· انتقلت من ألمانيا إلى الصين لإكمال أبحاث ما بعد الدكتوراه، لماذا اخترت هذا البلد إذ لا يقصده كثير من الطلبة للدراسة؟
الصين اليوم من أقوى الدول في العالم، وكانت محطة مهمة في حياتي العلمية؛ إذ تمكنت فيها من نشر أول أبحاثي بمجلة “نيتشر” (Nature) العريقة.
كما تعد الصين من البلدان الرائدة في بحوث فيزياء المواد، وتعلمت الكثير هناك فهي كانت فاتحة خير علي.
· كيف وجدت الدراسة هناك؟ وهل واجهتك صعوبات في التأقلم مع الأجواء الصينية؟
في ما يخص التعليم بالصين في العموم، فإن الحكومة الصينية تهدف إلى تسجيل نصف مليون طالب أجنبي في الجامعات كل عام، وهو رقم يبين إلى أي مدى تم وضع خطط لتعزيز الجامعات في البلاد، وتشجيع الطلاب الدوليين للدراسة في الصين.
العقبة الوحيدة التي واجهتها هناك كانت مشكلة اللغة في التعاملات اليومية التي تتم باللغة الصينية.
الصين ترغب في زيادة الطلاب الدوليين بجامعاتها لتعزيز التعليم والاقتصاد (الجزيرة)
· ما أهم المنح الجامعية التي تقدمها الصين للطلبة العرب خاصة والدول النامية عامة؟
تنقسم المنح الدراسية الصينية إلى 3 أنواع رئيسية اعتمادا على نوع التمويل، وهي: منح الحكومة الصينية، والمنح المقدّمة من الجامعات الصينية، ومنح المنظّمات والمؤسسات الخيرية.
ومن أشهر منح الجامعات الصينية “برنامج شوارزمان للباحثين” (Schwarzman Scholars Program)، ومنح جامعة شنغهاي جياو تونغ (SJTU)، إذ تقدم هذه الجامعة 72 منحة دراسية للطلبة الدوليين كل عام، وهي منح كاملة بقيمة 5 آلاف يوان ( نحو 740 دولارا) في الشهر.
وعلى العموم، فإن الصين -مثل العديد من الدول- ترغب في استقبال الطلاب الدوليين لتعزيز نظام التعليم ومنافسة الاقتصاد العالمي، ومعظم الجامعات في الصين لديها برامج منح خاصة للطلاب الدوليين، ويمكنك العثور على مزيد من المعلومات على مواقع الجامعات.
· ما أوجه التشابه والاختلاف في الدراسة بين ألمانيا والصين؟
من الصعب المقارنة بين بلدين مختلفين من حيث الانتماء الجغرافي والتاريخي والثقافي، غير أن هناك اختلافات جوهرية مثيرة بين ألمانيا والصين، ومن خلال تجربتي الشخصية سنسرد بعض النقاط.
هناك فرق من حيث حماية خصوصية حياة الأفراد ومراقبة الأماكن العامة؛ فعندما وصلت إلى شنغهاي، المدينة التي يزيد عدد سكانها على 24 مليون نسمة، استغرق الأمر مني بعض الوقت للتعود على نمط الحياة في الصين. فضلا عن ذلك فإن عدد سكان شنغهاي يفوق عدد سكان برلين سبعة أضعاف، ولذلك فإن حركة المرور بها مخيفة وسريعة جدا.
الاختلاف الجوهري الآخر بين ألمانيا والصين هو الموقف من كاميرات المراقبة. عندما سمع أصدقائي الألمان أن حتى حدائق شنغهاي، وهي أماكن للتجول والاسترخاء، تخضع كاميرات المراقبة، إذ وجدوا ذلك “مفاجئا” و”غير معقول”، فنظام المراقبة في الصين يرتكز على حوالي 570 مليون كاميرا.
الدكتور محمود عبد الحفيظ (الثاني يمين) داخل قسم الفيزياء بجامعه هارفارد (الجزيرة)
· حدثنا عن تجربتك بجامعة هارفارد الأميركية؟
جامعة هارفارد من أقدم الجامعات في العالم، وهي إحدى أكبر الجامعات مساحة في العالم، وتُعد أيضا من بين الأفضل من حيث التجهيزات.
الوصول إلى جامعة هارفارد أمر صعب، لكنه ليس مستحيلا، والتحاقي بقسم الفيزياء أتى عن طريق إعلان وظيفي داخل القسم، ولكن الشروط كانت صعبة، غير أن التجربة التي اكتسبتها في الصين أهلتني لارتيادها.
سر نجاح هذه الجامعة يكمن في أعضاء هيئة التدريس؛ فالأساتذة هناك طيبون وودودون ومتاحون للطلاب، كما يعد حماسهم مكملا مثاليا لحماس الطلاب الذين يقومون بتدريسهم.
· بالنسبة للطلاب، ما شروط القبول في جامعة هارفارد وتكلفة الدراسة في الجامعة؟
إضافة إلى ضرورة تمتع الطالب بمعدل جيد في دراساته السابقة، هناك اختبار يسمى “سات” (SAT)، وهو اختبار لتحديد المستوى تقوم به الجامعة حتى تتمكن من الوقوف على قدرات وإمكانات الطالب المتقدم للدراسة ومستواه التعليمي والشخصي، ويشتمل على اختبارات اللغة ومجموعة من الاختبارات التي تقيس مستوى الطالب في كثير من العلوم، ويعد هذا الاختبار من أهم الاختبارات التي يعد اجتيازها شرطا لقبول الطالب في الجامعة.
يُطلب من كل متقدم للدراسة في الجامعة أن يقدم سيرة ذاتية احترافية تسهم في إبراز المهارات العلمية والدراسية للطالب، ويُفضل أن تكون مختومة من الجامعات التي درس بها سابقا.
وفى النهاية، وبعد اجتياز كل الاختبارات السابقة ستكون أمامك المقابلة الشخصية، وهي آخر مرحلة قبل قبولك في الجامعة، وعادة تتم عن طريق مقابلة عبر سكايب أو مكالمة فيديو، وبعد أن تنجح في الاختبار سترسل لك الجامعة تأشيرة الدراسة التي تستطيع بفضلها السفر والانضمام للدراسة في الجامعة.
أما تكلفة الدراسة فيها فعالية، حيث تصل إلى 60 ألف دولار أميركي في العام ولا يشمل المبلغ مصاريف الإقامة، حيث ستحتاج إلى ميزانية أخرى للإعاشة والطعام وغيرها من أمور الحياة أثناء الدراسة.
وبسبب تكلفة الدراسة المرتفعة والمبالغ فيها لمن يرغب في الالتحاق بجامعة هارفارد، تقدم الجامعة العديد من المنح المجانية للطلبة والطالبات المتميزين على مستوى العالم.
أثناء الإعداد لإحدى التجارب داخل جامعة هارفارد عام 2020 (الجزيرة)
· أنت أيضا عضو بالأكاديمية العربية الألمانية الشبابية للعلوم والعلوم الإنسانية وأكاديمية موسكو للعلوم، فكيف انضممت لهما؟ وكيف استفدت منهما؟
انضمامي لأكاديمية موسكو للعلوم كان عن طريق ترشيحي من قبل هيئة التدريس بجامعة موسكو الدولية، التي اشتغلت بها سنتين.
ومن خلال عضويتي بالأكاديمية تمكنت من الظفر بمشروع بحثي علمي ممول من الحكومة الروسية لدراسة خواص المواد الفزيائية، واستفاد من هذا المشروع صغار الباحثين من الجانبين الروسي والعربي لاستكمال أبحاثهم.
أما عن عضويتي في الأكاديمية العربية الألمانية الشبابية للعلوم فالأبواب مفتوحة لكل الباحثين العرب الراغبين في الانضمام إليها.
هذه الأكاديمية تعد جسرا عربيا ألمانيا لترقية البحث العلمي في الوطن العربي عبر إقامة بحوث علمية مشتركة بين الباحثين الألمان والعرب، وتمويل برامج ترقية الثقافة العلمية أو المشاركة في المؤتمرات العلمية، وأنا أنصح الباحثين العرب بالانضمام إليها للاستفادة من خدماتها.
الدكتور محمود عبد الحفيظ مع مجموعته البحثية بجامعة موسكو عام 2018 (الجزيرة)
· في الأخير، بماذا تنصح الطلبة العرب الذين يرغبون في الدراسة بالصين والجامعات الغربية بصفة عامة؟
أدعوهم أولا للاهتمام بدراسة اللغة الإنجليزية، ثم إن الدراسة بالخارج تستدعي اختيار المشرف الجيد ومجموعة عمل قوية في تخصص الطالب، مع ضرورة الاهتمام بجودة ومضمون وشكل المشروع البحثي، والاهتمام بتطبيقاته اﻷكثر نفعا للبشرية، والبعد عن الكم والعدد على حساب الكيف من أجل الشهادة أو الترقية العلمية.
أدعو أيضا الطلبة إلى بذل مزيد من الجهود في تطوير الذات؛ فمثلا ما درسته أنا في جامعة الفيوم وجدته غير ملائم تماما بالخارج، لأن هناك تطورا كبيرا حدث ولم يصلنا بعد.
وعلى الطالب أن يسعى لإقامة تعاون علمي مع زملائه في الجامعة ويتبادل معهم الخبرات ويحاول فتح قنوات خاصة بسيطة مع العلماء والباحثين في مختلف جامعات العالم؛ ليكون دائما على اطلاع مستمر على ما يحدث في مجاله.
المصدر : الجزيرة