You are currently viewing صحوة العملاق النائم.. هل بدأ عصر جديد في الصناعة العسكرية المصرية؟

صحوة العملاق النائم.. هل بدأ عصر جديد في الصناعة العسكرية المصرية؟

محمد العربي

على واجهة كبيرة وُضعت داخل ديوان عام وزارة الإنتاج الحربي المصرية، نُقشت عبارة مُزخرفة واضحة لا يمكنُ أن تُخطئها العين على جدران المبنى العتيق: “نحن نصنع السلاح منذ 7000 عام”. تمتلك الوزارة بالفعل 16 مصنعا لإنتاج الأسلحة، بخلاف 11 مصنعا آخر تابعا للهيئة العربية للتصنيع، وعشرات الشركات التي تسيطر عليها وزارة الدفاع، رغم أن ذلك كله لا يتفق مع واقع الإنفاق العسكري المصري في ماراثون التسليح من الخارج، الذي تضاعف ثلاث مرات خلال السنوات الخمس الأخيرة، إلى درجة أن مصر أصبحت ثالث أكبر مستورد للأسلحة في العالم بين عامَيْ 2015-2019، بحسب تقرير نشره معهد “ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام”، المعني بمراقبة حركة بيع السلاح وشرائه في العالم.

وفيما يبدو، فقد فشلت تلك الشركات الحكومية على مدار سبعة عقود في مساعدة مصر في تحقيق الاكتفاء الذاتي من إنتاج السلاح، وقد فاقمت الديون المتراكمة وضعف الإنتاج من ذلك الفشل، علاوة على تدخُّل الخزانة العامة للدولة لتحمُّل الخسائر التي كبَّدها لها قطاع الصناعات العسكرية، وهو ما دفع هذه الشركات والمصانع للتحوُّل من إنتاج الأسلحة الخفيفة والذخائر وقذائف الدبابات والمدفعية إلى إنتاج الأدوات المنزلية والأجهزة الطبية ومعدات الكهرباء. بيد أن وثيقة صادرة عن الاستخبارات الأميركية عام 1985 اعتبرت أن الفشل ليس سببه فقط نقص التمويل والعجز المالي، إنما طريقة إدارة العسكريين لتلك الشركات القائمة على الإكراميات المتبادلة بين كبار ضباط الجيش، وهو ما أظهر قصورا متوقَّعا في البحث العلمي، وسوءا واضحا في القدرات البشرية على المدى الطويل، رغم الإفراط في التوظيف.

 

بينما أخذ الجيش يدحض تلك الاتهامات، خرج صوت ذو مصداقية من الصف في صورة اعتراف لوزير الإنتاج الحربي السابق، اللواء محمد العصار، عام 2017 بأن الخسائر سببها وجود خلل في التعيينات، وأن مرتبات العاملين وصلت في وقت من الأوقات إلى 200% من الإنتاج، ليضطر بعدها للتعاقد مع شركة تابعة لوزارة التخطيط لإعادة هيكلة البنية المالية لشركات الإنتاج الحربي. ومن ثمَّ أُعلِن في نهاية العام نفسه أن الأرباح تخطَّت للمرة الأولى منذ ثماني سنوات حاجز الخسائر، وبينما يُعَدُّ “العصار” العقل المدبِّر لمحاولات الانطلاقة الجديدة التي شهدتها الصناعات العسكرية، فإن الصحوة -إن صحَّت تسميتها بذلك- ارتبطت بالتحوُّلات التي شهدها الجيش المصري منذ صعود الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى سُدة الحكم عام 2014، ورؤيته لتحويل الجيش إلى مؤسسة شاملة مهمتها تغيير شكل البلاد وليس مجرد قوات مسلحة تقليدية مهمتها حماية الحدود. وكان ذلك يعني ضمنا أن تسعى القاهرة إلى إحياء مشروع التصنيع العسكري الذي بدأ في الخمسينيات، بعد أن جُمِّد لعقود.

أحلام الضباط القديمة

بعد هزيمتها في حرب عام 1948، وسعيا لاحتواء الغضب داخل صفوف الجيش بسبب الأسلحة غير المطابقة لمواصفات الجودة التي كانت أحد الأسباب الرئيسية للهزيمة، أطلقت مصر مشروعا ضخما لإنتاج سلاحها محليا، بموافقة بريطانية وأميركية، بعد ثلاثة أشهر فقط من انتهاء الحرب. وقد كُشِف النقاب عن ذلك المشروع في وثائق سرية للجيش البريطاني نشرتها هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، وشمل إنشاء مصانع لإنتاج الطائرات المقاتلة بتكلفة بلغت 1.5 مليون جنيه (نحو خمسة ملايين دولار وقتها)، إلى جانب تصنيع الذخائر والأسلحة الصغيرة، وشراء عدد ضخم من الطائرات والمعدات، وقطع الغيار لتحديث السلاح الجوي الملكي المصري، لكن المشروع سرعان ما توقف لأسباب فنية ومادية.

عقب الإطاحة بالملك وتأسيس الجمهورية، شرع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في إنشاء وزارة الإنتاج الحربي عام 1954، كما نجح الجيش في صناعة أول طائرة أسرع من الصوت بشراكة إسبانية، لكن المشروع توقف بسبب ارتفاع التكلفة إلى جانب الضغوطات التي مارسها السوفييت والتهديدات الإسرائيلية للمشاركين الأجانب في المشروع، لينتهي بالفشل وتنتهي معه الحاجة إلى وجود وزارة الإنتاج الحربي التي اتجه عبد الناصر إلى إلغائها عام 1969. وبعد وصول السادات إلى الحكم، وبينما الدولة في خضم التخطيط لحرب التحرير ضد إسرائيل، فكَّرت القيادة المصرية في حل مشكلة التكلفة الباهظة لاحتياجات الجيش من السلاح، ولذا فإنها أعادت الوزارة مرة أخرى عام 1971، واقتصرت وظيفتها على إنتاج احتياجات الجيش الصغيرة من السلاح والذخائر.

 

بعد هزيمة إسرائيل في حرب عام 1973، شكَّل توجُّه إسرائيل الجديد لتطوير صناعاتها الدفاعية تهديدا مباشرا لجوارها العربي، ما دفع كلًّا من مصر والسعودية والإمارات وقطر إلى الاتفاق من أجل تأسيس “الهيئة العربية للتصنيع” برأس مال مشترك جاوز مليار دولار أميركي. وقد هدفت الهيئة إلى إنتاج طائرات عسكرية ومدرعات وصواريخ، لكن توقيع مصر اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1979 أودى بالمشروع إلى الانهيار عقب انسحاب الشركاء منه، تزامنا مع مقاطعة خانقة على مصر استمرت تسعة أعوام حتى استعادت القاهرة مجددا مقعدها في جامعة الدول العربية. وفي عام 1993، اشترت مصر جميع أسهم الهيئة العربية للتصنيع، لتصبح بعدها شركة مملوكة بالكامل للحكومة المصرية.

الركود.. وإعادة التنظيم

رغم الخبرة التي اكتسبتها المصانع الحربية في ثلاثة عقود وصولا إلى بدايات عهد الرئيس المصري الراحل حسني مبارك، فإن ذلك لم يمنع من تحقيقها لخسائر مالية كبَّدت خزينة الدولة الكثير، وهو ما دفع القوات المسلحة لتنظيم تلك الشركات التي عانت الضائقة المالية تحت جهة جديدة سُميت “الهيئة القومية للإنتاج الحربي”. غير أن الرئيس المصري وقتها لم يوجِّه الدعم المالي الكافي لتحويل الجيش إلى قوة قتالية كبيرة مكافئة لإسرائيل التي تطورت علاقاته معها في ظل وجود معاهدة السلام. ولم يتجه الجيش إلى تصنيع معدات ثقيلة باستثناء المدرعة “فهد” لتحل محل المدرعات الروسية القديمة. وفي أواخر عام 1988، حصلت مصر من الولايات المتحدة على حق الاشتراك في إنتاج الدبابة الأميركية الأشهر “M1A1″، على أن تنتج 40% فقط من مكونات الدبابة، لتكون تلك الصفقة هي دُرة الصناعات العسكرية للجيش طيلة التسعينيات.

دخلت الصناعة العسكرية المصرية في سبات طوال العقدين الأخيرين من حكم مبارك، واعتمدت مصر حصريا في تسليح جيشها على المعونة العسكرية السنوية المُقدَّمة من الولايات المتحدة بقيمة 1.3 مليار دولار، لكن مع وصول السيسي إلى رأس السلطة عام 2014 بواسطة انقلاب عسكري، تحوَّل دور الجيش من مؤسسة عسكرية مهمتها حماية البلاد إلى جهة تولَّت مسؤولية تغيير شكل الدولة المصرية، بداية من النخبة الحاكمة، وإعادة نسج الشراكات والتحالفات مع الدول في محيطها الإقليمي، وصولا إلى السيطرة على اقتصاد الدولة. ويبدو أن الجيش الذي انخرط بقوة في الأنشطة المدنية، وأصبح لديه دور أكثر مركزية في البلاد، لم يُغفل تماما الاحتياجات العسكرية، في وقت تضاعفت لديه فيه المداخيل المالية غير الخاضعة للرقابة، وبات في حاجة أكثر إلى شراء المزيد من الأسلحة المتطورة لأسباب سياسية وأمنية.

فبينما كان الجيش يُعيدُ إنتاج نسخة جديدة من رأسمالية الدولة التي تُعزِّز قبضتها على السوق الحر عبر شركات القطاع الخاص المملوكة سرا له، استعدَّت المصانع الحربية هي الأخرى لإنتاج نفسها من جديد عبر سلسلة إقالات واسعة شملت رؤساء العديد من الشركات، وإدخال تحديثات على شروط الالتحاق بمصانعها، وضخ قيادات مدنية في الصف الثاني والثالث لضبط عملية الإنتاج والإدارة، إلى جانب إلزام رؤساء الشركات التابعة لوزارة الإنتاج الحربي بكتابة أرقام الرقابة الإدارية (هيئة مستقلة تتبع الرئاسة المصرية) على لوحات الإعلانات للإبلاغ عن الفاسدين، ضمن إجراءات هدفت لإعادة الثقة في المصانع الحربية مجددا.

بدأت انطلاقة الجيش نحو عالم الصناعة العسكرية عبر توفير بعض احتياجاته التي يستوردها من الخارج، فعمدت الهيئة العربية للتصنيع إلى إنتاج الصلب المدرع لإنتاج السيارات لصالح القوات المسلحة، وتعاونت الهيئة مع 12 شركة دولية من عدة دول؛ أبرزها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والصين واليابان. وخلال السنوات الثلاث الأولى من عهد السيسي، ظهرت بوادر ذلك التحوُّل خلال معرض “إيديكس 2018” للصناعات الدفاعية والعسكرية الذي استضافته القاهرة، وأُعلِن خلاله عن تصنيع رادار ثلاثي الأبعاد للإنذار المبكر بمدى 450 كيلومترا، صُنع محليا بالكامل، وهو في مستوى الرادارات العالمية، وتأتي أهميته كونه يُمثِّل بوابة مصر الجديدة نحو امتلاك تكنولوجيا تصنيع الرادارات، كما يُدخلها سوق الأسلحة منافسة وليست مستهلكة.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع وزير الإنتاج الحربي المصري وقادة الجيش في اليوم الأول لمعرض “إيديكس 2018” للصناعات الدفاعية والعسكرية

المفاجأة الثانية التي أعلنها الجيش المصري هي اتجاهه لصناعة الدبابة الأميركية الأشهر “M1A1” بنسبة 90%، بدلا من الشراكة القديمة مع الولايات المتحدة، لتكون صناعة مصرية خالصة تقريبا، وتُقدَّر تكلفة الدبابة الواحدة بنحو ثلاثة ملايين دولار، وترجع شهرتها لاستخدامها في حربَيْ أفغانستان والعراق، وللدور الكبير الذي قامت به خلال مواجهات الجيش ضد التنظيمات المسلحة في سيناء. وخلال المعرض ذاته، خطفت المدرعة “فهد 300” أنظار عدة دول طلبت شراءها، حيث تُروِّج الجهة المُصنِّعة لها بأنها مدرعة أخف وأصغر وأكثر تدريعا من مثيلاتها وأقل تكلفة، وقد اقتنتها عدة دول عربية وأفريقية بالفعل، وتستخدمها أيضا القوات المصرية المشاركة في عملية قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وبحسب تقديرات مصرية، تُصنَّف المدرعة “فهد” أفضل رابع مُدرعة من حيث الحماية عالميا.

ظهرت المدرعة “فهد” إلى جانب أسلحة مصرية أخرى خلال معارك دارفور في حوزة المتمردين، وشاركت في القتال ضد الحكومة المركزية في عهد الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير، وهو ما دفع الخرطوم لتقديم اتهام رسمي ضد القاهرة منتصف عام 2017، خاصة بعد استحواذ الجيش السوداني على مدرعة مصرية دُمِّرت خلال القتال، ورغم نفي الخارجية المصرية، فإن السودان لم يكن وحيدا الذي يوجِّه الاتهامات. فقد فوجئت حكومة الوفاق الليبية السابقة بهجوم الجنرال الليبي خليفة حفتر على العاصمة طرابلس مُستخدِما مدرعة مصرية من طراز “Terrier LT-79″، عُرفت بأنها أحدث المشاريع المشتركة بين هيئة التصنيع المصرية وشركة “ذي آرمرد غروب” (THE ARMORED GROUP) الأميركية.

لم تقف الأمور عند هذا الحد، فخلال السنوات الثلاث الأخيرة، استضافت مصر نسختين من معرض “إيديكس” الدولي للصناعات العسكرية والدفاعية، وكُشف خلالهما عن أسلحة مصرية متطورة عُرضت لأول مرة، منها رادار في كفاءة الرادارات العالمية، وسلاح رشاش متعدد، وطائرة مُسيَّرة، وجيل جديد من المدرعات سبق وظهرت في مناطق النزاعات في سوريا والعراق وليبيا ودارفور، كما استخدمتها قوات حفظ السلام التابعة لبعثة الأمم المتحدة، وكذلك بلدان عربية مثل الكويت وعمان والجزائر، بالإضافة إلى أكثر من دولة أفريقية.

ورغم استخدام الجيش أسلحته المُصنَّعة محليا في دعم حروب وصراعات تخدم أجندته الإقليمية منذ سنوات، فيمكن القول إن توجُّه مصر الفعلي نحو تصدير صناعاتها العسكرية بدأ في أوائل عام 2020، مع إنشاء “مصنع 300 الحربي”. فقد تبنى الجيش إستراتيجية تصنيع منتجات عسكرية بمواصفات دولية، لتكون مصر مؤهلة لدخول سوق التصدير ومزاحمة إسرائيل وتركيا (لا تزال القاهرة بعيدة فعليا عن تحقيق هذا الهدف)، ونجح المصنع في إنتاج أول رشاش متعدد، يُطلق 900 طلقة في الدقيقة الواحد، بكفاءة تعادل الرشاش المستورد، دون مساعدة فنية من دولة أجنبية، ليسهم بذلك في خفض فاتورة شراء الجيش من السلاح نفسه بنحو 40%، بحسب تصريحات لرئيس قطاع الأسلحة في مصنع “300 الحربي” نشرتها صحيفة “الوطن” المصرية.

 

بالتزامن مع ذلك، بدأ قطاع الصناعات العسكرية المصري في عقد شراكات مع عدة دول عربية بهدف اختبار منتجاته. وقد عرضت مصر خلال معرض “إيديكس 2018” طرازا متطورا من جيل المدرعة “تمساح 1″، ليظهر بعدها أربعة أجيال منها، وهي المدرعة التي جُرِّبت في صحراء أبو ظبي والرياض، تمهيدا لتوقيع أول عقودها التصديرية مع الإمارات والسعودية، ضمن خطة تستهدف أن تتربع مصر على عرش صناعة الأسلحة في العالم العربي.

طموحات.. ولكن

ورغم العبء المالي الذي شكَّلته التوجُّهات العسكرية الجديدة في السنوات الأخيرة، يبدو أن صُنَّاع القرار في البلاد يدركون أن مصر لا تمتلك الخيار في خوض هذا الطريق لنهايته، في وقت تشتعل فيه سباقات التسلح في المنطقة، مع تزايد حاجة مصر إلى الحفاظ على تفوُّقها بين المنافسين في ظل زيادة تحدياتها الأمنية وضخامة جيشها. في الوقت الراهن، يبلغ تعداد الجيش المصري 920 ألف مقاتل، بينهم 440 ألف قوات عاملة، والباقي ضمن القوات الاحتياطية، ويبلغ سن التجنيد سنويا في مصر أكثر من 1.5 مليون نسمة، كما تمتلك مصر ما مجموعه 1054 طائرة حربية متنوعة، وأكثر من 4200 دبابة، ما يجعلها صاحبة أكبر أسطول من هذا النوع في المنطقة، إلى جانب أكثر من 11 ألف مدرعة، إضافة إلى أكثر من 2100 مدفع ميداني، وأكثر من 1100 مدفع ذاتي الحركة، ونحو 1100 راجمة صواريخ، وهي ترسانة تضع الجيش المصري ضمن قائمة الجيوش الثلاثة الأقوى في منطقة الشرق الأوسط في أدنى الأحوال، لكن هذا التفوق يبقى مُهدَّدا من قِبَل المنافسين الصاعدين.

نتيجة لذلك، تجد مصر نفسها في وضع مُلِحٍّ للانخراط في برامج تصنيع أسلحة أكثر تقدُّما مثل الصواريخ والطائرات والمُسيَّرات. وقد كشف الجيش مؤخرا عن أول طائرة مُسيَّرة من إنتاج مصانع طائرات الهيئة العربية للتصنيع، وهي من طراز “نوت”، المجهزة لمهام الاستطلاع أو التدريب، ورغم أن القاهرة لا تمتلك بعد التكنولوجيا الكاملة لصناعة الدرونز المقاتلة، فإنها نجحت في تصنيع طائرة مُسيَّرة حملت اسم “30 يونيو”، وهي طائرة استطلاع وتنفيذ مهام قتالية محدودة تصل سرعتها إلى 218 كم في الساعة، ويمكنها البقاء في الجو لمدة 60-70 ساعة.

يأتي ذلك ضمن خطة أوسع للجيش المصري لدخول عالم المُسيَّرات من أوسع أبوابه. في الواقع، تمتلك القوات الجوية المصرية عددا من الطائرات المُسيَّرة الهجومية الصينية من طراز “وينغ لونغ” استخدمتها في حروبها ضد التنظيمات المسلحة في سيناء، كما تُصنِّع طائرات التدريب “ka 8” الصينية، بعد حصولها على ترخيص من الشركة الصينية بتصنيعها محليا، وتتوقَّع صحيفة “الغارديان” البريطانية أن تحتل مصر المرتبة السادسة في أكثر بلدان العالم اقتناء للطائرات المسيرة بحلول عام 2030.

طائرة بدون طيار معروضة في المنصة المصرية بمعرض الدفاع المصري (إيديكس)

ووفقا لموقع “دَيلي نيوز” في مصر، فإن الجيش المصري وضع خطة منذ عام 2018 تستهدف توفير احتياجات القوات المسلحة المصرية في الفترة 2020-2030 مع تصدير الفائض عن الحاجة إلى الخارج في الفترة 2025-2030. ورصدت وزارة الإنتاج الحربي المصرية لتلك الخطة التي تستهدف رفع قدرات تصنيع السلاح والمعدات مبلغ 7.3 مليارات جنيه (464.6 مليون دولار أميركي)، لكن الجيش الذي تبلغ ميزانيته نحو 10 مليارات دولار يواجه تحديا من أجل المُضي قُدما في طموحه الإستراتيجي، فحتى الآن لم تعالج الحكومة الخلل القديم في الهياكل المالية والخسائر لبعض الشركات، كما لا تزال ميزانيات هذه الشركات وقياداتها أبعد ما تكون عن المساءلة والشفافية. بخلاف ذلك، فإن النجاح المالي النسبي الذي حقَّقته وزارة الإنتاج الحربي عائد في أصله للامتيازات التي منحتها الدولة لها أمام شركات القطاع الخاص، ورغم ذلك فإنها لا تكشف عن أرباحها، وتكتفي بنشر الإيرادات التي بلغت 19.7 مليار جنيه العام المالي الماضي 2020-2021.

لا تقف المشكلات عند هذا الحد، فبحسب دراسة صادرة عن مركز “كارنيغي”، تواجه الصناعة العسكرية في مصر مشكلات عدة في سبيل تحقيق الهدف المنشود في الوصول إلى تحقيق منظومة دفاعية مصرية 100%، على رأسها غياب التكنولوجيا، في ظل اعتماد مصر سياسة التجميع عبر الحصول على ترخيص التصنيع المحلي، وتمسُّك الشريك الغربي بسرية تكنولوجيا السلاح نفسه، وهي الأزمة التي تعوق الوصول إلى تكنولوجيا مصرية مستقلة. تجد طموحات مصر العسكرية نفسها إذن بين مطرقة غياب التمويل لصناعة تتطلَّب تدفُّقا ماليا وفيرا، وسندان نقص التكنولوجيا المحلية وتأخر البحث العلمي في هذا المجال، فضلا عن غياب المساءلة والشفافية، ما يعني أن أمام البلاد طريقا طويلا للوصول إلى استقلال صناعاتها العسكرية، حتى إذا كانت جادة في سلوك هذا الطريق إلى نهايته.

 

اترك تعليقاً